يوم أول من أمس، استفاق المياومون على خبر جديد يزيد همومهم هماً. إيلي موسى، عمره 32 عاماً، مياوم منذ 12 عاماً في مؤسسة الكهرباء، أصيب بصقعة كهربائية على أحد أعمدة التوتر العالي في منطقة مغدوشة. تقرير مستشفى حمود في صيدا يشير إلى تعرض إيلي لحروق شديدة في القدمين واليدين، مع احتمال بتر أحد أصابعه. إيلي لم يخرق تضامنه مع زملائه المياومين للمطالبة بحق التثبيت، لكنه استجاب لطلب عدد من الأهالي للقيام بإصلاح عطل سبّب انقطاع الكهرباء عن المنطقة لأكثر من 10 أيام، من دون أن يقدر الموظفون في المؤسسة على القيام بهذه المهمة من دونه.
«أزعر» جديد أضيف إلى قائمة من يضحون بحياتهم من أجل لقمة عيشهم. سبقه العشرات، منهم «أزعر» آخر، اسمه أحمد علي شعيب (خامس ابتدائي)، هو عامل متعهد مع مؤسسة كهرباء لبنان في النبطية منذ عام 1997، بعد سنتين من بدء عمله، وتحديداً في شباط من عام 1999، تعرض خلال صيانة أحد أعمدة الكهرباء لصقعة من التوتر العالي بقوة 15 ألف فولت. خسر نصف وجهه، عينه، أذنه، الخد الأيسر كاملاً، الفك، إضافة إلى تعرضه لحروق في الظهر والبطن. لم تعترف مؤسسة الكهرباء بأنه يعمل لديها، والمتعهد لم يتحمل مسؤوليته، وصرف له راتب بعدد الأيام التي عمل بها قبل تعرضه للحادث. يلفت شعيب إلى وجود اتفاقية بين المتعهد والمؤسسة تقضي بأن العمال الذين تستخدمهم المؤسسة عبر المتعهد، يعملون فقط في التحميل والتفريغ، وبالتالي وفق العقد يجب ألا يعملوا في صيانة الكهرباء على الأعمدة أو المحطات أو غيرها، إلا أن هذه الاتفاقية لا يُعمل بها إلا في حال تعرض أحد العمال المياومين لحادث موت أو إعاقة أو تشويه بسبب العمل. يقول شعيب إنه بقي 3 أشهر في غيبوبة كاملة، فعمد أشقاؤه إلى رفع دعوى، لكنها لم تُبتّ إلى اليوم. وبعد زيارات عديدة لعدد من المسؤولين والسياسيين، لم يحصل شعيب على أي تعويض أو مساعدة. حتى إن مفتش الضمان طلب من مدير مركز الكهرباء في النبطية حينها أن يوقّع ورقة تشير إلى أن شعيب يعمل في المؤسسة، إلا أن الأخير رفض ذلك، فساعده أصدقاؤه في المؤسسة، وصوّروا شيكات الراتب التي كان قد حصل عليها، وهكذا استطاع شعيب أن يحصل على بطاقة ضمان. وبعد فترة، حصل شعيب على بطاقة معوق، إلا أنه لم يستطع الإفادة من هاتين البطاقتين. وبعد سنوات، أرسلت الإدارة وراء شعيب، وأعطته على سبيل المصالحة 15 مليون ليرة، وهي لا تكفي لجلسة علاجية واحدة.
أما هيلينا فارس، فـعمرها 28 عاماً، وتعمل في مؤسسة الكهرباء منذ 12 عاماً في مجال الفواتير خارج الإصدار. حاصلة على البروفيه، وTS من المعهد. كانت تتقاضى 855 ألف ليرة، لينخفض راتبها الشهري إلى 600 ألف ليرة من دون أي سبب. دخلت إلى مؤسسة الكهرباء بالصدفة، بعد أن قدمت أوراقها وحصلت على موافقة الإدارة. تشرح عن الكثير من المتطلبات التي تقدمها لعائلتها، وخصوصاً أنها البكر بين أخواتها، ولذلك فهي مضطرة إلى دفع 200 ألف ليرة شهرياً لأدوية القلب والسكري لوالديها. تلفت إلى أنها كانت تأمل أن تتثبّت عند مجيء كل وزير، لكنّ أياً منهم لم ينظر إلى حال المياومين.
أندريه ياسر سعيد (من دائرة الكهرباء في البترون) عمره 40 عاماً، ويعمل مياوماً منذ 19 عاماً في الصيانة وتركيب الساعات وتجهيز المحطات... لسعيد شهادة BT2 في إلكترونيات الكهرباء. يتقاضى 28 ألفاً و500 ليرة عن كل يوم عمل، ويعمل في ورش على حسابه، لديه 3 أولاد في المدارس. يشير إلى أن مياومي البترون مشاركون في الاعتصام، ومطلبهم التثبيت والحصول على حقوقهم. يقول سعيد: «ليس لدي مشكلة مع الوزير باسيل كشخص، ولكنّ مشروعه لا يعطيني وزملائي حق التثبيت. أريد أن أكمل حياتي، هناك عائلة في رقبتي».
