قبل أيام، تلقّت الدولة اللبنانية رسالة من المملكة العربية السعودية، تطلب منها إنشاء قناة تعاون معلوماتي بين البلدين في مجال رصد إمكان خروج أسلحة من سوريا إلى الأراضي اللبنانية. ويبدو الطلب غامضاً في غاياته وتبريراته، وهذا ما يمكن استخلاصه من خلال ملاحظات عديدة يثيرها مضمون الرسالة و«التوجيه السامي» المستندة إليه:أولاً ــ وصل الطلب إلى لبنان عن طريق رسالة بعثت بها وزارة الخارجية السعودية إلى سفارة لبنان في الرياض، هذا نصها: «(...) إن حكومة المملكة في إطار استعراضها لمستقبل الأحداث في سوريا ومخاطرها من تسرّب أي نوع من السلاح من الأراضي السورية إلى دول الجوار، ومن ثم وصولها إلى أراضي المملكة السعودية، فإنها تأمل في تعاون الحكومة اللبنانية في مجال تبادل المعلومات حول هذا الموضوع».

وكان يمكن من الناحية الشكلية أن يكون مفهوماً الطلب السعودي، في ما لو خصص نوع التعاون المعلوماتي مع لبنان، برصد تهريب الأسلحة غير التقليدية، ولكن المصطلح المستخدم في الرسالة هو «أي سلاح». كذلك فإن الرسالة لا تحدد نوعية القوى التي تخشى انتقال الأسلحة إليها، بل تحدد الأراضي اللبنانية لتوصيف الجهة المتسلّمة له. وكل هذا يعني عملياً أن ما تطلبه الرسالة، من ضمن ما تطلب، من لبنان هو انضمامه إلى جهد استخباري قائم منذ ما قبل الأحداث السورية، يمارسه الغرب وإسرائيل، وهدفه رصد خط إمداد تسلح المقاومة في لبنان (حزب الله) عبر سوريا. والجديد في هذا الطلب هو محاولة إنشاء آلية استخبارية مشتركة مع الحكومة اللبنانية لرصد تسلح المقاومة في لبنان عن طريق خط الإمداد السوري، وذلك تحت عنوان أن سوريا أصبحت دولة فاشلة، وهناك خشية على الأمن الإقليمي من تسرب أسلحتها إلى فئات غير منضبطة وإرهابية. وفي حال وافق لبنان على هذه الفكرة، فليس مستبعداً أن يسمي هذا الإجراء حزب الله بالاسم بوصفه «منظمة إرهابية» تستفيد من تسرب الأسلحة السورية كنتيجة للفوضى في سوريا.
ثانياً ــ قد يكون مفهوماً توجيه السعودية للأردن طلباً مماثلاً للتعاون في مجال تبادل الاستعلام الاستخباري عن انتقال أي سلاح من سوريا إليها، لكونه لديه حدود مشتركة معها، ما يتيح إمكان التوجس من انتقاله إلى السعودية لمصلحة مجموعات القاعدة فيها. ولكن مثل هذا السبب غير موجود بخصوص لبنان الذي ليس له حدود مشتركة مع السعودية.
ثالثاً ــ تجدر الإشارة إلى أن الرسالة الآنفة الموجهة من السعودية إلى لبنان، هي تطبيق «للتوجيه السامي السعودي رقم ٣٧٣٢٨ الصادر بتاريخ ١٠ ــ ٨ ــ ١٤٣٣ هجرياً» (أي خلال العام الجاري)، والقاضي «بالموافقة على التوصيات التي تضمنها محضر اللجنة المشكلة من وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والمالية والنقل والصحة ورئاسة الاستخبارات العامة، لدراسة خطة لمنع تهريب مخزون الأسلحة السورية في حال سقوط نظام (الرئيس بشار) الأسد إلى الدول المجاورة».
والتوصيتان ٤ و٥ فيه تشيران الى «تكثيف التنسيق الاقليمي مع دول مجلس التعاون وكل من الأردن ومصر واليمن ولبنان وتركيا لتبادل المعلومات حيال رصد حالات تهريب الاسلحة، والتحرك على المستوى الدولي، وخصوصاً مع الجانب الأميركي لزيادة التعاون وتبادل المعلومات».
إن الاستنفار السعودي حيال هذا الموضوع قد يكون له مبرراته في الجزء المتعلق بالخوف من انتقال أسلحة غير تقليدية إلى أيدي عناصر في تنظيم «القاعدة» موجودة في سوريا، ما يهدد أمن كل الدول في المنطقة وخارجها، وخاصة الدول المنخرطة في حرب مع «القاعدة». لكن الطلب من لبنان أن يكون جزءاً من محور إقليمي «يتبادل المعلومات بشكل خاص مع أميركا» _ كما تقول التوصيتان ٤ و٥، حول مجرد انتقال أي سلاح من سوريا إلى أراضيه _ يثير الشكوك بشأن إمكان أن يكون هناك ضمن الهدف المعلن لمواجهة نتائج الفوضى في سوريا، أهداف مضمرة. وأبرز هذه الأهداف دعوة الحكومة اللبنانية للانخراط في محور إقليمي ودولي يتألف في الواقع _ بحسب الدول التي يعددها «التوجيه السامي» _ من مجموعة دول «أصدقاء الشعب السوري»، وذلك تحت قيادة أميركية، بدليل ما تشرحه التوصيتان ٣ و٤ في «التوجيه السامي» عن ضرورة «تنسيق هذا الجهد الاستخباراتي بشكل خاص مع الولايات المتحدة الاميركية». ومن المهم الإشارة في هذا المجال الى أن الدبلوماسية الاميركية كانت لمّحت لبيروت، في أكثر من مناسبة، إلى أن سياسة النأي بالنفس لا تمنع لبنان من الإسهام بدوره، ضمن جهود مجموعة «أصدقاء الشعب السوري».
رابعاً ــ الطلب السعودي يعني، ولو لم يرد ذلك بصريح العبارة، دعوة لبنان الى الانخراط في مكافحة نتائج افتراضية لفكرة شائعة الآن، استنتجها الغرب بتحريض من إسرائيل، وهي أن النظام السوري قد يقوم، تحت ضغط الخوف من سقوطه أو توجيه ضربة عسكرية خارجية لمخزونات أسلحته الاستراتيجية، بنقل أسلحة منها إلى حزب الله.
تجدر الإشارة إلى أن رسالة الرياض إلى الحكومة اللبنانية تختم بالقول «إن الحكومة السعودية تأمل موافاتها برأي الحكومة اللبنانية بهذا الشأن».
يبقى معرفة كيف سترد الحكومة اللبنانية، هذا في حال أنها لم ترد بعد. هذا مع العلم بأن مكافحة تسرب الأسلحة من سوريا لمصلحة قوى «إرهابية وغير منضبطة»، تحت أي اعتبار، مكانه الطبيعي هو لجنة تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري. إلا إذا كانت الحكومة اللبنانية باتت تعتبر سوريا دولة فاشلة وفقاً لتصنيف مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» لها.