الفوضى التي تسود قوى المعارضة السورية تشمل كل شيء. مجموعات غير متواصلة سياسياً، واتهامات متبادلة بالخيانة والتقصير. انشغالات بإطلالات إعلامية لا معنى لها، والحديث يستمر عن سرقة «أموال الثورة»، فيما تبدي العواصم و«المؤسسات الفكرية» الناشطة لتوحيد قوى المعارضة المزيد من التذمر إزاء فشل مهمتها (لعن الله المثقف والمفكر الذي يتحول شريكاً في الدم السوري ويهلل لمزيد منه غير مبال بعقاب ينتظره). أما القيادات السياسية والإعلامية التي تتحدث باسم المعارضين، فلا تزال تراهن وتعمل على تدخل خارجي يحسم الموقف. وفي كل الحالات، يبقى المعارضون داخل سوريا وحدهم، وإن كانوا بدورهم ينقسمون بين من يريد الحسم بأي طريقة، لأنه لا مجال لتغيير سلمي مع هذا النظام، وبين من يناقش إمكان التوصل إلى تفاهم مرحلي (وهؤلاء ليسوا أغلبية) حتى لا تقع سوريا كلها فريسة الدم والنار. الفلتان هذه المرة تجاوز الحدود السياسية. فالحديث عن المجموعات العسكرية شبيه أيضاً بالحديث عن المجموعات السياسية. قسم لا بأس به من المعارضين الداخليين يرفضون العسكرة، لكنهم قرروا منذ فترة عدم إدانة لجوء معارضين إلى حمل السلاح. وشكوى هؤلاء من عدم القدرة على ضبط الجميع في إطار يلتزم توجيهات قيادة واحدة، يكون لها سلطتها السياسية، خصوصاً بعدما دخلت مجموعات متطرفة إلى الحلبة، حاملة معها كل أنواع التجارب الدموية من أفغانستان وباكستان، وقبلها شمال أفريقيا وصولاً إلى العراق. وهي مجموعات تعرف بـ«المقاتلين العرب»، بعدما كانت تعرف سابقاً بـ«الأفغان العرب». وتتبع هذه المجموعات لهرمية تنظيمية خاصة جداً، تقلد فيها آليات العمل التي أقرّتها قيادة تنظيم «القاعدة»، ثم صارت ملكاً عاماً لمن يرغب. وهي تقوم على توفير الرجال الذين يريدون التضحية بأنفسهم خدمة لأهداف يعتقدون أنها ترضي الرب، فيما يجري توفير المستلزمات بآليات مختلفة ومتوافرة بكثرة في العالم، ولا سيما في منطقتنا. وأدت أعمال هؤلاء والمجازر الطائفية والمذهبية التي ترتكب في أكثر من منطقة من سوريا، إلى خلق بلبلة عند تيار كبير من المعارضين، من «العائدين إلى المنزل»، أي أولئك الذين فقدوا الثقة في استثمار نضالات حقيقية يقومون بها لأجل تحسين واقع سوريا السياسي والاقتصادي والإنساني والاجتماعي.
يلجأ المعارضون دوماً إلى اتهام النظام بأنه يقف خلف كل أعمال العنف. النظام وأجهزته ليسوا أبرياء، إذ ترتكب قوات النظام الأمنية أو العسكرية جرائم أثناء ملاحقة خصومها من المدنيين أو العسكريين. إلا أن المشهد قاد الجميع الى حيث المواجهة الحاسمة، والى حيث بات قسم من السوريين يريد العودة الى الاستقرار. وهذا لا يعني قبوله بعودة الأمور الى ما كانت عليه، لكنه قسم لم يعد يقبل أن تنتهي انتفاضة شعبية محقّة الى عملية تدمير منهجية لكل سوريا. وهو أمر تستفيد منه الأوساط النافذة، وربما المتشددة، داخل الأجهزة الامنية والعسكرية السورية.