زاهر عيتاني، عمره 32 عاماً، حائز إجازة حقوق من الجامعة اللبنانية، ويعمل في مؤسسة الكهرباء مياوماً في الإدارة في قسم المحاضر والمخالفات منذ 11 عاماً. متزوج ولديه ولدان، وراتبه حوالى 800 ألف ليرة شهرياً. وفي المقابل، يعمل في مكتب للمحاماة، ولكن لا يتقاضى راتباً منتظماً. يشرح عيتاني أنه تقدم إلى مؤسسة الكهرباء بأوراقه بعد أن أعلمه صديقه (مياوم أيضاً) بحاجتهم إلى موظفين في الإدارة. يشرح أن مطلبه هو التثبيت، ومن ثم تطوير درجته الوظيفية وفق شهادته. يؤكد عيتاني أنه يستطيع الفوز في امتحان مفتوح أو محصور، فهو نجح في امتحانات الجامعة اللبنانية وهذا ليس بالهيّن، لكنه يرفض مشروع وزير الطاقة جبران باسيل، «معظم المياومين يمتلكون خبرات كبيرة وكفاءة وظيفية ضمنت استمرارهم في العمل، لكنّ عدداً منهم لا يمكنهم النجاح في امتحانات تساويهم مع المتخرّجين الجدد. كذلك فإن إدخال 700 موظف فقط بمباراة محصورة يلحق الظلم بالكثيرين ممن أمضوا سنوات كثيرة في المؤسسة.
مايا أسعد، عمرها 29 عاماً، مجازة في الحقوق وحاصلة على ديبلوم، وتُعدّ للماجيستر في القانون الخاص. تعمل في مصلحة القضايا في إدارة مؤسسة كهرباء لبنان منذ 7 سنوات. تتقاضى 700 ألف ليرة شهرياً. لم تستطع إيجاد عمل بسبب «الواسطات التي تنخز اختصاصنا». وبذلك، تطور في تحصيلها العلمي، آملة التثبيت في مؤسسة الكهرباء. وهي متزوجة ولديها طفل، فيما زوجها يتقاضى ألف دولار شهرياً. «مدخولنا لا يكفينا أبداً، ونحن نصرفه على الحاجات الضرورية». تقول أسعد إنها متخرّجة بدرجة «حسن» من الجامعة اللبنانية، إلا أنها ترفض مشروع باسيل بالمطلق، «هذا البلد كله استنسابية، يوجد رؤساء دوائر لا يمتلكون الخبرة أو الكفاءة، وبالتالي أخاف على زملائي، من ضحوا بالكثير من أجل أن يدخلوا إلى الملاك ويحصلوا على الضمان الاجتماعي والراتب المستقر، أخاف أن تكون كفاءاتهم غير منظور إليها في مقابل «الواسطات»، كذلك فإن إدخال 700 مياوم إلى الملاك وترك عدد مواز خارجه، هو ظلم لا يقبله أي إنسان».
هذه عيّنة من المياومين، عيّنة من الذين تعتبرهم الحكومة «زعراناً»، حكومة لن ينزل أي وزير منها إلى ساحة اعتصام هؤلاء، لن يجلس معهم، لن يسمع همومهم، لن يعرف مطالبهم، بل يكتفي بالاستماع إلى تقرير باسيل، يومئ برأسه، ويوافق على ما يعتبره المياومون «المشروع الظالم»... المياومون ليسوا ملائكة، لكلّ منهم توجهه السياسي، لكل منهم طريقة في التعبير عن الظلم، ومستوى علمي مختلف، وأسلوب في الحياة، الأكيد أن مطلبهم حق، في بلد أصبح وحشاً.



200 مياوم

من أصل 1813 مياوماً لا يمتلكون شهادات ولكنهم خاضعون لدورات مهنية، وذلك وفق آخر إحصاءات المؤسسة، وهؤلاء يعملون في مراكز لا تتطلب اختصاصات علمية



57 مياوماً

صادرة بحقهم أحكام قضائية، إلا أن لجنة المياومين أسقطت منذ بدء الاعتصامات أسماءهم من لائحة المطلوب تثبيتهم. وتتحمّل إدارة المؤسسة مسؤولية توظيفهم



الدماء في عروقي

يقول أحمد شعيب إن المياومين في المؤسسة الكهرباء جمعوا 10 آلاف ليرة من كل منهم لمساعدة عائلته، فهو لم يجد أي وظيفة بسبب تعرضه للتشوّه، إلى أن عاد إلى المؤسسة كمياوم. ويلفت إلى أن المياومين تبرّعوا بـ351 وحدة دم لكي يبقى على قيد الحياة. ويقول شعيب: «دماء مياومي لبنان في عروقي، وباسيل يريد تفريقنا بحديثه عن التوازن الطائفي»