خلفيّة الاستعداد للانتخابات في كفرشيما فريدة من نوعها، فأساس المواجهة هناك هو بين الموارنة والكاثوليك. وبعدما ذاق الموارنة مرارة خسارتهم رئاسة المجلس البلدي، بسبب خلافاتهم الشخصية، يحاولون الاجتماع هذه المرة خلف لائحة واحدة ليستعيدوا ما يرونه حقاً لهم
غسان سعود
في مدينة عاليه يقضي «العرف» أن يكون للطائفة المسيحية سبعة أعضاء في المجلس البلدي. لكن عشية تأليف اللائحة الائتلافية أخيراً، حصلت محاولة لإعطاء المسيحيين ستة أعضاء فقط، فقامت القيامة وتكثّفت الاتصالات ليُدفن الاقتراح بسرعة في مهده. وفي عين كسور الشوفية، اتفق أبناء البلدة من المسيحيين والدروز على أن تكون رئاسة المجلس البلدي مداورة بين العائلات الأربع التي تتألف منهم البلدة. لكن الدروز أبلغوا أخيراً «إخوتهم المسيحيين» أن «العرف» فُهم خطأً وأن المداورة تكون مرة للعائلة الدرزية ومرّة لواحدة من العائلات الثلاث المسيحية. أما في أنطلياس، فقد قرر أحد أبناء البلدة الترشح إلى رئاسة المجلس البلدي، لكن سرعان ما بدأ خصومه الصراخ: «هو كاثوليكي، والعرف هو أن تكون رئاسة المجلس البلدي في أنطلياس... لماروني».
العرف الطائفي المذهبي القائم في معظم المواقع يصل إذاً إلى المجالس البلدية. في بعض البلدات يزكزك قليلاً طوائف كانت أقلية في بلداتها وصارت أكثرية، ما يستدعي تدخلات عليا أحياناً، كما حصل في عاليه، وثورات ضد الأعراف كما حاول بعض العونيين أن يفعلوا في أنطلياس. لكنه في بلدة كفرشيما، يرتسم خلاف استثنائي بين الموارنة والكاثوليك تنقسم البلدة حوله.
في كفرشيما، بلدة ناصيف اليازجي وفيلمون وهبي وحليم الرومي واليازجيين ومؤسّسي جريدة الأهرام المصرية بشارة وسليم تقلا، يحب الكتائب والعونيون والقوات والوطنيّون الأحرار وغيرهم بعضهم بعضاً. ولا مشاكل بين العائلات بشأن الانتخابات البلدية. «الخلاف هنا مختلف»، يقول أحد المسنين. «هنا، يتابع جاره، لا تسأل عن انتمائنا الحزبي ولا عن التجمع العائلي الذي ننضوي فيه، بل اسأل عن طائفتنا، فعليها تتوقف الملامح الأولية لخيارنا الانتخابي».
للحظة، يعتقد السامع أن هناك مشكلة مسيحية ـــــ سنية أو مسيحية ـــــ شيعية. لكن سرعان ما يأتيه التوضيح شارحاً أن ناخبي البلدة الذي يبلغ عددهم نحو 4220 ناخباً، يتوزعون على ثلاثة مذاهب أساسية، نحو 1700 ناخب ماروني و1400 كاثوليكي و1000 أرثوذكسي.
هنا البداية: منذ أن تأسست بلدية كفرشيما قضى العرف بأن يرأس مجلسها البلدي ماروني لأن الموارنة أكثرية، ويكون نائب الرئيس كاثوليكياً وأمين السر أرثوذكسياً. لكن عام 1962، قرر الأستاذ أديب الفتى، الكاثوليكي، خوض معركة في لائحة يترأسها هو، ما شدّ عصب الموارنة حول إيلي الرجي الذي فاز في الانتخابات يومها وبقي رئيساً حتى عام 1998، حين تكرر الأمر نفسه فترشح طوني راضي، الكاثوليكي، في مواجهة ديب ملعب، الماروني، ففاز الأخير والتزم بالعرف لناحية اختيار كاثوليكي ليكون نائباً للرئيس وأرثوذكسي ليكون أميناً للسر. حتى هنا، كانت الأمور طبيعية تقريباً. لكن عام 2004 حصل تطور «خطير»، بحسب أحد أبناء البلدة من الموارنة. فقد أصيب ثلاثة من موارنة البلدة بالمرض الذي يصيب الموارنة عموماً، وصار كل واحد منهم يريد أن يصبح رئيساً. فتألفت ثلاث لوائح ذات طابع ماروني في مواجهة اللائحة التي يرأسها طوني راضي، الكاثوليكي. الذي نجح لاحقاً باجتذاب 3 أعضاء فائزين على لوائح منافسة لينتخبوه رئيساً للمجلس البلدي. وهكذا، وقعت الواقعة: انتقلت رئاسة المجلس البلدي من الموارنة إلى الكاثوليك، علماً بأن هناك أعضاء من الموارنة والأرثوذكس يترشحون على اللائحة التي يرأسها كاثوليكي، وأعضاء من الكاثوليك والأرثوذكس يترشحون على اللائحة التي يرأسها ماروني.

