البقاع| على مر السنوات الماضية كانت النفايات في قرى محافظة بعلبك ـ الهرمل وبلداتها تستبيح حرمة مساحات شاسعة من الأراضي، دون أية قيود أو ضوابط بيئية أو صحية. تشهد المكبّات العشوائية في المنطقة انتشاراً واسعاً وسريعاً، ضمن النطاق الجغرافي لكل بلدة، سواء في سفوح السلسلتين الغربية أو الشرقية، أو حتى السهل في تلك القرى التي لا تملك امتداداً جردياً. أطنان تتراكم يومياً، في المكبات، فيما المعالجة من البلديات لا تتعدى الإحراق حيناً، أو الإقفال حيناً آخر، والاستعاضة في كلتا الحالتين عنها بمكبات أخرى. ورغم معرفة أهالي القرى والبلدات مدى الضرر الذي تسببه الروائح والجراثيم والحشرات الناجمة عن تكدس النفايات، والتأثير الناجم عن حرق النفايات لجهة تلوث المياه الجوفية، وقف البعض منهم حائلاً أمام بعض المحاولات الساعية إلى إقامة معامل فرز ومعالجة وتسبيخ للنفايات. المحاولات التي أقدمت عليها بعض البلديات في البقاع، منذ عام 2005، حتى نهاية عام 2010، بغية إقامة معامل فرز ومعالجة للنفايات، باءت جميعها بالفشل، «ليس بسبب التمويل» كما يؤكد رئيس اتحاد بلديات بعلبك بسام رعد (رئيس بلدية بعلبك سابقاً)، بل بسبب بعض «الحساسية» بين مواطن وآخر وقرية وأخرى أو بلدية ومثيلتها، فيما التعبير الذي يرافق الاعتراض من جانب الجميع، «ليش معمل فرز النفايات بدو ينعمل بأرضنا مش بأرضكم، شو نحنا لازم نتضرر على حساب نفاياتكم»، عازياً كل ذلك إلى «عدم توافر المعرفة التقنية بماهية مشروع الفرز والمعالجة وقيمته، في الوقت الذي أصبحت فيه النفايات منتجاً صناعياً للعديد من الدول الأوروبية والآسيوية»، مضيفاً «إن الضرر الصحي ترتفع نسبته يومياً مع انتشار المكبّات العشوائية، والاتساع المستمر لرقعتها الجغرافية في المنطقة».
في عام 2005، تمكنت بلدية بعلبك من الحصول على تمويل لمعمل فرز وتسبيخ للنفايات، يضم مدينة بعلبك و16 قرية مجاورة لها، بقيمة مليون ومئة ألف يورو من الاتحاد الأوروبي، وتبلغ قدرته الاستيعابية اليومية من 60 طناً إلى 120 طناً يومياً، «إلا أن المشروع وعلى مدى ست سنوات حتى بداية عام 2011، سقط نتيجة رفض الأهالي إقامته في أربعة مواقع مختلفة من بعلبك ـــــ الهرمل»، كما يقول رعد.
إصرار بلدية بعلبك واتحاد بلديات بعلبك، على تنفيذ المشروع بالنظر إلى فائدته البيئية والصحية، وإلى توافر التمويل والدراسات اللازمة، أثمر أخيراً العثور على عقار ضمن النطاق الجغرافي لمدينة بعلبك.
رعد كشف لـ«الأخبار» أن العقار الذي اختير «وافقت عليه البلدية، وهو بعيد عن الوحدات السكنية ولا يمثّل إزعاجاً لأي بلدة أخرى»، فيما رأى أن التأخير الذي حصل في تنفيذ المشروع عاد «بالنفع نتيجة المتابعة، حيث جرى تطوير هبة المشروع وتوسيع نطاقها، بحيث باتت تشمل سائر قرى وبلدات محافظة بعلبك ـــــ الهرمل دون استثناء، فضلاً عن استكمال المشروع بحفر طمر صحية يعاد تشجيرها». بحسب رعد.
واللافت في مشروع معمل فرز ومعالجة النفايات في بعلبك، أن مكتب التعاون الإيطالي، وإحدى الجمعيات الإيطالية، أسهما في تقديم هبة عبارة عن مولدين كهربائيين لتوليد الطاقة الكهربائية من غاز الميثان المنبعث من النفايات، وأن الدراسات التي أنجزت في ما خص المشروع، أثبتت أن قدرة كل مولد هي عبارة عن 2 ميغاواط، ويمكن من خلال تشغيلهما تغطية ما يقارب 40 ألف وحدة سكنية في مدينة بعلبك والقرى المجاورة لها. وخلص رعد إلى القول إنّ مشروع معمل فرز النفايات ومعالجتها يعدّ «خطوة إنقاذية في سبيل إنقاذ الأهالي من المخاطر الصحية المحدقة بهم».
تجدر الإشارة الى أن برنامج دعم البلديات في مجال إدارة النفايات الصلبة هو مشروع ينفذه مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية من خلال هبة من الاتحاد الأوروبي، وافق عليها مجلس الوزراء عام 2005 وتبلغ قيمتها 14.2 مليوناً. ويسهم البرنامج في إنشاء معمل فرز وتسبيخ لتجمع بلديات بعلبك تبلغ قدرته التشغيلية 60 طناً في اليوم بتكلفة 970 ألف يورو.