حلّت الساعة السابعة، الترقب في مؤسسة الكهرباء في كورنيش النهر سيد الموقف. أنصار التيار الوطني الحر الذين دعوا الى تحرك ثان في مواجهة المياومين، لم يلغوا هذه الدعوة عن موقعهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ذلك على الرغم من طلب وزير الطاقة جبران باسيل تأجيل التحرك يومين. فرضية وصولهم بقيت قائمة. لكن، لم يأت احد، فقد حوّل الاعتصام الهزيل طريقه الى أمام وزارة الطاقة. هكذا، بدلاً من شعارات «الاحتلال»، بدلاً من الحجارة والقناني والعصي، «احتلت» شعارات أخرى باحة مؤسسة الكهرباء.
شعارات مناصرة للعمال المياومين كتبها عدد من الناشطين المستقلين الذين كان من المقرر أن ينظموا اعتصاماً في مواجهة معتصمي التيار. «إذا كانت ستكون مواجهة، فلتكن معنا نحن، هؤلاء العمال لهم حق بالتثبيت، ولهم حق في الدخول الى الضمان الاجتماعي والاطمئنان الى استمرارية عملهم»، تقول احدى الناشطات. لكن ألا يعني ذلك الدفاع عن عمال «مسيّسين» كما يقول وزير الطاقة والمياه جبران باسيل؟ ترفع الناشطة أسماء حرفوش حاجبها، «كلا، لا يوجد أي انسان لا يتبع زعيماً أو حزباً أو حتى فكرة، فلم محاسبتهم على معتقداتهم؟ فليحاسبهم باسيل على أحقية تثبيتهم من عدمه، أي قانون في العالم وأي دولة تسمح بتشغيل عمال كالرق لأكثر من 20 عاماً؟ وإن كان بعضهم دخل بواسطة زعيم حزبي أو سياسي، أتقع المسؤولية عليهم أم على ادارة المؤسسة التي وافقت على السير بنهج الواسطات؟ ما ذنب عائلات أكثر من 3 آلاف عامل؟ لم يريدون تشريدهم؟».
يستغرب الناشط باسم شيت المنطق الطائفي الذي يجري التعاطي به مع المياومين: «هؤلاء بشر، لهم حقوق، يجب أن يخجل من نفسه كل من ينادي بقتل هؤلاء جوعاً». يرى شيت أن مطلب المياومين حق. لا بل أن كلمة مياوم وحدها تستدعي رفع دعاوى ضد وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان. «معركة المياومين مركزية، في وجه المحاصصة والخطاب الطائفي، وتحريض الناس بعضهم على بعض، وتحريض العمال بعضهم على بعض» يقول.
تحت هذه الشعارات، نفذ الناشطون اعتصامهم. تعرف بعضهم على «الزعران»، كما يحاول التيار الوطني الحر وصفهم. «كيف يمكن وصمهم بالزعران وهم بمعظمهم لا يريدون سوى حقهم بالتثبيت؟» تسأل الناشطة جنان سليم. تقول إن على كل الناشطين مؤازرة المياومين في تحركهم، والدفاع عن مطالبهم حتى تحقيقها. والموقف ذاته يؤكده الناشط جميل عويني «لم أشك للحظة بأن تحرك المياومين مسيّس. فقد بدأ اعتصامهم بطريقة عادية كما كل التحركات العمالية، وحين باشر السياسيون هجومهم على التحرك، وحين تراجع الكثيرون عن مواقفهم الداعمة، شهد اعتصام المياومين منحى تصعيدياً، كما كل التحركات العمالية».
في الشارع الثاني في كورنيش النهر، كان عدد قليل من ملبي دعوة التيار الوطني الحر يعتصمون أمام وزارة الطاقة والمياه، رافعين أعلام القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ومطالبين بـ«تحرير» مؤسسة الكهرباء بالقوة. وقد حاول عدد من الشبان قطع الطريق، ما أدى الى حصول مشادة بينهم وبين القوى الأمنية. وخلال هذه المعمعة، اعتدى المعتصمون على فريق عمل تلفزيون الـ «MTV» ومراسل القناة هيثم خوند، رافضين أن يقول الأخير أنهم حاولوا قطع الطريق!
