هاج الأطباء في بيتهم أمس. وخلال إلقاء نقيب المحررين، إلياس عون، كلمته في اللقاء التضامني مع الطبيب موسى بو حمد، فقدوا صورتهم للحظات. للحظة، اختفت تلك الصورة «الهادئة» التي يتسم بها الأطباء عادةً. لم يكونوا بمراييل بيضاء تمتد من أعناقهم إلى أقدامهم، بل كانوا بثياب عاديّة، وشخصيّات عاديّة لا تشبه «المكانة» التي يحظون بها بين أوساط الناس عرفاً. مشهدياً، زادت الثياب العاديّة في التناقضات التي يخفيها المريول الأبيض من ملامح الطبيب عادةً
المريول الأبيض سحري التأثير ويمنح شيئاً من الهيبة لمرتديه. إنه «دوكتور» وهذه لفظة أحياناً تستخدم هنا للمديح، أكثر مما تكون احتراماً لكفاءة صاحب المريول. وصاحب المريول غير معتاد الصراخ. الأطباء هادئون عموماً بسبب طبيعة عملهم «الإنسانيّة»، لكنهم كانوا أحراراً أمس، أو بكلمات أدق، متفلتين من «بروتوكول» العلاقة بينهم وبين المجتمع. فجأة راحوا يهتفون هتاف «وووووو» الشهير قبل أن ينهي عون كلمته. ولا أحد يعرف إن كانت المرحلة التي بدأ فيها الأطباء استهجانهم هي نهايّة حديث عون أو بدايته، إذ إن الرجل طلب بنفسه أن يلقي كلمة، ولم تكن معروفة مدة هذه الكلمة أصلاً. في جميع الأحوال لم يكملها، إذ علت صيحات من بينهم، تطالب الرجل بالتوقف عن الكلام. تصاعدت حدة الـ«ووووو» على غرار النسق الذي تحصل فيه الأمور أثناء مباريات كرة القدم. اضطر عون إلى المغادرة، بعد ما «ربت» رئيس لجنة الصحة النيابيّة، عاطف مجدلاني، على كتفه مواسياً. للأمانة، حاول مجدلاني، أداء دور «المصلح»، فتوجه إلى «الزملاء» القدامى بالقول «يا إخوان يا إخوان»، إلا أنه «تأتأ» بما يكفي ليرفضوا سماعه حتى. وهكذا فشلت عمليّة «تطييب الخواطر» السريعة، وغادر عون، بعدما طرده الأطباء، الذين لم يرقهم سماع رأي آخر غير رأيهم.
ما فعله الأطباء لا يمثل النقابة بالضرورة، كما يقول نقيب الأطباء، شرف أبو شرف. وفي حديث مع «الأخبار»، أكد أبو شرف أنه دعا النقيب بنفسه، ولم تكن الدعوة بهدف الإساءة إطلاقاً، بل للتوضيح أن «قسماً من الإعلام يخرج عن الموضوعيّة». وعلى هذا الأساس، أخذ أبو شرف على عاتقه شرف دعوة نقيب المحررين، ثم «حدث ما حدث». وفي هذا الإطار، لا يجد نقيب الأطباء حرجاً في الاعتذار من عون على «الأجواء التي سادت»، مشيراً إلى أنه اتصل به للاعتذار عن «البلبلة» التي وقعت، لافتاً إلى وجود «أربعة أو خمسة مندسين هم الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها». لا يفوت أبو شرف التذكير بأن «الإعلام متورّط»، وأن «الإعلام ظالم»، وأن «الإعلام يؤجج الرأي العام ضد الأطباء»، قبل أن يستدرك بصوت هادئ... «بعض الإعلام». وهذا البعض، هو الـ«أم تي في». يتهم أبو شرف المحطة بمحاكمة الطبيب قبل انتهاء التحقيقات الرسميّة في الموضوع، علماً أن النقابة «تنتظر التشريح وتقرير طبيب الأنسجة». وأكثر من ذلك، فإن القضيّة ما زالت تدرس من قبل النيابة العامة التمييزيّة، وقد أصبحت في عهدة الهيئة الاتهاميّة، التي ينتظر الجميع قرارها. أبو شرف واثق بالقضاء، وحتى إن كان الحكم ضد «الجو» السائد في النقابة، فإن الأخيرة «لن تتخذ موقفاً معاديّاً للقانون في أي شكل من الأشكال». ويستفيض النقيب مطلقاً كلاماً جميلاً عن «سقف القانون»، وسكون الجميع تحت هذا السقف.
سقف القانون، عودُ على بدء. في الأساس، ووفقاً لأبو شرف، تنصّ المادة 44 من القانون 313/2003، على «وجوب حضور نقيب الأطباء أثناء استجواب أي طبيب أو ممثل عنه»، وهو الأمر «الذي لم يحصل إطلاقاً، بل استجوب الطبيب وأوقف احتياطيّاً منذ عشرة أيام». ويستفيض أبو شرف شارحاً أن «الطبيب قيّد بالسرير أثناء التحقيق معه، وتعرض للإهانة من دون أي وجه حق»، فضلاً عن أن تحقيقات نقابة الأطباء بيّنت أن «وفاة زغيب حدثت نتيجة مضاعفات، إذ لا وجود لانسداد في الشرايين، لا بسبب خطأ طبي كما عممت وسائل الإعلام». ونبه أبو شرف إلى أن الأمر ليس «سابقة»، فمثل هذه الأمور قد تحصل: «صحيح أن نسبة حضورها هي 1\80 ألفاً، لكنها تحصل». وبناءً على هذه المعطيات، عبّر الأطباء عن استيائهم من الإعلام، بتضمين بيانهم قطع جميع أشكال العلاقة مع الإعلام لثلاثة أشهر مقبلة. ولعل أكثر المتأثرين بهذا «القطع» سيكون برنامج «دوكتورز»، الذي يحظى بنسبة حضور لا يستهان بها، وهذا ما أكدته مصادر في المحطة نفسها. واستغربت مصادر المحطة عدم التمييز في قرار النقابة بين نوعين من الظهور على الشاشات «فتمنع الأطباء من الظهور على الشاشات للإدلاء بالآراء المتعلقة بالقضايا العالقة قضائياً»، بينما «تسمح للأطباء بتقديم الاستشارات الطبيّة للناس، لأن هذا فيه مصلحة للمشاهدين بالدرجة الأولى». ولم تخف المصادر أن البرنامج المذكور «سيتأثر بقرار المنع، علماً أن الموسم شارف على نهايته».
وبعيداً عن «الهرج والمرج» في «بيت الطبيب»، شهدت المناطق اللبنانيّة عدة لقاءات تضامنيّة مع الطبيب الموقوف. فنفذت رابطة أطباء النبطية واللجان الطبية العاملة في كل مستشفيات محافظة النبطية اعتصاماً أمام قصر العدل، واعتصم عدد من أطباء منطقة الهرمل رمزياً، أمام مبنى سرايا الهرمل الحكومي، كما توقف الأطباء في مستشفى راشيا الحكومي عن العمل باستثناء الحالات الطارئة، تلبية لدعوة نقابة الأطباء، وبدعوة من اللجنة الطبية للمستشفى. وفي ظلّ هذه الاعتصامات الرمزيّة، ينتظر الجميع «القرار القضائي الحاسم» في الأيام القليلة المقبلة.