اختتم مجلس الحرب الإسرائيلي جلسته أمس، على أن يستكمل مناقشاته اليوم في شأن الردّ على الردّ الإيراني، وسط تسريبات حول نيّته طرح «خيارات دبلوماسية» لعزل إيران، كان قد اقترحها وزير الأمن، يوآف غالانت، من خلال «عزفه على وتر» استثمار التعاون بين إسرائيل وعدد من الأطراف الإقليمية والدولية في صدّ الهجمات الإيرانية، من أجل تدشين «تحالف استراتيجي ضدّ التهديد الإيراني». وهي خيارات تبدو كجزء من استيعاب «الهبّة» الدبلوماسية لحلفاء تل أبيب، وفي طليعتهم واشنطن، إلى جانب باريس ولندن وعواصم إقليمية أخرى، دعت جميعها، الإسرائيليين إلى ضبط النفس وعدم توتير الأوضاع الإقليمية، وذلك في موازاة تبلور قرار أوّلي بتوجيه ضربة عسكرية «محدودة» إلى إحدى المنشآت داخل أراضي الجمهورية الإسلامية.
هواجس أميركية: لعدم الاستخفاف بقدرات إيران
على رغم إشادة عدد من المحلّلين الغربيين بنجاعة المنظومة الدفاعية لإسرائيل وحلفائها الإقليميين والدوليين في إسقاط جزء كبير من المُسيّرات والصواريخ الإيرانية خلال هجوم السبت الماضي، حذّر خبراء وقادة عسكريون من مغبّة استخلاص نتائج متسرّعة في شأن القدرات العسكرية الإيرانية. وفي هذا الصدد، قال جوزيف فوتيل، الذي شغل منصب قائد القيادة المركزية الأميركية بين عامَي 2016 و2019، إن «إيران برهنت أن الأسلحة المتوفرة في حوزتها، والتي يتم إطلاقها من داخل أراضيها، لديها القدرة على الوصول إلى داخل إسرائيل»، محذّراً من أن «توافر هذا النوع من القدرات العسكرية، لدى خصم إستراتيجي لديه طموحات نووية معلنة، يجب أن تثير قلق الاستراتيجيين العسكريين الإسرائيليين». بدوره، أشار الخبير في الشؤون العسكرية الإيرانية، والمحاضر في «كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري» (كاليفورنيا)، أفشون أوستوفار، إلى أن إيران اكتفت حتى الآن، ببعض قدراتها العسكرية، وليس كلها، ومن بينها مُسيّرات «شاهد 136» التي ذاع صيتها في حرب أوكرانيا، إضافة إلى صاروخ «خيبر» الباليستي، الذي يُعدّ أحد أحدث صواريخها وأكثرها تقدُّماً.

حرب غزة: ماذا بعد الردّ الإسرائيلي المفترض؟
يتقاطع ذلك، مع ما أوردته شبكة «إن بي سي» الأميركية، نقلاً عن مصدر في حكومة بنيامين نتنياهو، من أن إسرائيل ستتشاور مع جميع شركائها في شأن الردّ على إيران، مع تشديده على أن القرار النهائي يعود إليها. وبحسب المصدر المذكور، فإنّ ثمة عاملَين أساسيَّين يتحكّمان بالقرار الإسرائيلي: أولهما، يتّصل بتقدير ما إذا كانت إسرائيل معنية بردّ فوري، أم يمكن لها أن تتمهّل؛ وثانيهما، يتعلق بمدى تأثير أيّ تصعيد ضدّ إيران على العمليات العسكرية الإسرائيلية الجارية في قطاع غزة. وفي هذا الصدد، تفاوتت تقديرات المحلّلين العسكريين حول ما إذا كانت المواجهة المباشرة الإسرائيلية - الإيرانية ستسهم في تغيير مسار الحرب، أو ستترك آثارها على مسألة اتّخاذ قرار بغزو مدينة رفح جنوبي قطاع غزة. ويرى بعض المحلّلين أن هذه التداعيات مرهونة بإذا كانت إسرائيل ستردّ بهجوم مضاد كبير ضدّ إيران، بينما يميل آخرون إلى التأكيد أن مسار حرب غزة لن يتأثّر، بدعوى أن المسألتين منفصلتان تماماً، خصوصاً بعد توعّد نتنياهو بأن يواصل جيشه الحرب ضدّ حركة «حماس» بـ»كامل قوّته».
تتفاوت تقديرات المحلّلين العسكريين حول ما إذا كانت المواجهة المباشرة الإسرائيلية - الإيرانية ستسهم في تغيير مسار الحرب


وفي الإطار نفسه، نقلت الشبكة عن مصدر إسرائيلي مطّلع، قوله إن القصف الإيراني «لن يكون له أيّ تأثير يُذكر على خطّة الجيش لغزو رفح». وهو ما تبنّاه أيضاً رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس جلعاد، الذي زعم أن «الجيش الإسرائيلي لديه موارد كافية للقتال ضدّ إيران، ومواصلة شنّ الحرب ضدّ حركة حماس في غزة بشكل متزامن». بدوره، فسّر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، غيورا إيلاند، تلك المزاعم من خلال الإشارة إلى أن الموارد العسكرية اللازمة لمحاربة إيران، كالطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي، تختلف عن تلك التي تتطلّبها الحرب في غزة، كالقوات البرية والمُسيّرات والمروحيات الهجومية. وعن الآثار الدبلوماسية التي تأملها تل أبيب بعد القصف الإيراني، رأى إيلاند أن «نجاح التحالف الدولي والإقليمي الذي ساعد في صدّ الهجوم الإيراني، يمكن أن يلهم إسرائيل للاستفادة من الزخم (الدبلوماسي) الذي صاحبه، والعمل على تجاوز أزمة تدهور مكانتها الدولية».
في المقابل، لفت المدير السابق لقسم التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، الجنرال شلومو بروم، إلى أنه «في حال عمدت إسرائيل إلى الردّ بقوّة ساحقة على الهجوم الإيراني، فإن ذلك سيؤدي إلى اندلاع حرب متعدّدة الجبهات، على نحو يجبر القيادة الإسرائيلية على صرف انتباهها بعيداً من غزة، وتأجيل خططها لغزو مدينة رفح»، جازماً أن «خوض حروبٍ متزامنة، بشكل مكثّف، في مسارح متعدّدة، ليس بالأمر المريح لنا». وتابع أن وقوع مواجهة مباشرة وواسعة النطاق بين إسرائيل وإيران «يمكن أن يضع حدّاً للحرب في غزة»، على رغم إقراره بأن وقف تلك الحرب «يتطلّب وقفاً لإطلاق النار على نطاق أوسع، بحيث يشمل عدّة أطراف، بما في ذلك إسرائيل وإيران والجماعات المسلّحة المدعومة منها مثل حركة حماس وحزب الله». واعتبر أنّه «من أجل التوصّل إلى حلّ للأزمة (في غزة)، فإن الوضع يجب أن يتفاقم بصورة كبرى»، شارحاً أن التصعيد الذي يتبعه وقف شامل لإطلاق النار مع إيران قد يحمل الأخيرة على دفع «وكلائها الإقليميين إلى وقف عملياتهم القتالية ضدّ إسرائيل».