لم يكن مفاجئاً إقدام «فايسبوك» للمرة الثانية على حذف صفحة «الانتفاضة الفلسطينية الثالثة»، إذ لطالما بدت مواقع التواصل الاجتماعي مرتبكة إزاء الاستخدام السياسي والحقوقي لصفحاتها من قبل النشطاء العرب. منذ وقت طويل ـــــ بمعايير الإنترنت طبعاً ـــــ أصبح معروفاً أنه للاطلاع المباشر على الانتهاكات الدموية لأنظمة العروبة ضد ثوارها، يفضل استخدام «فايسبوك» و«يوتيوب».
لكن ذلك الاستخدام ينبغي أن يكون سريعاً وملاحقاً لمقاطع الفيديو من صفحة لأخرى قبل حذفها، فمواقع التواصل لم تنشأ لعرض مشاهد جثث الأبرياء المقتولين على الهواء مباشرة. لقد نشأت تلك المواقع لتبادل المعرفة، ولم يدرك صنّاعها أنهم سيواجهون معضلة لا شبيه لها: تكنولوجيا العصر الحديث فتحت نافذة على دموية أنظمة العصور الوسطى. من هنا، فاتفاقيات الاستخدام التي تحمي المستخدم من مشاهد العنف واجهت أزمتها الأخلاقية الأهم: هل تحمي مستخدميها فتقيهم الكوابيس العربية، أم تتيح للمقهورين أقلّه حق الصراخ وتسجيل تضحياتهم عبر كاميرات الهواة المرعوبين؟ يبدو أن مواقع الإنترنت اختارت حلاً وسطاً وغامضاً. يتحاور بعض مستخدمي «فايسبوك» حول صفحة ذات غرض طائفي خبيث، يتساءل أحدهم: كم رسالة تبليغ تكفي كي يحذف «فايسبوك الصفحة؟ يرد آخر: لا أعرف. ويجيب ثالث: ربما 20 رسالة. بين هذا وذاك، يغيب السؤال الأهم: هل يشكل عدد رسائل الإبلاغ عن صفحة معينة الفارق بين أحقية هذه الصفحة أو عدم أحقيتها في الوجود؟ هل يحذف الموقع صفحة أوتوماتيكياً عند ازدياد عدد الرافضين لها، أم أن رسائل الإبلاغ عنها ما هي إلا عريضة دعوى ينظر الموقع في أمرها؟ أسئلة ضرورية للبحث في ماهية الحذف وآلياته. ذلك أن الصفحات المحذوفة تتنوع إلى درجة يستحيل فهم آليات الحذف. الصفحة المحذوفة قد تكون عنصرية، أو مجرد انتقاد لإسرائيل، وقد تحمل مقاطع تفضح انتهاكات أنظمة دموية. لا ينحصر ذلك في مواقع التواصل، بل أيضاً في مواقع تحميل مقاطع الفيديو. ويذكر النشطاء المصريون كيف أن حملتهم لنشر مقاطع التعذيب في أقسام الشرطة كان عدوها الأول «يوتيوب». فيما شهدت صفحات «فايسبوك» سباقاً محموماً بين حذف مقاطع التعذيب وإعادة رفعها. وكان التفسير آنذاك أنّ عملاء المباحث المتخفّين في ثوب مستخدمين أبرياء هم من يرفع التقارير للموقع الشهير بحذف الصور. واليوم يشتكي مستخدمون أنواعاً أخرى من الحذف، صفحة «أنا أول متطوع مصري في حال إعلان الحرب على إسرائيل» تشتكي حذف أعضائها الذين تجاوز عددهم 80 ألفاً في أربعة أيام. لكنهم فوجئوا ـــــ حسب قولهم ـــــ بحرب على جبهتين: الأولى محاولات اختراق، والجبهة الثانية تناقص عدد المستخدمين بشكل غير طبيعي، إلى درجة دفعتهم إلى تأسيس صفحة أخرى بعنوان «أنا أول متطوع عربي في حال إعلان الحرب على إسرائيل»! مهما كانت دوافع حذف لقطات ضحايا القمع الدموي العربي، فحلّ معضلة اتفاقيات الاستخدام يكمن في مكان آخر: أن يلحق العالم العربي بالعصر، فلا يسقط الضحايا برصاص الشرطة، وتصبح الشوارع العربية مكاناً للحياة لا للموت.