بحسب قاموس التضامن العشوائي الذي يعرفه اللبنانيون، يفترض أن تشهد بيروت، الليلة، أكبر تظاهرة تضامن مع أهالي مناطق بعلبك ــ الهرمل. هذه المرة، لن يكون التظاهر محصوراً بالفقراء فقط، ولا يفترض بأبناء الطفّار الهاربين في الجبال أو بأولادهم المنتشرين في أزقّة الضواحي الشمالية والجنوبية للعاصمة أن يحرقوا الإطارات، او يقطعوا طرقاً فرعية أو رئيسية في العاصمة أو المناطق.هذه المرة يفترض أن تخرج حشود اللبنانيين الأصليين قبل منتصف الليل أو بعده، بالآلاف، أو بعشرات الآلاف، من أحياء الجمّيزة ومونو والحمرا والروشة وعين المريسة، بالاضافة الى مختلف أقسام سوليدير، بقديمها وجديدها. كذلك من كل علب الليل المنتشرة علناً أو في الخفاء، على طول الساحل من صور جنوبا إلى شكا شمالا.
هذه المرة يفترض ان تخرج حشود من الأجانب المقيمين عندنا، من دبلوماسيين ورجال استخبارات وإعلاميين ورجال أعمال. ومن إخوتنا أبناء دول الخليج العربي الذين رفضوا الالتزام بقرارات أو توصيات حكوماتهم بعدم زيارة لبنان.
هذه المرة يفترض ان يخرج حشد من نُخب بلادنا الذين نراهم نجوماً لامعة في سماء ليالي بيروت، وآخرون كانوا نوّاباً، أو هم في الطريق إلى المجلس أو إلى الحكومة، ورجال دولة من مختلف إداراتها وأقسامها وفروعها ومناطقها...
يفترض بكل هؤلاء أن يخرجوا الليلة في تظاهرات فردية أو على شكل مجموعات، وأن يسيروا إلى مقرّ مكتب مكافحة المخدرات، او الى ثكن الدرك والجيش، والاحتجاج على عمليات الإتلاف الجارية لموسم الحشيشة في البقاع، لأن ذلك يضرّ بمصالحهم... وأمزجتهم.
أما اللافتة الوحيدة المفترض رفعها فهي: لأجل نفسي... لأجل لبنان... أوقفوا إتلاف الحشيشة!
****
ليس في بلادنا من يمكنه رفض سلطة دولة حقيقية. وليس في بلادنا من يريد للقوى التي تعبر عن هيبة السلطة وقوتها ان تكون محل بهدلة وشرشحة ليل نهار. وليس في بلادنا من يمكنه رفض فرض القانون العام.
لكن ما تشهده البلاد منذ استقلالها الوهمي، الى حروبنا الاهلية الساخنة او الباردة، الى مخاض المتغيرات الكبرى الذي نعيشه هذه الايام، منحنا درجة من الذكاء تمنع استهبالنا يومياً، وتمنع تحولنا الى مجموعة حالمين بالقيامة الكبرى، التي لو تقوم اليوم تريح خلق الله. وكل تجارب الماضي تقول لنا، بأن الاستنساب والكيدية ونصف الحقيقة وكل ما شابه هو المسيطر على العقل الجمعي في لبنان، فيتحول الامر الى لعبة روليت روسية، لا مجال فيها سوى للحظ. ومن ليس لديه حظ لا يتعب ولا يشقى.
لذلك، ومع انني جربت مرة الحشيشة وادخلت المستشفى لانني بحسب خبير محلف لم أُجد تعاطيها، الا انني مثل غالبية الناس الذين لا يتعاطون هذه المادة، لكنهم يهربون الى الادوية الكيميائية ذات المفعول نفسه، بقصد تحمل العيش في بلاد الجنون المفتوح الى يوم الدين، ومثل المتعبين الذين لا تصلهم الحشيشة ولا يقدرون على شراء بديلها من دواء، لذلك، وجب النظر الى ما تقوم به الدولة كل سنة في مناطق البقاع الشمالي، على انه جريمة حقيقية.
ليس من علاج لهذا القهر المتمادي. لا مواد القانون تنفع في اطعام جائع. ولا سياسات اهلية من شأنها منع صراخ جائع او مريض، ولا فتاوى الاديان كافة تقنع رجلا بأن يقبل الفقر والذل.
وليس بين رجالات الدولة من يقنعنا ان سلطات تركيا والمغرب وافغانستان اقوى منا في الزام العالم دفع تعويضات لوقف زراعة الحشيشة في لبنان، وليس بينهم من يقنعنا بان الاموال المخصصة للزراعات البديلة لم تذهب الى جيوب التافهين الذين يرسلون صبيانهم آخر الليل الى طريق فرعية قرب اليمونة لشراء قطعة حشيشة. وليس من يقنعنا بأن السلطات الاجنبية تهتم لامرنا، ورجالاتها في لبنان يطلبون من سائقهم اللبناني طلبية حشيشة بعلبكية لانها الافضل في العالم.
فلتتوقف عراضات البطولة الوهمية لهذه السلطة، كما من سبقها ومن سيليها. وليذهب الجيش ومعه كل قوى الامن الى حيث يجب. الى مداهمة اوكار على شكل حدائق وقصور الذين يسرقون البلاد ويمنعون عنها الكهرباء والماء والمدرسة والمستشفى. ولتذهب القوى الامنية لتلاحق الفاسدين الذين تعرفهم واحدا واحدا.
ولان الحقيقة مرة. ربما يصعب على احد تقبلها، ومع ذلك فقد وجب الدعاء:
اللهم احفظ الطفار، وأغمض عيون المخبرين الرسميين وغير الرسميين!
اللهم عطّل عجلات شاحنات قوى الامن والجيش المتوجهة الى تلك المنطقة!
اللهم اعم ابصار الناس عن الحقول الخضراء التي لا يريدون لها الا لون الرماد الميت!
اللهم ازرع مهابة المزارعين في قلوب من يلاحقهم، وانزع مهابة سلطة تافهة من قلوب الفلاحين الفقراء!
اللهم سلط غضبك على مدّعي العفة من عواهر هذا الزمان، وامنع عنهم الحشيشة على وجه التحديد!
اللهم اعقد السنة الاعلام والاعلاميين، الصادقين منهم او الكذابين، واجعل الشاشات والقنوات تردد خلف طافر:
ازرع احصد كسر لف/ رانج وكلاشن وفيميه/ ومطرح ما بيحلالك صف/نصيحة مني لكل الي ما بيتحمّل/ يدوّر من هون ويرجع/ أحسن ما يفلّ محمّل/ لأنو هلق قطعنا زحلة/ صارت عليك خطيرة الرحلة/ كم بقاعي بخط النار/ منموت بعيون مفتوحة/ منتظرة وطن.
انك سميع مجيب!