أنذرت شركة «سيدركوم»، التي تمتلك «موبي» (مديرها التنفيذي عماد طربيه)، الدولة مطالبة بوقف تنفيذ مشاريع توفير الإنترنت السريع وتجهيز شبكتي الهاتف الخلوي بتقنية الجيل الثالث 3G، وهدّدت باللجوء إلى القضاء بحجّة أن هذه المشاريع تضرّ بمصالحها وبمستوى أرباحها الريعية وطموحها إلى السيطرة على حصّة كبيرة من السوق، في حال استمرار التخلّف المسيطر عليها وعوامل «القلّة» المتحكّمة بها.
فالمعروف أن «سيدركوم»، وشقيقاتها ومثيلاتها، استفادت من سياسة التدمير المنهجي لقطاع الاتصالات في لبنان وتحويله إلى إداة جباية مرهقة للمستهلكين والاقتصاد، وحظيت برخص استثنائية مؤقّتة لسد النقص الفادح في توفير خدمات الإنترنت ونقل المعلومات، ولا سيما عبر التقنيات اللاسلكية، ما جعلها تجني أرباحاً كبيرة على هامش الدولة والمواطن. بل جعلها تحلم بتحويل رخصها إلى رخص دائمة قابلة للبيع بمبالغ طائلة أو قابلة لتشريع ممارسات احتكارية تؤدّي الى السيطرة على سوق تقدّر بنحو 200 مليون دولار، بحسب إحصاءات العام الماضي، وقادرة على النمو بنسبة لا تقلّ عن 20 في المئة سنوياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة، لتصل الى نحو 350 مليون دولار!
ما الذي يرمي إليه عماد طربيه؟ ولماذا أطلق حملته على الإنترنت ليجتذب آلاف الشباب التوّاقين إلى خدمة الإنترنت السريع على غرار ما هو حاصل في البلدان الأخرى؟
بحسب المعلومات، سينعم المقيمون في لبنان أخيراً بخدمات الجيل الثالث في بعض المناطق في غضون شهر أو شهر ونصف من الآن، هذا الأمر أصبح حقيقة، فالعمل جار على تجهيز شبكتي الهاتف الخلوي بالتقنيات اللازمة لإطلاق هذا النوع من الخدمات بعد تخلّف مديد أنتجه قرار سياسي قضى بحرمان اللبنانيين من مواكبة التطور في هذا المجال، بغية إجبارهم على القبول بتحويل احتكار عام إلى احتكار خاص بحجّة أن «الدولة فاشلة»، وإلا فمواصلة إخضاعهم لمصالح مالية ضيّقة تتأمّن من خلال معادلة: أسوأ خدمة بأعلى سعر.
الانتهاء من تنفيذ هذا المشروع ليشمل المناطق اللبنانية المغطّاة بشبكتي الهاتف الخلوي يحتاج إلى أشهر عدّة، إلّا أن التوقّعات تفيد بأن شهر أيلول سيحمل إلى المقيمين مفتاح مرحلة جديدة من خدمات الاتصالات، ففي هذا الشهر ستبدأ أيضاً تباشير إنجاز بعض المفاصل الأساسية من مشروع «ثوري» آخر يرمي إلى مدّ شبكة الألياف الضوئية إلى جميع المناطق اللبنانية، ما يعني أن قدرة هائلة جدّاً، لجهة السعة كما لجهة السرعة، ستكون قابلة للاستخدام في مجالات الإنترنت ونقل المعلومات والنشاطات الكثيرة المرتبطة بها، إلّا أن هذا المشروع لن تنتهي مرحلته الأولى قبل 15 شهراً من الآن، وحينها سيكون كل مقيم في لبنان قادراً على التمتّع بخدمات تضاهي أعلى المعايير وأحدث التقنيات المستخدمة في أوروبا.
ليس هذا فحسب، بل إن وزير الاتصالات شربل نحّاس قرر منذ تسلّمه مهماته أن يواجه «لصوص» الاتصالات مهما كانت قوّتهم واتصالهم بمواقع السلطة والنفوذ المالي، وخاض معارك حاسمة معهم لإرساء أطر وآليات جديدة في إدارة خدمات الاتصالات، وبالتالي، لن يعود باستطاعة أحد، سواء استمر نحّاس في الوزارة أو غادرها، أن يستخدم وزارة الاتصالات وذراعها التنفيذية المتمثّلة بهيئة «أوجيرو» لتعطيل الاستخدام الأمثل لشبكة الاتصالات وتحديثها دورياً وتعظيم منافعها، ولا سيما أن لبنان بات يتمتّع بسعات دولية تفوق حاجاته الراهنة، ولا سيما بعد وصل كابلI ME WE بسنترال طرابلس، علماً بأن هذه السعات الهائلة لا تزال مصادرة من رئيس هيئة «أوجيرو» ومديرها العام، الذي يرفض تنفيذ أوامر وزير الاتصالات بتوزيع بعض خطوط E1 على الشركات لكي تتحسّن خدماتها في هذه المرحلة الفاصلة.