عملياً، وفي موازاة نشاط واستعدادات خصوم النظام الأسد من سوريين وعرب وغربيين، بغية دفع الأمور نحو مرحلة جديدة من المواجهات الدامية، فإن السلطات السورية انتقلت هي أيضاً الى مستوى البحث في خطط لعمليات عسكرية شاملة، تستهدف هذه المرة، ليس فقط منع قيام تجمعات أو بؤر للمعارضين المسلحين، بل تستهدف «الإجهاز على كل المجموعات المسلحة بمعزل عن طبيعتها أو هويتها». وهذه العبارة باتت سائدة في أوساط العسكريين والأمنيين السوريين، الذين يقول متصلون بهم إن «الأسباب الموجبة والحافزية للقيام بعمليات تطهير شاملة تكبر يوماً بعد يوم، وإن تكرار تجربة الفلتان مع المراقبين الدوليين كما حصل مع المراقبين العرب، يعني فتح الباب أمام مزيد من التدهور وأمام مزيد من الدماء». ويرى السوريون ممن هم في موقع الحكم أن الفارق «هو أن غالبية متشددة من المجموعات المسلحة بات يقودها أشخاص غير سوريين، وأن الاستخبارات الخارجية العاملة مع هؤلاء تتصرف بطريقة توحي بالاستعداد لتدمير كل شيء في سوريا، واستهداف ليس القوى العسكرية والأمنية فقط، بل الوصول إلى كل المنشآت الرسمية والمدنية بحجة أنها تخص النظام، وأن يترافق ذلك مع رفع منسوب التوترات الطائفية والمذهبية من خلال مجموعة من العمليات الإجرامية المتنقلة». ومع أن مطّلعين على موقف الحكم في دمشق لا ينفون تورط موالين للنظام في ارتكاب جرائم على خلفية طائفية أو مذهبية، إلا أنهم يعتقدون أن «المهم الآن هو العمل على تحقيق ضربات من النوع الذي يعيد رسم عناصر المشهد كله، ميدانياً وسياسياً وشعبياً».
وحسب ما هو ظاهر، فإن النشاط الأمني السوري يتركز الآن حول دمشق، مع وجود قرار بعملية واسعة هدفها منع أي نشاط في كل الريف، وصولاً الى الحدود مع لبنان، وهو يترافق مع استعدادات تعكس قراراً مركزياً بالعمل، خلال وقت غير محدد، على إزالة «كل تهديد من الغرب». ويشرح المطّلعون هنا أن الحديث «يدور عن عمليات واسعة وقاسية جداً سوف تكون الحدود مع لبنان مسرحاً لها، وذلك من كل النقاط المستخدمة من قبل المعارضين، حتى ولو أدى ذلك الى توجيه ضربات لقوى تعمل على الحدود مباشرة، مع ما يعني ذلك من احتمال تعرض مجموعات لبنانية مساندة للمعارضين السوريين للأذى المباشر»، ما يعني أنه ما دام يتعذر على اللبنانيين منع قيام مناطق تؤوي المعارضين المسلحين، فإن السلطات السورية سوف تعمل على إبطال مفعول مثل هذه المناطق.
والى جانب القرار بجعل مدينة حمص ومحيطها منطقة خالية من القواعد العسكرية المباشرة أو تجمع خلايا مسلحة للمعارضين السوريين، فإن العمل جار الآن على «توجيه ضربات نوعية ضد تجمعات لمقاتلين من المعارضين السوريين، خصوصاً الذين يتخذون من بعض المناطق الحدودية مع تركيا والعراق والأردن مراكز تجمع وتدريب»، ويبدو أن الجيش السوري يقوم هناك بعمليات يمكن وصفها بـ«القاسية جداً»، والتي تؤدي إلى «إبادة مجموعات بأكملها».
بالنسبة إلى القيادة السورية، فإن التنسيق في أمور كهذه يجري من دون توقف مع القيادة الروسية. وبحسب مطّلعين، فإن موسكو ربما أوقفت بعض الأوامر العسكرية التي كانت في طريقها إلى التنفيذ، لكن في سياق عملية جمع الأوراق للمواجهة الدبلوماسية المقبلة، فإن موسكو سوف لن تقف في طريق الحكم السوري للقيام بأعمال قد تكون مختلفة عمّا شهدناه حتى الآن.
12 تعليق
التعليقات
-
الحرب بسورية صارت متل حربالحرب بسورية صارت متل حرب اسرائيل على لبنان بال ٢٠٠٦ اسرائيل ما قدرت تطال المقاومين فصارت تصنع انتصارات عالمدنيين بالمجازر و قصف الأبنية .. و هيك بالزبط عم يعمل النظام السوري ضد السوريين .. و بإذن الله متل ما فشلت اسرائيل ح يفشل .
