القاهرة – تلخّص صورة الصفحة "الأولى" في صحيفة الشروق اليومية بتاريخ 15 حزيران/ يونيو بشكلٍ جيد معنى ما حصل للتو: في المقدمة، أسلاكٌ شائكة؛ في الخلفية، مقر المحكمة الدستورية العليا؛ إلى اليسار في الصورة، ثمة متظاهرين، وإلى اليمين عناصر الجيش. في هذا الوقت لم يعد بإمكاننا أن نهتف "الشعب والجيش يدٌ واحدة". فبحسب عددٍ من المراقبين هنا، يمثّل القرار الذي صدر الخميس 14 حزيران/ يونيو عن هذه المحكمة، التي عُيِّن أعضاؤها جميعهم من قبل الرئيس السابق حسني مبارك، انقلاباً (على الأسباب القانونية المزعومة، قراءة مقال بعنوان "ما ينبغي معرفته عن الدراما السياسية الجديدة في مصر" What to know on Egypt’s new political drama، صحيفة "الأهرام" الالكترونية، 15 حزيران/ يونيو). وينص هذا القرار على حل الجمعية العامة واعتبار القانون الذي يحظر على كبار الشخصيات السابقة في النظام المشاركة في الانتخابات غير شرعي. يعيد هذا التصرف البلاد إلى بداية المسيرة التي انطلقت مع سقوط مبارك ويؤكّد على أنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر وضع حدٍّ لحركة المعارضة التي بدأت في 25 كانون الثاني/ يناير 2011.وصل هذا القرار قبل بضع ساعات من الجولة الرئاسية الثانية التي يتواجه في إطارها أحمد مرسي، المرشح عن الاخوان المسلمين وأحمد شفيق، رئيس الوزراء الأخير في عهد حسني مبارك، (الذي عُيِّن في 31 كانون الثاني/ يناير 2011)، عسكريٌ مرتبط بنظام الفساد والقمع القديم الذي قد يتقدّم للانتخابات رغم كل شيء.
دخلت الثورة المصرية منطقة من الغموض. شنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة هجوماً يهدف إلى الاطاحة بالمكاسب التي تحققت خلال الأشهر الأخيرة. إلى جانب قرار المحكمة بإلغاء عملية الاقتراع الحر الوحيدة في تاريخ مصر، تؤكّد عناصر عدة على أنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة يسعى إلى العودة إلى النظام القديم: القرار الصادر في 4 حزيران/ يونيو عن وزارة العدل والذي يسمح للجيش بتوقيف المدنيين (قراءة مقال بعنوان "المدافعون عن الحقوق: الاعتقالات العسكرية تثير القلق" Rights advocates : Military arrest powers worrying، صحيفة "ايجيبت اندبندنت"، 14 حزيران/ يونيو)؛ من دون الاتيان حتى على ذكر تبرئة مسؤولين أساسيين في وزارة الداخلية، خلال محاكمة مبارك؛ تبرئة عدة رجال شرطة وعناصر جيش اتهموا بإطلاق النار على المتظاهرين خلال الثورة (راجع على سبيل المثال مقال بعنوان "اعلان براءة 14 ضابط أمن من تهمة قتل المتظاهرين في الجيزة" 14 security officers found innocent of killing Giza protesters في صحيفة "الأهرام" الالكترونية، بتاريخ 6 حزيران/ يونيو)؛ استمرار عمليات الاعتقال العشوائية والتعذيب في السجون، استخدام كراهية الأجانب والترويج لها بشكلٍ كبير مع تحذير المصريين: عليكم عدم التحدث إلى الأجانب (أُعلِن التراجع عن هذا السلوك لكن يبدو ذلك خاطئاً)؛ قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة باستعادة كامل السلطة التشريعية التي تخلى عنها للبرلمان و"باستكمال" الدستور في انتظار إعادة صياغة كاملة لهذه الوثيقة؛ إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، في حين أنّ الإعلان الدستوري الذي صوّت عليه الشعب عام 2011 وأيّده المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان ينص على عدم انتخاب الرئيس إلا بعد تشكيل البرلمان.
يترافق هذا الهجوم الذي يهدف إلى تمرير ترشيح شفيق رغم أنوف الجميع مع شن حملة ضد الاخوان المسلمين ومرشحهم. سمعت محامين يشرحون بجدية كبيرة أنّ القرار الأول الصادر عن البرلمان التونسي الذي يسيطر عليه الاسلاميون تمثّل في إعادة تشريع تعدد الزوجات. لم يوفّر مرسي سبيلاً، ولا حتى نشر مستندات طبية (سرية في الأساس) عن وضعه الصحي، للكشف في آن عن أنّه مريض جداً وقد أنفق مبالغ طائلة من المال لتلقي العلاج في الخارج.