يأتي تحرّك عماد طربيه في سياق المعارك المفتوحة ضد الوزير شربل نحّاس، التي يخوضها المستفيدون من تخلّف الاتصالات، فهؤلاء يريدون أن يحافظوا على منافعهم عبر إبقاء قطاع الاتصالات في عنق الزجاجة... ولن يجد المراقب صعوبة في التأكّد أن حملة مجموعة Lebanese Want Fast Internet التي يديرها عماد طربيه ويساهم في تمويلها تصبّ في هذا الاتجاه، فطربيه يعلم جيّداً أن الإنترنت السريع سيكون واقعاً ملموساً بعد فترة قصيرة، وهو ما يؤكّده الإنذار الذي وجّهته شركته الى وزارة الاتصالات، عبر وكيلها المحامي محمد عالم، تمهيداً لمقاضاتها بهدف وقف تنفيذ مشروع تقديم خدمة الإنترنت ونقل المعلومات بواسطة تقنية HSPA المعتمدة على تقنية الجيل الثالث.
جاء في نص الإنذار المذكور، الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، أن شركة «سيدركوم» ستتضرر من إنجاز هذا المشروع، إذ إن هذه التقنية «ستمكّن مستعملي الهاتف الخلوي وأجهزة الكومبيوتر الثابتة والمحمولة وأجهزة IPAD... وأي شخص آخر من غير مستخدمي الهاتف، من الوصول الى شبكة الإنترنت وتبادل المعلومات ونقلها لاسلكياً بسرعات فائقة تزيد بأضعاف مضاعفة السرعات المتاحة حالياً من خلال شركات القطاع الخاص أو من خلال خدمة DSL».
هذا ما تعترض عليه شركة عماد طربيه، إنها تعترض تماماً على ما تطالب به حملة Lebanese Want Fast Internet، ما يجعل أهداف هذه الحملة مشبوهة أو مريبة بتعبير أخفّ، فالشركة واضحة في اعتراضها: إنها تضع مصالحها فوق مصالح الشعب اللبناني، وهي تقول بما لا يقبل الشك أو الالتباس: إمّا أن يبقى اللبنانيون خاضعين للواقع المتخلّف الحالي، وإمّا أن يقبلوا بالخضوع لمصالح تتستّر باسم شركات القطاع الخاص، فيما تمثّل حدائق خلفية للسياسيين الفاسدين الذين يعرفهم الشعب اللبناني جيّداً، ويعرف أن فسادهم جعلهم يسدّدون سنوياً نحو ملياري دولار للحصول على خدمات اتصال بالغة السوء.
لا تكتفي شركة «سيدركوم» الممولة لحملة «الشعب اللبناني يريد إنترنت سريع» بهذا القدر من الوضوح في أهدافها ومراميها، بل إن الإنذار الموجّه الى وزارة الاتصالات يتوسّع في الشرح فيقول إن «إدخال تقنية الجيل الثالث توفّر سرعة نقل معلومات تصل الى 21 mb/s مقارنة مع المعدّلات الوسطية للسرعات التي توفّرها خدمات الشركة والتي تتراوح ما بين 0.1 و0.256 mb/s، أي إن اللبنانيين سيتمتّعون بسرعات تزيد ما بين 70 و27 مرّة على السرعات التي تقدّمها خدمات «سيدركوم»، وهو ما تعدّ الشركة، التي تموّل حملة المطالبة بالإنترنت السريع، أنه «يمثّل مزاحمة فورية وحتمية لجميع مقدّمي خدمة الإنترنت في لبنان (...) وسيؤدّي حكماً الى إخراجهم من السوق وإقفال أبواب اكثر من 23 شركة وتشريد ألف موظّف وأجير فيها».
وترى الشركة في إنذارها، أن تأمين وزارة الاتصالات حق اللبنانيين بالإنترنت السريع هو «تصرّف غير قانوني ومجحف»! ولذلك تسارع الى كشف أهدافها من خلال المطالبة بإزالة الإجحاف، فتوفير الإنترنت، برأيها، يجب أن يبقى في عهدة الشركات الحالية، ومنها شركة «سيدركوم».
والمفجع في نص الإنذار، أن الشركة تحتجّ على أن تقنية الجيل الثالث لن تؤدّي الى توفير سرعات أكبر للإنترنت فحسب، بل أسعاراً أقل! ولذلك «لا بد من وقف المشروع حرصاً على مصالح الشركات العاملة».