تشير الأرقام إلى أنّ عدد الطالبات يزيد على عدد الطلاب الذكور في الجامعات اللّبنانية، ولو أنّ النسب تبقى متقاربة إجمالاً. لكن، مع ذلك لا تتعدى نسبة النساء العاملات 23%، على رغم تحصيلهنّ مستوى تعليم يوازي تعليم الذكور. كما تشير دراسة مارال توتليان، المبنيّة على المعطيات الإحصائية لمسوح إدارة الإحصاء المركزي، إلى أنّ المرأة تعمل إجمالاً في قطاع الخدمات والتجارة، إلا أنها لا تتصدّر المهن المصنّفة كوادر عليا، بل تقوم إجمالاً بالمهن الإدارية والاختصاصيّة. فهل يمكن الحديث بعد عن أنّ المشكلة الكبرى تكمن في أميّة النساء، أم أنّ المشكلة أصبحت في البرامج التربوية في المدارس وثقافة النساء في البلد؟
ترى الأستاذة في كليّة التربية في الجامعة اللبنانية فادية حطيط أنّ تأمين التعليم هو هدف لم يعد هاماً بذاته، إذ إنّنا متجهون في هذا الطريق من دون منّة من أحد. «لكن ما أرى أن من الضروري العمل عليه هو جودة هذا التعليم ومضمونه. فثمّة الكثير من التعليم السائد لا يزال بعيداً عن المستوى المطلوب، كما أنّ علينا العمل على دراسة الكثير من الخبرات الجديدة التعليمية في العالم (والبعض منها ذات توجّه نسوي) وتعميمها. وما زلنا لا نفكّر بتعليم يتناسب مع أوضاع النساء الأمهات أو النساء المسنّات ولا نطالب به. وما زلنا لا نسمع مواقف من الجمعيات النسائية حول الحضانات وأنماط الرعاية المختلفة للأطفال الصغار وضرورة تعميمها».
في ندوة «تعزيز حقّ النساء في التعليم من أجل المساواة والمواطنة الكاملة للنساء» التي نظّمها التجمّع النسائي الديموقراطي اللبناني، أمس، بدعم من «دياكونيا»، اعتبرت معظم النساء الحاضرات، إضافة إلى الرجال الثلاثة، أنّ المشكلة الحقيقية هي في غياب الصورة الحقيقية الفعّالة للمرأة في الكتب الدراسيّة، فمجالها هو دائماً المطبخ، بينما الرجل هو الذي يعمل أو يقرأ الجريدة. أو في كيفيّة تطبيق ما تعلّمته في الجامعة في المجتمع، بما أنّ الغاية من العلم يجب أن تكون تمكينها اقتصادياً وإيصالها إلى مراكز القرار. لكن نسبة النساء المتعلّمات، غير العاملات، المرتفعة أكدت للحاضرات أنّ كثيرات من النساء يتعلّمن من دون أن يكون علمهنّ وسيلة لتحرّرهنّ، كما أنهنّ لا يزلن غير مقتنعات بأنّ لديهنّ دوراً خارج أسوار البيت والأمومة. فهل يجب أن تبدأ المرأة بتغيير صورتها عن نفسها كي تغيّر في ما بعد صورتها في عين المجتمع، أم أنّ مجتمعنا غير قادر أصلاً على استيعاب قدرات المرأة خارج الإطار التقليدي؟
أسئلة كثيرة لمحاولة فهم ابتعاد المرأة عن المنافسة الجديّة في سوق العمل. لكن، قد يقترب الجواب من وضع تلك المرأة التي حجزت لها مكاناً على الطاولة المستديرة. لكنها، بعد مضي ساعتين على الندوة وقبل انتهائها، استأذنت لتسرع إلى بيتها قبل وصول أولادها، لتطهو لهم طعام الغداء. قالت: «رغم كلّ الكلام، يبقى هناك واقع لا يمكن الهروب منه، هل سيترك زوجي عمله ليحضّر الغداء لأولاده؟». أو هل يمكن حتى الطلب من الرجل أن ينظّم وقته مع زوجته حتى يعتني هو بالأمور المنزليّة عندما تعجز هي عن التنسيق بين العمل المنزلي والخارجي، والعكس؟
ربما، معظم المشاكل التي تعوق المرأة اللبنانية عن الاندفاع أكثر نحو الاحتراف المهني تكمن هنا. فرغم الآثار التي من المفترض أن يخلّفها التعليم على مجمل شخصيتهنّ، لا يزلن يلتصقن بدورهنّ التقليدي. تقول حطيط إنّها درست آثار التعليم على مجموعة شابات متعلّمات، وخلصت إلى أنّ التعليم يوسّع مساحة الذات من خلال ما يقدّمه من توسع في الأفق والنزوع نحو التغيير. من هنا، أخبرت عايدة، المرأة التي يبدو أنّها اقتربت من الخمسين، المجتمعين عن تجربتها في صفّ محو الأميّة في بعلبك وعمّا غيّره الموضوع فيها. «دخلت الصفّ لأثبت وجودي وأقف على الأرض وما حدا يهزّني». وتضيف إنّها قبل دخولها الصف، كان زوجها يحمّلها مسؤوليّة كلّ ما يجري في المنزل، لكنها تقول بثقة بالغة إنّها أصبحت اليوم تخبره بأنّها «ندّه» وإنّها «خلقت بهيدي الدنيا متلها متله». عندما يزعجها أو يهينها بأيّ كلمة ستخبر المحامية. وهي تطمح اليوم إلى أن تكون قادرة اقتصادياً وستضحّي من أجل أن يتمّ أولادها علمهم، رغم أنّ الدولة لا تساعدهم بما أنّ التعليم مكلف.
أميرة، سريلنكية الجنسية، عرفت أنّها لن تواجه العنصريّة ضدّها إلا عندما تتعلّم لغة الجلاد. هكذا بعد عشر سنوات في لبنان، لا كخادمة بل زوجة لبناني، تعلّمت العربية لتخرج من مرحلة البكاء وتردّ على من يهينها بسبب جنسيّتها بلسانه. ومنذ فترة، حصلت على قرض من البنك لتفتتح محلّها التجاري الخاص، حيث تطمح إلى أن تستورد منتجات من سريلنكا وتبيعها هنا. أميرة الثانية هي شابة لبنانية صغيرة، كانت تسرّبت من المدرسة منذ 4 سنوات. لكنّها عندما رأت أمّها «تركض ورا الحرف» كي تمحو أميّتها خجلت من نفسها وعادت وصارعت من أجل أن يعيدوها إلى مدرستها فتفوّقت بعد عودتها، ولم تعد ترضى لنفسها إلا بتحقيق الأفضل.
ربما أولئك اللواتي فقدن نعمة العلم في صغرهنّ والاستقلاليّة الاقتصاديّة من بعدها، عرفن قيمة الموضوع في كبرهنّ، فيؤكّدن أن لا شيء سيثنيهنّ اليوم عن تحقيق ما يردن. تقول الأستاذة في الجامعة اللبنانية عاهدة طالب الأمين إنّ «المستوى التعليمي للمرأة هو في أحد أوجهه وسيط للتغيير الاجتماعي من خلال الأسرة، وغيابه أو تدنيه هو عنصر إعاقة، إن لم يكن مانعاً لإمكانية التغيير والتطور»، وأضافت إنّ نسب الأميّة في لبنان بحسب وزارة الشؤون الاجتماعيّة هي 10،9 عند الإناث و5،1 عند الذكور، بينما السويد مثلاً، احتفلت منذ أربع سنوات بانتهاء عصر الأميّة في بلادها.