بين كفي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتجمع القرار الروسي بخصوص الأزمة السورية. إنه على دراية تامة بنظرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصالح روسيا الاستراتيجية، ولموقع الأزمة السورية فيها. إنه يشبه بوتين، هكذا يقول عنه الأميركيون. بين لافروف والمبعوث الدولي المشترك كوفي أنان، علاقة وثيقة. غالباً ما يكون الاتصال بينهما أسبوعياً. في إحدى محادثاته مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي اشتكى من أن أنان لا يتجاوب مع مبادرات حسن النية للنظام، قال له لافروف: «إنه لا يفعل شيئاً قبل أن يستشيرني شخصياً».
أولويات موسكو

لافروف هو من صاغ نظرية أنه يجب التمسك بمهمة أنان، لأنه لا بديل عنها في وجه نوايا دول «أصدقاء الشعب السوري». وهو يعتقد أن الدولة الأكثر عداءً لأنان ومهمته، هي السعودية. وفي كثير من محادثاته الدبلوماسية، يوجه السؤال التالي: لماذا لم تستضف الرياض أنان، ولو مرة واحدة؟
خلال النصف الأول من الشهر الحالي، التقى لافروف سفراء دول الاتحاد الأوروبي، ليعرض لهم أسباب موقف روسيا من الأزمة السورية. وتحت عنوان أولويات روسيا في سوريا، عدّد لافروف مجموعة اعتبارات بلاده الأساسية، بحسب ما كشفه مصدر دبلوماسي غربي لـ «الأخبار». قال لافروف إنّ لدى روسيا خوفاً من أن تؤدي الأزمة السورية إلى عدم استقرار في آسيا الوسطى، إذا سيطر الإخوان المسلمون على الوضع فيها. ولفت لافروف إلى أن هناك مجموعات إرهابية توجهت من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى. وهذه سيكون لها تأثير خطير إذا انزلقت سوريا إلى حكم سياسي ديني أو إلى فوضى عارمة.
لافروف فاجأ سفراء دول الاتحاد الأوروبي عندما أعلن، للمرة الأولى، أن بلاده مستعدة لتقديم مساعدات مالية لمجموعة جنوب أفريقيا، بمواجهة تعاظم نشاط القاعدة والمجموعات الإسلامية المتطرفة، انطلاقاً من مالي. كذلك تحدث لافروف عن دعم بلاده لموقف الجزائر، التي نشرت تعزيزات عسكرية هامة على حدودها الجنوبية، للرد على التحدي الآتي من مالي. ورأى أن ما يحصل فيها هو أزمة اقليمية، مشيراً إلى لقاء ضم دولاً في جنوب أفريقيا وشرقها، وذلك في إطار البعد الأمني الإقليمي.
ولفت لافروف إلى أولوية أخرى تتمثل في وجود ما يقارب 45 ألف مواطن روسي في سوريا. وهؤلاء يمثّلون البعد الثقافي الروسي في الشرق الأوسط، ولن تسمح موسكو بأن يحدث لهم ما حدث مع المواطنين الروس في ليبيا خلال تفجر الاحتجاجات الليبية.
في خلال هذا اللقاء، لاقى لافروف تفهماً من السفير الفرنسي، جان دي غلينياستي، تجاه الأولويات التي ذكرها. وقال «يبدو أن اوروبا تغيب عنها حقيقة مكونات الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية». ثم في مناسبة لاحقة لسفراء الاتحاد الأوروبي في اليونان لتقويم الأوضاع الدولية والإقليمية المستجدة من منظار المواقف الروسية تجاهها، قال السفير الفرنسي «في موضوع التقارب والتباعد بين موسكو وواشنطن، فإن الطرفين يتحملان المسؤولية، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين موسكو والاتحاد الأوروبي، الذي هو الشريك التجاري الرقم واحد لروسيا». وأضاف «لكن دول الاتحاد ليست منسجمة في مواقفها من روسيا، مثلاً، فرنسا وألمانيا واليونان تسعى إلى التقارب، فيما دول أورويية أخرى تبادر إلى عكس ذلك».
أهم نقطة تثير «حساسية» بوتين تجاه الأوروبيين، كما نقلها عنه لافروف لسفير فرنسا في الاتحاد الأوروبي، هي موضوع امتناع الاتحاد الأوروبي عن إعفاء المواطنين الروس من سمات الدخول إلى دوله. ويكفي تخيّل الواقع الشعبي الإيجابي الذي سيحققه بوتين داخل بلده، فيما لو حصل من الاتحاد الأوروبي على ميزة اعطاء مواطنيه إعفاءً من سمات الدخول إلى دول الاتحاد.
لقد صاغ بوتين ـــــ لافروف ردوداً استراتيجية على هذا الأمر، وعلى غيره من سلوكيات الدول الغربية المثيرة للاشتباه في أن هدفها حصار روسيا. أخيراً أنشأت روسيا منطقة تجارية حرة للاتحاد الجمركي تجمع في اطارها روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، سُميت «اتحاد أورو ـــــ آسيا». وكلما فاتحتهم دولة ما في موضوع اتفاقية ذات بعد اقتصادي، كان جواب الروس: «إذا أردتم اتفاقاً معنا، يجب أن يكون مع هذا الاتحاد». يعلق أحد السفراء في الاتحاد الأوروبي «روسيا تنشئ محورها الاقتصادي الخاص ضمن الفضاء العالمي. هذه هي رسالة بوتين ـــــ لافروف إلى النظام الدولي الجديد، الذي جاءت مناسبة الأزمة السورية لتظهر ملامحه السياسية».

