العاملات المنزليات في لبنان عرضة للاستغلال على شكل عمل إكراهي. وهن يعانين أحياناً من الشروط المشابهة للاستعباد. وهناك اقرار واسع بضعف الإطار القانوني وآليات تطبيق القانون، وبأن مسائل التمييز لا تعالج بالشكل المناسب. في المقابل، تبين ان الأسباب التي تجعل صاحبات العمل اللبنانيات يسئن معاملة عاملة المنزل تتعلق بالتجارب التي مرّت بها صاحبة العمل خلال طفولتها، العلاقة الزوجية، نظر صاحبة العمل إلى نفسها، والضغوط الناتجة من النظام الذكوري.
هذا أبرز ما توصل إليه تقريران حول واقع عاملات المنازل الاجنبيات في الخدمة المنزلية. الأول تقرير قانوني حول الاتجار بالعاملات أعدّته المحامية كاثلين هاميل، والثاني دراسة استطلاعيّة حول العوامل الاجتماعية والنفسية وراء إساءة صاحبات العمل للعاملات، للدكتور راي جريديني.
يأتي هذان التقريران اللذان أطلقا في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، أمس، ضمن مشروع «الفسحة المتعددة الوسائط لحقوق الإنسان»، وهو مشروع تنفذه لجنة منظمات الخدمة التطوعية الايطالية، بالشراكة مع منظمة «كفى عنف واستغلال»، و«حركة السلام الدائم» و«المركز اللبناني لحقوق الإنسان».
يمول الاتحاد الاوروبي، بموجب الآلية الدولية لحقوق الإنسان، ٨٠٪ من هذا المشروع الذي تبلغ كلفته قرابة ٣٧٤ ألف يورو، ويشمل الى إعداد التقارير البحثية إنشاء مركز توثيق على الانترنت www.humanrights-lb.org، ومجموعات الضغط والدفاع، وإنتاج الافلام القصيرة، وإقامة مهرجان للافلام الخاصة بحقوق الإنسان.
تقدم دراسة المحامية هاميل براهين عدة تبين أن نظام الكفالة المعمول به في لبنان والطريقة التي يتم فيها التوظيف والنقص في الحماية القانونية، هي عوامل تساهم في جعل العاملات الاجنبيات عرضة للاتجار. وتوصي هاميل في دراستها بضرورة الغاء نظام الكفالة كمدخل للحد من خطر تعرض عاملات المنازل للاستغلال وعمليات الاتجار بالبشر.
ووفق وثائق المراجعة الدورية الشاملة التي اجراها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن عدد العاملات الاجنبيات في الخدمة المنزلية يراوح بين ١٣٠ ــ ٢٠٠ ألف.
في المقابل وبحسب دراسة هاملين، بينت احصاءات وزارة العمل إتمام ١١٧٩٤١ اجازة عمل تتعلق بالخدمة المنزلية في عام ٢٠١٠، بينها ٣٧٧٣٢ إجازة جديدة. وتحتل اثيوبيا المرتبة الأولى بحسب جنسية العاملات (٣١٥٥٦ عاملة) تليها الفيليبين (٢٩٠٤٩) وبنغلادش (٢٤٠٨١) وسيريلانكا (١٢٥٢٧) والنيبال (١١٩٧٥) ومدغشقر (٣٤٧٠) وباقي الجنسيات (٥٢٨٣). ولا توفر القوانين اللبنانية حماية كافية للعاملات، وأدى هذا الوضع إلى ظروف عمل شبيهة بالرق، وإلى الاستغلال في العمل والحد من حرية التنقل وسوء المعالمة البدنية والجنسية وتسجيل معدلات عالية من حالات الموت التي لا تخضع لتحقيق شفاف لمعرفة أسبابها وتسجل غالباً في تحقيقات الشرطة حالات انتحار.
وكان لبنان قد رفض خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل التاسعة التي عُقدت في جنيف في تشرين الثاني الماضي، ٤٠ توصية لتحسين سجله في حقوق الإنسان، بينها توصية بإلغاء نظام الكفالة الذي يقيد حرية العاملات في الخدمة المنزلية، ويجعلهن يعتمدن اعتماداً تاماً على رب العمل، وينزع منهن بحكم الأمر الواقع حق المقاضاة عن سوء المعاملة، والتهرب من دفع الأجور والحرمان من الإجازة والعمل بدون دوام، وفي أماكن متعددة، وغيرها من اشكال الاساءة التي تصنف في خانة «الاتجار بالبشر». وتوصي الدراسة بضرورة سن تشريع يجرّم الاتجار بالبشر في لبنان يراعي المعايير القانونية الدولية، وتفعيل اجراءات وزارة العمل في ما يتعلق بالحماية القانونية.
وعرض د. جريديني اجابات اولية عن سبب وجود بعض صاحبات العمل اللبنانيات اللواتي يسئن معاملة عاملة المنزل، فيما صاحبات عمل اخريات لا يفعلن ذلك، مسلطاً الضوء على مجموعة من الاسباب التي تفسر هذه الانتهاكات، إضافة إلى عناصر اجتماعية بنوية أخرى كالإطار التنظيمي لعمل العاملات والضغط الاجتماعي باتجاه وجوب معاملتهن بقسوة.وعرض جريديني حالة الطفل الذي يشعر بأن العاملة هي أمه الحقيقية، في مقابل فقدان جزء من عاطفته تجاه أمه البيولوجية. وكيف يشكل هذا الأمر عامل اضطراب يسهم في زيادة الضغط النفسي عليه وعلى أمه، وردود فعلها تجاه العاملة.
ويبين استبيان أجراه جريديني على ٨٠ عاملة أن الصراخ في وجه العاملة وتعنيفها لفظياً ناتج بالدرجة الاولى من اعتبار ربة العمل أن العاملة ارتكبت خطأ ما (٢٢.٧٪)، لم تعجب بطريقة عملها (١٣.٣٪)، طلبت منها العمل بشكل أسرع (١١.٦٪)، مزاجها كان سيئاً (٦.٧٪)، لم تفهم لغتها (٥.٦٪) تغار منها (٣.٣٪)، لأنها بقيت خارج المنزل فترة طويلة (٣.٣٪)، كسرت أغراضاً (٢.٨٪)، طالبت براتبها (٢.٢٪)، لم تقبل العمل في منازل الأقرباء (١.١٪)، حالة سكر عند رب/ ربة العمل (١.١٪). وترك السبحة: تحدثت الى رفيقتها من الشرفة، مشاكل بين الزوجين، تأخرت بالاستيقاظ، وجّهت ملاحظة قاسية الى الاطفال، أو طلبت إعفاءها من العمل. اما الاسباب التي تؤدي الى ضرب العمالة بحسب استبيان أجري على ٣٨ عاملة فهي أن ١٤.٧٪ من اسباب الضرب جاءت بعد الطلب من العاملة ان تعمل على نحو أسرع. عدم قبولها بنوعية العمل (٨.٨٪) فيما ردت ١١.٨٪ من المستطلعات اسباب الضرب الى «جنون» ربة العمل.
واقترح جريديني القيام بالمزيد من حملات التوعية التي تأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية والتحليلية ـــــ النفسية، إلى جانب اصلاحات بنيوية كتعزيز الرقابة على مكاتب الاستقدام والملاحقة القانونية لأصحاب العمل المسيئين، وإلغاء نظام الكفالة.