لا تستند هذه الحملة إلى الأخطاء الكثيرة فحسب التي اقترفها الاخوان المسلمون منذ فوزهم في الانتخابات التشريعية بل أيضاً إلى مناخٍ من الخوف يذكّر بذلك الذي أرسته السلطات قبل الربيع العربي: "نحن أو الاسلاميون". ونجد، لدعم قرار العسكريين هذا، الأطراف نفسها التي كانت تدعم فكرة أنّ مبارك أو بن علي هما "أهون الشرين": صحافيون، رجال فكر "ليبراليون"، بقايا الأحزاب الصغيرة التي كانت تؤيّد الرئيس المصري السابق (كحزب التجمّع اليساري المزعوم) إلخ. وتُعبَّأ بشكلٍ خاص الدولة العميقة، تلك التي لم تعانِ من الثورة، إنما طأطأت رأسها وحسب.
ويتحمّل الاخوان المسلمون أنفسهم مسؤولية كبيرة في الوضع الناش ، وذلك بفعل أخطائهم الكثيرة وعجزهم عن نسج التحالفات، حتى السلفيين، قوّة كبرى في البلاد، فضلوا أن يؤيدوا في الجولة الأولى مرشحاً إسلامياً ليبرالياً، عبد المنعم أبو الفتوح، عوضاً عن مرشح الاخوان المسلمين، رغم أنّه أقرب إلى ايديولوجيتهم (حول تعقيد السلفية المصرية راجع كتاب ستيفان لاكروا "الشيوخ والسياسيون: داخل السلفية المصرية الجديدة Sheikhs and Politicians : Inside the New Egyptian Salafism، منشورات بروكينغز، 11 حزيران/ يونيو 2011).
لم يكن الاخوان متحفظين فحسب في بداية الثورة (حتى إن أدى الشبان في الحركة دوراً ناشطاً) بل بذلوا كل ما في وسعهم للتوصل إلى تفاهم مع المجلس الأعلى للقوات المسلّحة، بغية تمرير التسويات، رافضين أن يدعموا بحق التعبئة في الشارع. لكن عندما توترت العلاقات مع المجلس الأعلى للقوات المسلّحة، قرروا أن يقدّموا مرشحاً للانتخابات الرئاسية، وتراجعوا عن أقوالهم، وأيدوا بروباغندا السلطة قائلين إنّهم يريدون الاستئثار بالسلطات كافة.
في حين تمثّل الدور الأساسي للبرلمان المُنتخَب في صياغة الدستور الجديد، لقد كانوا عاجزين عن إقامة تحالفات كانت لتسمح بصياغة توافقية لهذا النص وتهدئة مخاوف شريحة من الأقباط، النساء ورجال الفكر.
وفيما يؤيد السواد الأعظم من شباب الثورة مقاطعة الانتخابات، وبخاصةٍ بعد أن سمحت المحكمة لشفيق بالترشح، قَبِلَ الاخوان بالحكم ليثبتوا أنّهم يحترمون القانون، وأنهم حزب منضبط.
تبرر كل هذه الثغرات وكل هذه الأخطاء عدم حصول مرشحهم خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية إلا على 25 في المئة من الأصوات (مقابل 45 في المئة في الانتخابات التشريعية). ويثبت ذلك أيضاً أنّ الاقتراع العام وسيلة جيدة للدفع قدماً بالحوار الديمقراطي.
إلامَ ستؤول نتيجة الانتخابات؟ من الصعب حسم ذلك، ومن المستحيل توقّع مدى ضخامة الخدع والضغوط. يميل عدد من مجموعات الثورة، التي وصل مرشحها حمدين صباحي (ناصري) إلى المركز الثالث، إلى مقاطعة الانتخابات. في حين يدعو آخرون كأبو الفتوح وشباب 6 نيسان/ أبريل إلى التصويت لمرسي بغية قطع الطريق أمام العسكريين. خلال محادثة أجريتها مع أبو الفتوح كشف لي عن أن الخطأ الأساسي الذي اقترفه الثوار هو القبول، غداة سقوط مبارك، بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره يمثل السلطة.
من مفارقات هذه الانتخابات أنّ السلطة الحقيقية التي يتمتع بها الرئيس المستقبلي لم تُحدَّد وأنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يقبل بالتخلي عن جزء من سلطته إلا إذا انتُخِب شفيق.
مساء أمس قامت مظاهرة في ساحة التحرير لكن يبدو أنّها لم تتسبب بأي تعبئة: موضوعها بشكلٍ خاص اعلان نتيجة الانتخابات في بداية الأسبوع مما قد يؤدي إلى تعبئة جديدة.