-
ومن الفكر ما قتلليس غريب على الأستاذ الأمين وعلى معظم الاعلاميين اللبنانيين أن يضعوا قدم هنا وأخرى هناك ,ولا يريدون حتى الآن الاعتراف أن ما يحدث في سورية حرب استنزاف, فكفى بكاء على الأطلال
-
المعارضة؟؟؟؟اصبح واضحا ان الدول التي تعمل لتأجيج الصراع في سوريا تتخذ من المراقبين وسيلة لحماية المسلحين المعارضين ... ولن يجدي اي تعاون سوري مع خطة عنان ما دام الهدف المعلن هو إسقاط النظام ولذا على القيادة السورية القضاء على المسلحين باي وسيلة ارتأت وعليها ان تعتبر ان سوريا أقدس من كل الواثيق وان ناي دولة ما لا يمكن ان يكون مقبولا مع وجود مقاتلين معادين للنظام على أراضيها فالذي يريد ان ينأي بنفسه عليه ان يحسن حدوده كي لا تكون ممرا للإرهاب
-
اين اسرائيللو المجهود الحربي للنظام السوري توجه لاسرائيل لتحرر الجولان
-
إنا نريد للشعب السوري العظيمإنا نريد للشعب السوري العظيم أن يتمتع بإنجازته الإقتصادية والخدمية وأن ينتقل الى نظام جديد عصري مع الحفاظ على مقومات الدولة ,لا أن يتم تدمير هذه المقومات لتعود سوريا الى مربع الجهل والعوز والإنحطاط ,إن كل من يحب الشعب السوري عليه أن يساهم في الحفاظ على إنجازات الأمة السورية عبر أجيال مضت ,لا أن يمارس عليه لعبة الأرض المحروقة , فما فائدة الحرية بدون نظام وبدون مقدرات وبدون كرامة,كرامة شعب علم العالم المقاومة والممانعة بكل معانيها ,
-
سوريا ستبقى قلعة الصمودسوريا ستبقى قلعة الصمود والتصدي ولاسمح الله إن سقطت فلن تقوم للعرب قائمة بعدها
-
سوريا الى اين؟ -2لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يسقط النظام حتى الآن. هل هو الخوف من البديل, الذي لم يطرح بدائل مغرية ومطمئنة , بل على العكس دفع بالسوريين, خاصة سكان المدن, الى التعلق بالنظام الذي بنظرهم هو الضامن لوحدة البلد. هل هو تماسك النظام, الذي اثبت ان هيكليته صلبة و بنيته متينة. هل هي تجربة العراق و ليبيا وغيرها دفعت بالمواطن السوري الى إعادة حساباته وارتضى بالحاضر خوفا من المستقبل؟ نعم, هي الفوضى الخلاقة الموعودة من الانكل سام, هي التي ايقظت حس الوعي و دفعت المواطن السوري الى التنبه بان المراد من هذا الحراك هو تدمير سوريا وتفتيتها, واللاعبون ليسوا سوى ادوات رخيصة او مضللة. اما الاصلاح, فاهل سوريا ادرى بشعابها, وهو حق مكتسب لهم لا يمكن لغلبة النظام ان تعود بسوريا الى ما قبل الاحداث.
-
سوريا الى اين؟ -1نعم سوريا بحاجة الى تغيير نحو الافضل, نعم هناك شبيحة للنظام قد تراكموا مثل الباكتيريا يعتاشون على نزف الجرح وهم اول من سوف ينقلب على النظام عند شعورهم بوهنه. لكن لنتوقف عند المشهد اليومي الذي يتكلل بالدم والذبح والاعدام, عن حضارية حركة التغيير ومدى ملاقاتها لطموحات الشعب السوري بالتغيير. لقد جعلت الموازنات العسكرية على مدى عقود سوريا في حرب إستنزاف دائم تهدر معظم مقدرات البلد, مما جعلها مصدر للطاقات البشرية واليد العاملة الرخيصة الى دول المحيط, طلبا للرزق وهربا من الخدمة العسكرية.في تلك الفترة تنامت ايضا في الداخل طبقة متنفعة إنتهازية راكمت ثروات واسهمت بازدياد الشرخ الاجتماعي داخل سوريا.
-
وهل قصر النظام في استعمال أيوهل قصر النظام في استعمال أي وسيلة مع المسلحين؟؟؟ هل ينفع مبدأ وداوني بالتي كانت هي الداءٌ؟؟!! مداواة العنف بمزيد من العنف,الذي يستجر بدوره العنف,وهذا لا شك نجاح في تعقيد الازمة واغلاق اي افق للحل في المستقبل... يعني اما صمتكم في سجن كبير برضاكم...واما صمتكم في قبر كبير رغما عنكم...
-
الغريب ان اي وسيلة اعلامية لمالغريب ان اي وسيلة اعلامية لم تشر منذ اكثر من 15 شهرا الى اي قتيل من المسلحين !! لانو كل قتلى المسلحين يتم تسجيلهم على انهم مدنيين مسالمين َ! اخ بس لو احد يدقق بارقام التنسيقيات اليومية ..