حطّ عزام الأحمد في بيروت الأسبوع الماضي. لمن لا يعرفه، هو رئيس الكتلة البرلمانية لحركة «فتح»، والمسؤول عن ملف لبنان في الحركة. برنامج زيارة الرجل هو ترتيب وضع الحركة في لبنان، بعد سنة على توليه هذه المهمّة، وإجراؤه عدّة تعيينات وتبديلات في هيكليّة الحركة في لبنان، كان أبرزها تعيين العقيد محمود العيسى (اللينو) مسؤولاً للكفاح المسلّح في لبنان؛ وهو ما يعني أن الرجل صار مسؤولاً عن أمن كلّ المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان.لكن الأحمد جاء هذه المرة على وقع تهديد اللينو بالاستقالة من جهة، والتوتّر الأمني في عين الحلوة والتحركّات ضدّ الأونروا من جهة ثانية.

في النقطة الأولى، جاء تهديد اللينو بالاستقالة نتيجة اقتناع الرجل بأن توليه المسؤوليّة يعني اتخاذ عدّة إجراءات إداريّة وسياسيّة، حتى يكون قادراً على القيام بوظيفته كاملاً، ومنها تحسين ظروف الكفاح المسلّح وإلغاء عناصر الذبذبة عليه من جهات داخل «فتح». أمّا التوتر الأمني في المخيّم، فجاء على خلفيّة محاولة الكفاح المسلّح توقيف أحد المطلوبين في مخيّم عين الحلوة وتسليمه إلى الجهات الرسميّة اللبنانيّة، وقد سقط جرحى في تبادل إطلاق النار داخل عين الحلوة إثر انفجار قنبلتين يدويتين بالقرب من منزل منسق فتح الإسلام أسامة الشهابي. أمّا التحرّك في وجه الأونروا، فهو نتيجة تراجع خدماتها للاجئين الفلسطينيين ووجود فساد داخل إدارتها.
وإضافةً إلى هذه الأمور الثلاثة، حاول الأحمد في زيارته العمل على إعادة حركة فتح إلى المسار الصحيح، بحسب مصادر فتحاويّة. في هذا الإطار، يرى الفتحاويّون أنّ من الضروري عودة الحركة إلى أداء دورها السياسي والإعلامي في لبنان، سواء لجهة تنظيم أوضاع اللاجئين في لبنان وشؤونهم وعلاقتهم بالدولة اللبنانيّة، وعدم انزلاق الفلسطينيين إلى الزواريب اللبنانيّة، وبلورة سياسيّة إعلاميّة ضاغطة على القيادة الفلسطينيّة والمجتمع الدولي لإبقاء حق العودة حقاً قائماً والعمل على تطبيقه.
بين هذه العناوين الكبرى، صدر قرار عن الأحمد يقضي بإخضاع قائد المقرّ العام (جهاز يتولّى مسؤوليّة الضباط الذين لا مهمات لهم) منير المقدح لسلطة صبحي أبو عرب، وذلك في ظلّ انتشار معلومات في مخيّم عين الحلوة عن توتّر شديد بين المقدح واللينو.
من جهة المقدح، يتحدث مقرّبون منه عن أن قرار الأحمد هذا لا يُمكن أن يؤثّر عليه، لأن دوره الأساسي هو قيادة كتائب شهداء الأقصى، و«90% من الناشطين فيها لا يقبضون رواتب». ويُبرّر هؤلاء سبب الهجوم عليهم بموقف المقدح الثابت في دعم المقاومة، إضافة إلى علاقاته الجيّدة مع جميع القوى ومن بينها القوى الإسلاميّة في المخيّم ودوره في التحرّك ضد الأونروا «وهو تحرّك لا توافق عليه منظمة التحرير».
أمّا في الجهة المقابلة، فتقول مصادر حركة فتح إن المقدح اخطأ في أمرين رئيسيين: الأوّل، هو خروجه الدائم عن قرارات الحركة، والتحريض على مسؤول الكفاح المسلّح «بغض النظر عن اسم المسؤول. وقد صدرت مواقف منه بعد حادثة الشهابي تتهم الكفاح المسلّح بافتعال الحادثة». لذلك، يقول هؤلاء الفتحاويون إن على المقدح الالتزام بقرارات الحركة أو الانشقاق عنها وتأليف تنظيم، «وهو أمام الفرصة الأخيرة للعودة إلى حضن الحركة عبر الالتزام بقرار عزّام الأحمد». أمّا الأمر الثاني، المتعلّق بالمقدح، فهو الصورة التي يُعطيها الرجل عن المخيّمات؛ «ففي الوقت الذي نجهد فيه لإعطاء صورة مدنيّة عن هذه المخيّمات، يستضيف الرجل الإعلام في مناسبة وبلا مناسبة، وهو بلحيته الطويلة، والأسلحة معلّقة وراءه».
ويتهم الفتحاويّون المقدح بأنه يعمل لحساب جهات عدّة، وأن له ارتباطات مختلفة وأنه يسعى إلى تخريب أمن المخيّم، وخصوصاً أنه يحمي بعض المطلوبين ويُغطيهم ويسعى إلى أن يقول إنه ملجأ الإسلاميين، بينما التنظيم الأساسي للإسلاميين، أي عصبة الأنصار، هو جزء من عمليّة استقرار المخيّم. ويذكر هؤلاء أن دراسة مقارنة بين عام 2009 و 2010، أظهرت تراجع الأحداث الأمنيّة باطراد، وأن ثقة المواطنين في المخيّم بالكفاح المسلّح ارتفعت كثيراً. يُضاف إلى هذا الأمر أن اللينو استطاع أن يحلّ مشكلة الجزء الأكبر من المطلوبين، إن عبر تسليمهم للجهات الرسميّة اللبنانيّة، أو عبر حلّ مشكلاتهم مع هذه الجهات.
أمّا في ما يخصّ ملف الأونروا، فيُشير الفتحاويّون إلى وجود الكثير من النقد لأداء هذا الجهاز، «لكن لا يُعقل أن نشنّ حملة عليه لأسباب شخصيّة، أو تتعلّق بتوظيف فلان هنا أو هناك، وخصوصاً أن الأونروا هي الشاهد على وجود لاجئين فلسطينيين وحق العودة».
لكنّ الفتحاويّين يلفتون إلى أن منير المقدح لا يُمثّل سوى عقبة صغيرة سيجري تجاوزها بسرعة، وأن العمل سيكون سارياً على نحو متواصل لضبط إيقاع حركة فتح وإعادة تصويب بوصلتها في لبنان.
من الجهة المقابلة، يرى المقرّبون من المقدح أن إجراء عزام الأحمد لا قيمة عمليّة له على الأرض، فيما يرى آخرون أن نقمة اللينو على المقدح تأتي من أن الأخير يتجه إلى أن يؤدي أدواراً كان اللينو يؤديها قبل أن يتسلم مسؤوليّة الكفاح المسلّح.