وقد سبق هذا التحرك مؤتمر صحافي عقده باسيل، وأسف خلاله «لما وصلنا اليه، فما الخيار؟ التعتيم الكامل أم أن القوى الأمنية والأجهزة القضائية تتحمل مسؤوليتها؟». وقال إن عدداً من الجباة لا يسلمون مؤسسة الكهرباء أموال الفواتير المجباة. وأضاف أن «كل ما نفعله هو من أجل الحفاظ على المؤسسات وعلى الدولة وعلى كرامة الناس، وعندما يقول أحدهم إننا لا نقبل بالتكلم مع العمال نذكرهم بأن القانون وُضع بالاتفاق معهم». وتساءل «هل تعتقدون أن الذي يحصل هو اعتصام أو تعبير سلمي عن الرأي؟ فالمستشارون والمدير العام أبقوا على تواصل عام مع الجميع، وسأخصص كل يوم ساعة من وقتي لمن يريد أن يستفسر ويستوضح، ولكن أي محتلّ للمؤسسة لا ألتقي به، وأي أحد يمد يده على المؤسسة وعلى أموالها لا ألتقي به، وذلك لصورة البلد ولصورة المؤسسات». ولفت الى أنّ «هناك معترضين بالشارع يجبرون مجلس النواب على التشريع بالطريقة التي يريدونها، وهذه سابقة خطيرة، أن يدخل على مرفق عام مواطنون يريدون التثبيت، فجميعنا نعرف الوسائل التي تعتمد». وأوضح أنّ «هناك حوالي 200 مليار ليرة فواتير لا قدرة للمؤسسة على جبايتها، وهناك متأخرات بالفواتير بالمليارات، وعندما ننزل ونمنع هذه الفواتير من الجباية بالتالي لا يمكننا أن ندفع للموظف المُثبت في المؤسسة، ولا يمكننا أن ندفع لسوريا مثلاً لاستجرار الكهرباء منها».
وسأل أيضاً: «كيف نصلح المعامل بعدم وجود اعتمادات، إذا أحدهم لا يريد أن يعمل فهل يجوز أن لا يسمح لغيره بالعمل؟، لا نصلح ولا نسمح للمؤسسة بالتصليح ولا للشركة المتعهدة كي تصلح الأعطال، وبالتالي كيف سيتحمل المواطنون الوضع؟». وتابع قائلاً: «إننا نستنفد المحاولات الأخيرة لحل هذه القضية بالمنطق، وهناك مرفق عام يريد أن يعمل، والمؤسسة لديها عقد مع متعهد ثانٍ، ولا يمكن لأحد أن يفرض الأمور بالقوة». وقال: «هناك المادة 342 وهي واضحة تقول ان كل اعتصام يقوم به أكثر من 20 شخصاً بقصد توقيف إحدى المصالح العامة المختصة بتوزيع الماء والكهرباء، يُعاقب بالحبس وبالغرامة، وهي مخصّصة لهذ الموضوع بالذات وذلك نظراً لأهمية الماء والكهرباء». هذا المؤتمر الصحافي، قوبل باستغراب المياومين من النقاط المطروحة. وشددوا على استمرار محاولة تشويه الاضراب.
كذلك، أصدرت مؤسسة كهرباء لبنان بياناً اعتذرت فيه من المواطنين بسبب زيادة ساعات التقنين. وردت هذا الأمر الى منع المياومين سيارات التصليحات من الخروج من المؤسسة. لكن لجنة متابعة المياومين أكدت ان أحداً لايمنع السيارات من الخروج من المؤسسة، لافتة الى أنها رفعت كتاباً الى ادارة مؤسسة الكهرباء لكي تعلمهم بأماكن الأعطال حتى يقوموا بإصلاحها، الا أن المؤسسة ترفض ذلك تحت مبرر أنهم لم يعودوا عاملين لديها».



228 ألف دولار

هي قيمة الرواتب الشهرية لـ400 شخص وهمي مسجلين عمالاً مياومين في مؤسسة الكهرباء. ويطالب المياومون المضربون عن العمل في المؤسسة، وزير الطاقة جبران باسيل بالكشف عن هذه القضية، وأن يعلن الجهة التي تتقاضى هذا المبلغ زوراً



ماذا يوجد داخل المبنى؟!

طلب وزير الطاقة والمياه جبران باسيل من «المواطنين والطلاب» أن يتظاهروا أمام وزارة الطاقة بدلاً من مؤسسة كهرباء لبنان. اما سبب تحويل وجهة التظاهرة فهو بحسب باسيل: «لأنني لا أعرف ماذا يوجد داخل مبنى محتل بهذا الشكل أو أعرف ولا أريد أن أقول»!
وقد أثارت هذه العبارة صدمة لدى المياومين والناشطين الذين تواجدوا في صالة الزبائن في المؤسسة، والتي لم يكن فيها سوى «ركوة قهوة» وبعض الفناجين البلاستيك وأوراق تكتب بعض الشعارات عليها.