حرب الكواليس الدبلوماسية

لخص لافروف موقف روسيا من الأزمة السورية بثلاثة مصطلحات، رأى أنها تمثل ثوابت بلده منها، بالأمس واليوم وغداً. المصطلح الأول يشدد على أن توصيف موسكو للأزمة أنها «أزمة جيو - سياسية». والثاني «من الضروري حلها على نحو مرن». أما الثالث، فمفاده أن «روسيا لا تتمسك بالأسد، لكنها ترفض الآلية المطروحة التي تتحدث عن تنحيته قبل الحديث عن أي موضوع آخر». يشرح لافروف هذه العناصر الثلاثة الآنفة في محادثة مع أنان، فيقول: «هناك تخوف من نهج الغرب المسهل لمجيء متطرفين إلى السلطة، لأن من شأن ذلك أن يقضي على التعددية في سوريا». وحول عبارة «الحل المرن»، يؤكد لافروف أن «مجلس الأمن لن يكون بإمكانه التصديق على تدخل خارجي أو فرض التغيير على السوريين من الخارج». وحول «مصير الأسد»، يقول: «روسيا لا تتمسك بالأسد، ومصيره يقرره حوار سوري شامل، وبالتالي لن يرحل، والآلية التي تبحث في رحيله قبل أي موضوع آخر، غير قابلة للتطبيق».
وبنظره، الأسد انتخبه نصف الشعب السوري أو أكثر، وبناءً عليه فرحيله يقرره السوريون. وعن النموذج اليمني وتطبيقه في سوريا، يرى «أن الوضع في اليمن مختلف، فالجيش هناك انفصل عن الرئيس علي عبد الله صالح. وحتى هذه اللحظة، لم ترد إشارات توحي بأن الجيش السوري ينفك عن الأسد». لقد جادل لافروف واشنطن كثيراً في هذه النقطة، وذلك طوال فترة النصف الأول من هذا العام. وهي الفترة التي صعد فيها داخل المحافل الغربية مصطلح تطبيق الحل اليمني على الرئيس الأسد، بمعنى انضاج ظروف من الانشقاقات داخل الجيش السوري تؤدي إلى جعل الأسد ينصاع لآلية نقل صلاحياته إلى نائبه، أو إلى هيئة حكومية انتقالية لا يكون فيها أحد من حلقته الضيقة.
السفير الأميركي لدى دمشق، روبرت فورد، في محاضرة خصص جزءاً منها لدعم وجهة نظر وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، عن انضاج ظروف انشقاقات داخل الجيش في مقابل وجهة نظر لافروف التي تؤكد أن الجيش السوري حالة متعاضدة مع بشار الاسد، يقول «ما نقوله لموسكو هو أن الوقت لا يعمل لصالح النظام، لأن الاقتصاد ينهار والعقوبات على النفط أنهكت موازنة الدولة، ورجال الأعمال بدأوا بالتململ. وليس من قبيل الصدفة ازدياد التظاهرات في حلب». ويصل فورد إلى الغاية الاستراتيجية من تشديد العقوبات الاقتصادية، فيقول «واشنطن تعول على العلاقة الموجودة في سوريا بين رجال الأعمال وضباط الجيش، ونحن نراهن على أن التململ الذي بدأوا يعانونه سينتقل إلى أقاربهم وأصدقائهم في الجيش، الذي لا يزال متماسكاً، ما يجعل لافروف يجادل كلينتون بأن المثل اليمني ليس له مستمسك على الأرض في سوريا».

