يغادر رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى الإمارات العربية المتحدة غداً، حاملاً معه أكثر من ملف عالق بين البلدين. الملف المعلن هو الدعوة الإماراتية لمواطني الدولة الخليجية إلى عدم السفر إلى لبنان. أما الملف الذي لا تتحدث عنه دوائر قصر بعبدا، فمرتبط باللبنانيين الذين يعيشون في الإمارات، والذين تمارس سلطات تلك البلاد التنكيل بحق الكثيرين منهم، وخاصة منها عمليات الطرد التعسفي. عمليات طرد اللبنانيين بدأت منذ عام 2009، ومن دون أي وجه حق. وحتى اليوم، طُرِد العشرات جماعياً أو فردياً، مع عائلاتهم. مئات الأفراد الذين ولد بعضهم في تلك البلاد استيقظوا ليجدوا أنفسهم مطرودين من الأرض التي كانوا يرونها وطناً أول لهم، قبل لبنان. أما الذنب، فلا شيء، سوى الانتماء إلى مذهب محدد، وتهمة اعتباطية بدعم حزب الله. بعض المطرودين موجودون في تلك البلاد منذ أن كانت إمارات غير متحدة خاضعة لـ«الصلح» البريطاني. ومنهم من لا يكنّ كثير ودّ لحزب الله، فإذا به يجد نفسه أمام تهمة تمويل الحزب. أما البعض الآخر، فلم يعرف تهمته: تلقّى إنذاراً أمنياً بمغادرة البلاد خلال ساعات، ومن دون أي فسحة زمنية لبيع ممتلكاته أو جمع جنى عمره والعودة به إلى بيروت. وثمة فئة ثالثة من المطرودين تلقّى المنضوون فيها عروضاً للعمل كمخبرين لحساب جهاز الأمن في إمارة أبو ظبي. وعندما رفضوا، أبلغوا ضرورة المغادرة فوراً. وبين اللبنانيين من أراد تجديد إقامته، فإذا به يواجه بالرفض، وبإشعار بالعودة إلى بيروت خلال 48 ساعة حداً أقصى. الخلاصة أن أحوال جزء من اللبنانيين في تلك البلاد ليست بخير. والأمور تزداد سوءاً، يوماً بعد آخر، بحسب عدد ممن طردوا أخيراً. فبعض هؤلاء يشير إلى وجود لائحة تضم أسماء 1000 لبناني سيُطردون تباعاً، ومن دون ضجيج. فبعد ما أثير حول هذه القضية قبل عامين وبضعة أشهر، زار الرئيس نبيه بري أبو ظبي، حيث التقى المسؤولين الرسميين الذين وعدوه بإيجاد حل لهذه المشكلة. وحينذاك، جمّدت السلطات الإماراتية قرارات طرد لبنانيين كانت في طور التنفيذ. لكن أوامر الطرد عادت لتصدر بعد حين. والحكومة اللبنانية، في عهدي الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، لم تتعامل مع هذه القضية باعتبارها قضية تستحق بذل بعض الجهد بشأنها، رغم العلاقة المميزة التي تربط الحريري بولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد الذي تصدر قرارات الطرد من مكتبه، لكونه المسؤول عن التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية التابعة له وتلك التابعة للدول الغربية. وعندما طلب رئيس الحكومة سعد الحريري من أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية إعداد تقرير عن أوضاع اللبنانيين المطرودين من الإمارات، تبين أن معظمهم «أبرياء من التهم الموجهة إليهم». ورغم ذلك، لم تتوقف قرارات الطرد، وإن انخفضت وتيرتها كثيراً.
لكن، قبل أسابيع، عادت هذه الوتيرة للارتفاع، وسط معلومات عن وجود قائمة جديدة تضم حوالى ألف لبناني. واللافت أن بعض من طُرِدوا خلال الأسابيع الماضية أجبروا على توقيع وثيقة «يعترفون» فيها بأنهم يدعمون حزب الله، أو أنهم يقومون بأعمال أمنية غير مشروعة. وخُيِّر بعض هؤلاء بين التوقيع على هذه الوثائق أو دخول السجن، فاضطروا إلى توقيعها. إذاً، يقول متابعون لهذه القضية، يريد الإماراتيون أن «يبنوا قضية» ليواجهوا بها كل من يطالبهم بتوضيحات عن هذه المسألة. واللافت الذي لا تفسير رسمياً له هو أن معظم من طُرِدوا هم ممن يحملون إقامات صادرة من إمارة أبو ظبي، لا من الإمارات الأخرى، وبالتالي، فإن قرارات طردهم تصدر عن سلطات الإمارة المذكورة.
(الأخبار)