صيت لبنان العاطل وصل الى سريلانكا منذ زمن. فبعد التعرّف على أمراض بعض اللبنانيين النفسية ـــ العنصرية، يكتشف السريلانكيون اليوم سمعة البلد السياسية السيئة. فمنذ نهاية شهر حزيران الماضي، علت صرخة بعض الصحافيين في سريلانكا لتقول: «لا نريد أن تستباح سيادتنا... مثل لبنان». انتقاص السيادة اللبنانية الذي تحدّثوا عنه تركّز خصوصاً على العلاقات الموتورة القائمة بين سفراء الولايات المتحدة والمسؤولين اللبنانيين، والذي لا يريد السريلانكيون استنساخه في بلادهم. قلق بعض الصحافيين السريلانكيين في هذا الخصوص سببه شخص واحد اسمه ميشيل سيسون، إذ إن السفيرة الأميركية السابقة في لبنان تتسلّم منصبها سفيرة لواشنطن في العاصمة السريلانكية، كولومبو، خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويبدو أن مَن اطلع من الصحافيين السريلانكيين على مسيرة سيسون المهنية، وخصوصاً في محطتها اللبنانية الأخيرة، اكتشف أدلّة دامغة على «تدخل السفيرة الأميركية في الشؤون الداخلية للبلد المضيف». فما كان منهم إلا أن عرضوا تلك الأمثلة وبيّنوا كيف نفذت سيسون سياسات بلادها المنحازة في البلد، محذّرين من أن تعتمد السفيرة الجديدة الطريقة ذاتها خلال وجودها في سريلانكا، في ظلّ وضع حساس أمنياً وسياسياً.
الصحافي السريلانكي المتخصص في الشؤون الدبلوماسية الأميركية، والذي عمل في وزارة الخارجية الأميركية حتى عام 1995، دايا غاماج، كتب سلسلة مقالات تعريفية بسيسون وبمهمتها الدبلوماسية في البلد، وحذّر من خطر التلاعب الأميركي بالشؤون السريلانكية الداخلية.تحت عنوان «بعد التدخل في سياسات لبنان، سيسون تتوجه الى سريلانكا مبعوثة أميركية جديدة»، كتب غاماج في صحيفة «آسيان تريبيون»Asian Tribune مقالاً فنّد فيه الخروقات القانونية المفضوحة لـ«السفيرة غير الاعتيادية» في لبنان. غاماج استعان ببعض ما كتبته الصحف والمواقع اللبنانية عن السفيرة، وببعض وثائق «ويكيلكيس» لينبّه المسؤولين في بلاده والقرّاء من خطورة ما قامت به سيسون خلال فترة «حكمها». الكلام الصحافي عن سيسون حرّكته الشهادة التي أدلت بها أمام لجنة العلاقات الخارجية الشهر الماضي حين أعلنت أن «أولى قضايا عملها في سريلانكا سيكون ملف حقوق الإنسان».
وعن لبنان، نقل غاماج مثلاً العبارات التي استخدمتها سيسون في مخاطبتها السياسيين اللبنانيين، مثل فعل «يجب تشكيل الحكومة في أقرب وقت» بدل «نتمنى على» أو «نأمل».
كذلك عرض الصحافي كيف تدخلت سيسون، وفقاً لتعليمات الخارجية الأميركية ونائب وزير الخارجية الأميركية (السابق) جيفري فيلتمان، في الانتخابات النيابية اللبنانية وفي تشكيلة الحكومة عام 2009 لصالح قوى 14 آذار، وكيف عملت ما بوسعها لاستبعاد حزب الله عن التشكيلة، واصفاً أسلوبها في العمل بـ«المهيمن». حتى إن غاماج تطرق إلى الاصطفاف السياسي في توزيع مؤسسة USAID المساعدات على «القرى الحليفة سياسياً لقوى 14 آذار فقط» بغية التأثير على الأصوات الانتخابية، علماً بأن المساعدات كانت في إطار «دعم القرى المحاذية لمخيم نهر البارد».غاماج نقل أيضاً ما جاء في إحدى وثائق «ويكيليكس» عن «دعم أميركي واضح لقوى 14 آذار ولسعد الحريري»، واستنتج أن «سيسون كانت حرة بالتدخل في الشؤون الانتخابية اللبنانية وفي تشكيل الحكومة».
غاماج الذي ذكّر ببنود «معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية»، ختم بالقول «نتفهم الخيارات والأهداف السياسية الخارجية لكل دولة (...) لكن نريد أن نوضح كيف تنفذ سيسون مهماتها الدبلوماسية نيابة عن رؤسائها في واشنطن، كما نريد إعلام دولة سريلانكا بالأمر قبل استضافة السفيرة الجديدة».