هل يصوّت العونيّون الكاثوليك للائحة رئيسها ماروني، وهل يصوّت الكتائب الموارنة للائحة رئيسها كاثوليكي؟

يتلاقى أنصار القوات والتيار على مخاصمة «الريس» سياسياً
المستمع لأهل البلدة، وهم يروون القصة في الساحة، يتخيّل أجراس كنيسة الموارنة تدق حزناً، فيما أجراس كنيسة الكاثوليك ودير القرقفي تلعلع فرحاً. ففي كثير من التجهّم يقول أحد أبناء البلدة إن «الريس الكاثوليكي كان المبادر إلى الاستفزاز، فهو عاد ليطلق على شارع رئيسي في البلدة اسم أديب الفتى، وكأنه أراد أن يكرّم أول من تجرّأ على مواجهة الموارنة في عقر دارهم». وبسخرية يشير أحد الشباب إلى أن رئيس المجلس البلدي ابتدع تقليداً جديداً يقوم على استقباله المواطنين في عيد مار مطانيوس في دير القرقفي لتبادل التهاني. في وقت يتوقف فيه أحدهم عند ملاحظته أن «الريس» يختار دائماً مطاعم أصحابها من الكاثوليك ليولم لضيوفه. أما الزفت، يلاحظ آخر شاكراً ربه، فلكل أبناء البلدة من دون تمييز بين ماروني وكاثوليكي وأرثوذكسي.
لكن، أليست العلاقة ودية تاريخياً بين الموارنة والكاثوليك؟ طبعاً، تُجيب إحدى المارونيات. وتسهب في عرض الروايات والأخبار عن العيش المشترك بين أبناء الطائفتين الذين يكادون لا يشعرون بأنهم مختلفون طائفياً فيتزوّج بعضهم بعضاً، ويشارك رجال الدين الموارنة في أفراح الكاثوليك وأحزانهم، كما يفعل رجال الدين الكاثوليك في أفراح الموارنة وأحزانهم. لكن، تنتهي الصبية، بتأكيد أن «احترام العرف واجب». وهذه الصبية، بالمناسبة، تؤيد «التيار الوطني الحر لأن مسؤوله في البلدة ماروني، أما القوات والكتائب والوطنيون الأحرار فعينوا مسؤولين كاثوليك حين تغيرت الغلبة في البلدية».
في النتيجة، ماذا يحصل اليوم في كفرشيما؟ رئيس المجلس البلدي الحالي مرشح مرة أخرى وهو يستفيد من شد العصب الكاثوليكي حوله ليؤسس لنفسه حيثية خاصة، وهو يحظى بدعم حزب الكتائب الفاعل وسط الموارنة. في المقابل، يتلاقى أنصار القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على مخاصمة «الريس» سياسياً ويعدّون العدة لمواجهته مستفيدين من حضور القوات الكبير وسط الموارنة وقدرة العونيين على اجتذاب مجموعة كبيرة من الناخبين الكاثوليك. وهم كما يتكل خصمهم على العصب الكاثوليكي يتكلون على العصب الماروني «لإعادة الحق إلى أصحابه». وهم نجحوا في منع تعدد المرشحين الموارنة إلى الرئاسة. لكن، هل سيصوّت العونيون الكاثوليك للائحة رئيسها ماروني، وهل سيصوّت الكتائب الموارنة للائحة رئيسها كاثوليكي، في ظل الانقسام الطائفي الذي تعيشه البلدة؟ الإجابة متروكة لصناديق الاقتراع. وهي في المناسبة مفروزة، فالعرف على امتداد الوطن يقضي بأن ينتخب الماروني في صندوق، والكاثوليكي في صندوق، والأرثوذكسي في صندوق.