منذ كان عضواً في مجلس النواب في نيويورك، دأب السيناتور، تشاك شومر، على أن يفتتح كل محاضرة أو كلمة أمام الجمهور اليهودي، بالتوضيح أن اسمه شومر مشتق من الكلمة العبرية «شومر» (حارس)، وأنه مخلص لمعنى الاسم، ومهمته الرئيسة المتمثلة في «حماية شعب إسرائيل ودولة إسرائيل». على خلفية ما تقدّم، اعتبر القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك سابقاً، ألون بنكاس، أن خطاب زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، مساء أول من أمس، يعبّر عمّا تعهّد شومر بفعله لسنوات عديدة خلت؛ حيث «حمى إسرائيل وحافظ عليها، ليس من أعدائها وإنما من نفسها. ليس من العالم، بل من رئيس وزرائها»، مشيراً إلى أنه بالنسبة إلى إسرائيل «خسارة تشارلز تشاك شومر، تعادل خسارة أميركا».ومن هنا، يتقدّم السؤال حول ما إذا كان شومر نسّق كلامه مع البيت الأبيض، أم اكتفى بإطلاع مجلس الأمن القومي عليه، علماً أن الرئيس الأميركي جو بايدن قال، أمس، إن «شومر تواصل مع فريقي بشأن خطابه فيما يخص إسرائيل»، مشيراً إلى أن «الخطاب كان جيداً وأعرب خلاله عن قلق جدي لدى العديد من الأميركيين». لكن هذا السؤال «ليس مهماً، رغم أنه مثير للاهتمام على المستوى السياسي»، والسبب أنه عندما يقول زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ - وهو أول يهودي في هذا المنصب، وسياسي يقع في مركز نقطة الوسط في الحزب، ويعدّ من الصقور الثابتين في دعمهم لإسرائيل - إن «رئيس الوزراء ضل طريقه، ويضلل جمهوره، ويسوّق رؤية قديمة وغير واقعية، ويعزل إسرائيل ويعرضها للخطر»، وإن «هذا هو السبب وراء حاجة إسرائيل إلى "اتجاه جديد" لا يمكن التوصل إليه إلا عبر الانتخابات»، فإن «كل ما سبق يشكّل ثقلاً سياسياً هائلاً». ومع أن خطاب شومر «لا يمثّل السياسة العملية للرئيس بايدن، فإن كلماته، بقوتها ووضوحها، تشكل خطوة لتغيير قواعد اللعبة في علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل»، وفقاً لبنكاس.
أمّا السؤال عن الدافع وراء الخطاب غير المألوف، الذي قيل في «عقر دار» مجلس الشيوخ، وليس كتصريح عابر، أو حديث مسرّب، فهو أيضاً «غير ذي أهمية»، أمام حقيقة أن أقوال شومر تعدّ «حلقة أخرى في منظومة علاقات غير مستقرة»؛ إذ وفقاً للديبلوماسي الإسرائيلي السابق، فإن «إدارة بايدن لا ترى في نتنياهو حليفاً للولايات المتحدة»، بل تقول: «إسرائيل نعم. نتنياهو لا». وبالنتيجة، فإن خطاب شومر الذي أثار عاصفة غير مسبوقة من ردود الفعل في إسرائيل، هو «عملية تدريجية، ولكن متسارعة، من انعدام الثقة وتراكم عدم المصداقية»، يعود تاريخها إلى سنوات خلت، حيث «تعززت بسبب خطاب نتنياهو المتحدي والعقيم في عام 2015 أمام الكونغرس ضد الرئيس أوباما والاتفاق النووي مع إيران، قبل أن تتخذ منعطفاً أسوأ في محاولة الانقلاب القضائي عام 2023، لتصل إلى أدنى مستوى في ما تعتبره الإدارة الأميركية ليس فقط عدم امتنان نتنياهو للمساعدة والدعم منذ 7 تشرين الأول، إنما مواجهة متعمّدة مع الولايات المتحدة يخطط لها رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ تشرين الثاني». ومع أن الخطاب لا يعكس تغييراً عملياً في السياسة من جانب إدارة بايدن»، إلا أنه يعكس إلى حد كبير «خيبة أمل» بايدن إزاء ثلاث فرضيات أساسية تبين أنها «خاطئة».