أنان أو الحرب الأهلية

بعد قمة المكسيك بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، قررت واشنطن افساح المجال أمام محاولات سلسة لتغيير الموقف الروسي تجاه بقاء الأسد في السلطة، وذلك مراعاةً لثلاثة أمور حيوية بالنسبة إلى إدراة أوباما. أولها أن أوباما لا يرغب في أي انزلاق إلى حرب خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثانيها أن واشنطن معنية بعدم حدوث انقسام داخل مجلس الأمن. وثالثها، إبقاء الفوارق بين موسكو وواشنطن ضمن حدود معقولة.
في مقابل هذه الخطوط الحمراء، هناك أوراق ضغط استراتيجية يمكن ممارستها ضد روسيا، أبرزها استغلال حقيقة أن استمرار انخفاض أسعار النفط العالمية من شأنه أن يضغط على الروس لحملهم على إعادة النظر في سياساتهم تجاه سوريا، التي تؤثر على نحو مباشر على علاقتهم بالدول المنتجة للنفط، ولا سيما العربية والخليجية منها.
الخطوة الاستراتيجية الأخرى، التي ستطرحها واشنطن بوجه موسكو في المرحلة الراهنة هي تخييرها بين ثلاثة سيناريوهات للحل في سوريا، كما كشفت عنها مندوبة الولايات المتحدة الاميركية، سوزان رايس في الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، التي عُقدت قبل نحو أسبوعين. رايس أعلنت أن الأيام القليلة المقبلة ستحدد أيّ من سيناريوهات الحل سيتحقق. السيناريو الأول، ممارسة ضغوط أقوى من قبل الدول على النظام السوري، ما سيحمله على اتخاذ خطوات ملموسة وسريعة لوقف العنف، وضمان نجاح أنان، ما يسمح للمجلس بالمحافظة على وحدته. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في أن يوافق أعضاء المجلس على فرض عقوبات على الحكومة السورية، وعلى إحالة الجرائم المرتكبة من قبل النظام على المحكمة الجنائية الدولية، ما يضمن نجاح خطة أنان، ويسهم في محافظة المجلس على وحدته وتماسكه. وأخيراً، يتمثل السيناريو الثالث في عدم تحرك مجلس الأمن، ما سيحوّل الصراع إلى حرب أهلية، قد تمتد إلى البلدان المجاورة وتصبح حرباً إقليمية بالوكالة.



أورلوف يكرر حديث التنحي


رأى السفير الروسي في باريس ألكسندر أورلوف، أنّ من الصعب تصوّر أن يبقى الرئيس السوري بشار الأسد (الصورة) في الحكم. وقال أورلوف، في مقابلة مع صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية نشرت اليوم رداً على سؤال عن قول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إن سقوط الأسد أمر حتمي، إنّ «من الصعب تصوّر أن يبقى (الأسد).. سوف يرحل وأعتقد أنه يفهم ذلك، لكن يجب تنظيم ذلك بطريقة حضارية، كما حصل في اليمن مثلاً». وكرر كلامه السابق الذي أدلى به في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية أن موافقة الأسد على اتفاق جنيف تعني أنه موافق على الرحيل، لافتاً إلى أن «حقيقة أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على البيان الختامي في جنيف في 30 حزيران، واختيار ممثله للمفاوضات المقبلة مع المعارضة، يثبتان أنه في داخله يوافق على فكرة أنه قد يرحل». وأضاف «هذا تطوّر مهم».
(يو بي آي)