لا كلام آخر لوصفهم: زعران. لا رجال سياسة ولا أيديولوجيا، هم مجرد زعران. يقبضون فيتحركون: يحتلون الشارع، يشعلون الإطارات. يقطعون الطرقات. يخيفون المدنيين. يثبون على الدولة: يتحدونها. يستغفلونها. وحين تعترض تجاوزاتهم، يصرخون بها «مش عارفة حالك مع مين عم تحكي؟».زعران. يقتلون، يتقاتلون، ثم يحتمون بما تيسر من حصانات: نيابية، روحية، مذهبية، عشائرية، زعماتية. يختارون أين سينتشر الجيش، وبأي عتاد، واي لواء او كتيبة. يصدرون أوامرهم لرئيس الجمهورية بإقالة قائد جيشه. وإن لم يعجبنا سوف يشكلون جيشهم الخاص. اما حين يقولون ما قالوا؟ تُرسل لهم المراسيل للتفاوض بدلاً من تأديبهم وإحالتهم الى القضاء: وإلا ما هي تهمة «إثارة النعرات الطائفية؟» بعد كل ما تفوه به قادة هؤلاء الزعران على كل الشاشات؟ ما هي تهمة «تهديد السلم الاهلي؟» إن لم يكن كل ما أدلوا به وما فعلوه من تحريض مذهبي؟..من أين تأتي قوتهم؟

على الراديو الذي دار طوال الليل، والذي لم يكن غيره متوفراً صباحا مع انقطاع التيار الكهربائي، تصرخ سيدة، واسمها نهاد، بالمذيعة الصامتة التي تركت لها الهواء «لتفش خلقها» بعد ليلة لم ينم فيها «مدنيو» الطريق الجديدة: «مينني هول؟» تسأل نهاد بصوت غاضب كمن يفتح مشكلا. لا تنتظر جواباً، بالطبع. «هني مين؟ شو بدكم منّا بعد؟ مين قلكم بدنا نفيق نلاقي حالنا متل ما كنا قبل 30 سنة؟ مين أنتو؟ شو ورثتونا؟ ليه بدكن تنزلونا على الملاجيء نقضي ليلتنا بين الجراذين؟ مين قللكم انو ما بدنا الجيش؟ مين قللكم انو منكره الشيعة؟ خلصنا بقى. آخر همنا الشيعة والسنة. تركونا ندبر أمورنا. وليه مين بدو يسأل عنا اذا طلع قانون الإجارات وزتونا برة؟ أنتو؟ وليه في ناس عم تاكل من الزبالة، خلصنا بقى». تصمت هنيهة لتصرخ بصوت هستيري اعلى «هني ميييين؟ مين؟ بأي حق بيعيشونا على أعصابنا؟ هيدا البلد بلدنا، اكيد منو بلدن حتى يخافوا عليه. وليه عم نكبر وما بقى عم نلاقي حدا يشغلنا، انا عايشة مع اختي وبنتي، ما نمنا الليل للخمسة الصبح وما بعرف ليش؟ وبعديييين؟ وليه حلّوا عنّا بقى. وليه خلص!..خلااااااااااااص».

*****

على الإذاعة الأخرى تغني فيروز. محاولة من مهندس الصوت لتهدئة الصباح؟ يخطر ببالك فجأة: "أنو ما معها حق هالفيروز، بعد كل ما غنته للبنان الاخضر، ان تحلم ببيت زغير بكندا؟"