«خسارة تشارلز تشاك شومر، تعادل خسارة أميركا»


الأولى، بحسب بنكاس، هي أن الأميركيين افترضوا أنهم يعرفون نتنياهو وكيفيّة التعامل معه باعتبار أنه «يتحدث لغتنا، ونعرف ملفه النفسي – السياسي، فميله إلى التلاعب والاحتيال والازدواجية والأكاذيب هو سلعة معروفة». ونظراً إلى «المحنة» التي تعيشها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، والاعتماد الكبير على المساعدات العسكرية والدعم السياسي الأميركي، «سوف نعرف كيف نتعامل معه». لكن هذه الفرضية سقطت، لأن «موهبة نتنياهو في الخداع، وافتراضه أن المواجهة ستفيده سياسياً، تغذّيا أساساً من التصوّر الأميركي الخاطئ حوله». أمّا الفرضية الثانية، فهي أن دعم بايدن لإسرائيل، سيجعله محصناً من المواجهة، باعتبار أن الأخيرة ستشكره لذلك وستتجنب مناقضة المصالح الأميركية. غير أنه تبيّن أن هذا الدعم لا يهم نتنياهو؛ إذ حوّل السابع من أكتوبر إلى «قصة الدولة الفلسطينية التي ستفرض علينا». وبالنسبة إلى الفرضية الثالثة، فهي أنه على بايدن تجنّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل بسبب اليهود الأميركيين، باعتبار أن 70% من هؤلاء يصوّتون تقليدياً لمصلحة الديموقراطيين، إلا أن ما تبيّن هو أن إسرائيل ليست من بين القضايا الخمس التي تشغل هؤلاء الناخبين. هكذا، دُحضت الافتراضات الثلاثة الخاطئة «من قبل تشاك شومر في خطاب واحد»؛ حيث كانت رسالته بسيطة: «إذا خسرتموني، فستخسرون جو بايدن. وإذا خسرتم جو بايدن، فأنتم في حالة سيئة جداً. بنيامين نتنياهو هو المسؤول عن كل هذا، فلتتصرفوا».
وكان ردّ حزب «الليكود» الذي يتزعّمه نتنياهو على خطاب شومر، ببيان قال فيه إنّ «إسرائيل ليست جمهورية موز، بل هي ديموقراطية مستقلة وفخورة، وهي التي انتخبت نتنياهو الذي يتبع سياسة حازمة تحظى بدعم غالبية كبيرة من الشعب». وأضاف «الليكود» أنه «خلافاً لكلام شومر، فإن الجمهور الإسرائيلي يؤيد النصر المطلق على حماس، رافضاً أي إملاءات دولية لإقامة دولة فلسطينية إرهابية، وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. نتوقع أن يحترم السيناتور حكومة إسرائيل المنتخبة وألا يقوضها، وخصوصاً في وقت الحرب». أمّا وزير «كابينيت الحرب»، ورئيس «المعسكر الوطني»، بيني غانتس، فكتب في منشور على منصة إكس: «...تشاك شومر، صديق لإسرائيل، ويساعدها كثيراً حتى هذه الأيام، لكنه أخطأ في تصريحه. إن إسرائيل دولة ديموقراطية قوية، ومواطنوها وحدهم هم الذين سيحددون قيادتها ومستقبلها. وأي تدخل خارجي في الأمر غير صحيح وغير مقبول». من جهته، اعتبر حزب «هناك مستقبل»، الذي يترأسه زعيم المعارضة يائير لبيد، أن «الشيء الوحيد الذي يحظى بغالبية كبيرة في إسرائيل، هو المطلب برحيل نتنياهو لأن أكبر كارثة في تاريخ الشعب اليهودي منذ المحرقة مسجّلة باسمه. وهو حتى اليوم، لا يهتم إلا بمستقبله السياسي وسيفشل في ذلك أيضاً».
وفي وقت لاحق لما اعتُبر «هزة أرضية سياسية»، قال شومر، في منشور على منصة «إكس»، إنه «ليس بإمكان الولايات المتحدة التقرير في نتائج الانتخابات. فهذا عائد إلى قرار الجمهور الإسرائيلي. كدولة ديموقراطية، لإسرائيل كل الحق في اختيار قادتها، ولكن الأمر الأهم هو أن يُمنح الإسرائيليون الخيار، يجب القيام بنقاش جديد بشأن المستقبل».