مشروع «القهوة: بين الخيال والواقع»، كان آخر الأنشطة التطبيعية التي قدّمها في القدس المحتلة «المركز الثقافي الفرنسي ـــ شاتوبريان»، بالتعاون مع جارته في شارع صلاح الدين، «المكتبة العلمية». المشروع كناية عن أفلام قصيرة من إنتاج جامعة تل أبيب، أنجزها ثمانية شباب إسرائيليين وفلسطينيين، حضر بعضهم لاحتساء القهوة، وعرض الأفلام، و«النقاش» حولها.كلمة تعريفيّة قصيرة اختصرت دوافع الحدث بكون «القهوة جزءاً من هويتنا الثقافية، وعنصراً مشتركاً في الحياة اليوميّة لجميع الأفراد... وما همّ من يكون هؤلاء الأفراد». وأضافت: «كل فيلم من الأفلام يعطي وجهة نظر شخصيّة وشجاعة حول الواقع الذي نعيش فيه». هكذا، أرادت جامعة تل أبيب تحويل القهوة إلى مساحة «للقاء والحوار»(!)، بعدما دارت معارك طاحنة على هويّة الحمّص والفلافل.
افتُتِح اللقاء الذي أقيم في مقهى «المكتبة العلمية» بكلمة ليائيل بيرلوف المشرفة على المشروع والمحاضرة في قسم السينما في «جامعة تل أبيب». تحدثت عن «أهمية إنتاج جامعة تل أبيب لهذه الأفلام»، وعن «معاناة» الإسرائيليين الذين «يمنعون من دخول أراضي الضفة الغربية»، قبل أن تنوّرنا بأن «علينا أن ننظر إلى المواطن الإسرائيلي على أنه ليس جندياً فقط».
لم يتعدَّ مستوى الأعمال المشاركة في التظاهرة مستوى الهواة، لكنّها أظهرت فحوى الخطاب السياسي الذي يمكن أن تنتجه مشاريع «جامعة تل أبيب». في شريط «فنجان قهوة من فلسطين» الذي أخرجه ثلاثة شبان من الضفة الغربية، نسمع مقدمة تقول حرفياً: «رام الله هي العاصمة الموقتة للفلسطينيين، وقد شهدت ازدهاراً وتقدماً بعد مجيء السلطة عام 1994». لا يمكن أن تخفى دلالة هذا الاقتباس، ولا نوع الوعي الذي تصدر عنه.
في شريط «وجه»، يتتبع مراد نصار حواجز التفتيش الإسرائيلية، فيما اختارت ميسلون حمود في «معنى الصباح»، العودة إلى اليوم الأخير من حصار بيروت عام 1982، حيث كان شاعر شاب يغلي فنجان قهوة.
ويأتي هذا المشروع الذي رآه مثقفون مقدسيون اختراقاً في ظل الإجماع على المقاطعة الثقافية لأي نشاط إسرائيلي. لكنّ العرض الجماعي هذا، جاء ليزيد حدّة الاستياء والغضب على الدور الذي يقوم به «المركز الثقافي الفرنسي ـــــ شاتوبريان» وبعض المؤسسات المحلية. هذه الأخيرة تبدو كأنّها تنفّذ أجندة المركز التطبيعية بالوكالة. وهذا ما يؤخذ على «المكتبة العلمية» التي قدمت بالتعاون مع «المركز الثقافي الفرنسي» ندوات عدة وعروضاً لأفلام إسرائيلية، فيما يأخذ آخرون على «مؤسسة الكمنجاتي» تنفيذها منذ سنوات في رام الله، أجندة التطبيع الفرنسي في الضفة الغربية في مجال الموسيقى، ولا سيما شراكتها في مهرجان «أصداء القدس» مع الاسرائيليين، ومنهم أحد تلاميذ دانيال بارنبويم، ويقوم الكمنجاتي بـ«تسريب» عازفيه إلى الضفة الغربية حتى تكتمل صورة التعايش الموسيقي المزعومة.

* مسرحي وناشط ثقافي من القدس المحتلة