لم يقدّر لوزير العدل أشرف ريفي التفرّد بتعيين الأعضاء الخمسة المكمّلين لهيئة مجلس القضاء الأعلى المؤلّف من عشرة قضاة، لكون الأمر يتعلّق بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، وبالتالي لا بدّ من مراعاة التوازنات السياسية المكوّنة له. وهذا ما أدّى إلى تعيين رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل مروان كركبي، ورئيس الغرفة الخامسة في محكمة التمييز ميشال طرزي، والرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف في بيروت طنوس مشلب، ورئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان عفيف الحكيم، ورئيس الغرفة الثالثة لمحكمة الدرجة الأولى في بعبدا محمّد وسام المرتضى.
فقد التأمت محاكم التمييز برؤسائها ومستشاريها في جميع غرفها المدنية والجزائية لانتخاب اثنين من ممثّليها في عضوية مجلس القضاء الأعلى مكان القاضيين سهير الحركة والمتقاعد أنطوان ضاهر اللذين فازا في انتخابات عام 2012.


كيفية حصول الانتخابات؟

ويعدّ ثمانية من رؤساء غرف محاكم التمييز العشرة مرشّحين تلقائياً لهذه الانتخابات، ويستثنى بحسب العرف الرئيسان السنّيان راشد طقوش (يتقاعد في 10 شباط 2017) وبركان سعد بسبب وجود قاضيين من الطائفة السنّية في عضوية المجلس هما المدعي العام للتمييز سمير حمود ورئيس هيئة التفتيش القضائي (أحمد) أكرم بعاصيري (يتقاعد في 29 كانون الأوّل 2016). كذلك لا يحقّ للقضاة المنتهية ولايتهم إذا كانوا مستمرّين في الجسم القضائي ولم يتقاعدوا، الترشّح مرّة ثانية، وهو ما ينطبق على القاضيين جوزيف سماحة وسهير الحركة، ولذلك انحصرت المعركة بين الفائزين الماروني حبيب حدثي والشيعي غسان فوّاز، والأرثوذكسي ميشال طرزي، والماروني جان عيد، وتغيّب الدرزي وليد القاضي لأسباب صحيّة.

مجلس القضاء خلا من العنصر النسائي بعدما كان يضمّ ثلاث قاضيات



جرت الانتخابات في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز في الطبقة الرابعة من قصر العدل، بعيداً عن عيون الصحافة، لكونها سرّيّة، ويمنع على أحد المشاركة فيها، ولو حضوراً، ما عدا القضاة المعنيين، وتولّى الرئيس الأوّل لمحاكم التمييز جان فهد، الإشراف عليها وفرز أصوات الناخبين البالغ عددهم 30 قاضياً بالتعاون مع أمينة السرّ القاضية الأصغر سناً كارلا قسيس. وجاءت نتائج التصويت كالآتي: حدثي 21 صوتاً (يحال على التقاعد في 6 تموز 2016)، غسّان فوّاز 18 صوتاً، ميشال طرزي 9 أصوات، جان عيد 6 أصوات (يحال على التقاعد في 10 تموز 2018)، ووجدت ورقة بيضاء واحدة.


الأسماء معروفة قبل تعيينها

قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي في 12 حزيران 2015، بادر ريفي إلى رفع أسماء القضاة الخمسة بحسب ما كان يُتَداوَل بأسمائهم في أروقة العدلية، لعدم قدرته على تجاوز مسائل قانونية محدّدة أصولاً في متن المادة الثانية من القانون رقم 389/2001، وذلك على النحو الآتي:
ــــ قاضٍ عن وحدات وزارة العدل هو حكماً وحتماً رئيس هيئة القضايا الكاثوليكي مروان كركبي (يحال على التقاعد في 24 آذار 2017)، باعتبار أنّ الوزارة تتمثّل برئيس هيئة القضايا أو برئيس هيئة التشريع والاستشارات القاضية ماري دنيز المعوشي العضو في مجلس القضاء ولا يجوز تعيينها ثانية بحكم القانون.
ــــ قاضٍ من رؤساء محكمة التمييز الباقين هو ميشال طرزي على ما تقتضي الطبخة الطائفية والسياسية، ويحال على التقاعد في 13 آذار 2021، وسبق له أن عيّن عضواً في مجلس القضاء بين العامين 2009 و2012 كممثّل عن محاكم الاستئناف.
ــــ قاضيان من بين رؤساء محاكم الاستئناف، الأوّل هو طنوس مشلب، لكونه الأعلى درجة بين القضاة الموارنة الذين يرأسون محكمة استئنافية، إذ إنّه في الدرجة 19، وإنْ كان هناك قضاة موارنة من درجته المذكورة، ولكنّهم ليسوا في منصب رئيس غرفة في محكمة الاستئناف، ويحال على التقاعد في 4 تشرين الأوّل 2017. والثاني هو رئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان (الغرفة السابعة في محكمة الاستئناف في بعبدا) الدرزي عفيف الحكيم.
ــــ قاضٍ عن محاكم الدرجة الأولى والأقسام المنفردة وكتبت القسمة للقاضي الشيعي محمّد مرتضى المقرّب من القاضي فهد، وسبق له أن عيّن عضواً في مجلس القضاء الأعلى بين العامين 2009 و2012 حيث شغل مركز أمانة السرّ لأنّه أصغر الأعضاء سنّاً ودرجة، ويؤول إليه هذا المركز مرّة ثانية في الولاية الجديدة.

إخراج النساء من المجلس

واللافت أنّ مجلس القضاء الأعلى خلا من العنصر النسائي دفعة واحدة بعدما كان يضمّ ثلاث قاضيات هن: سهير الحركة، وماري دنيز المعوشي، وميرنا بيضا، وهذا يحدث للمرّة الأولى في تاريخ القضاء في لبنان ولن يتكرّر إلا في حال تجاوز عدد النساء عدد الرجال في الجسم القضائي في السنوات المقبلة.
كذلك، بهذه التعيينات يكون تمثيل المحافظات قد اقتصر على بيروت، وجبل لبنان (قاضيان) فقط دون سائر المحافظات، بعدما كان مجلس العامين 2012 ــــ 2015، يضمّ قضاة عن الشمال، الرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف وهناك الشيعي رضا رعد، وعن البقاع الرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف هناك القاضي الدرزي أسامة اللحّام، واستبعدت محافظة الجنوب كالعادة، بينما كان بالإمكان تمثيلها بإجراء تعديل طفيف.
وبهذه التركيبة لمجلس القضاء، لم يعد بمقدور ريفي ولا فريقه السياسي، الاستئثار بمقرّرات مجلس القضاء الأعلى التي تحتاج في حال اللجوء إلى التصويت عند الاختلاف في وجهات النظر على أمر ما، إلى سبعة أصوات من أصل عشرة.
ويجب على القضاة المنتخبين والمعيّنين السبعة أن يقسموا اليمين القانونية قبل مباشرة مهماتهم، وهناك لغط حول هذا الأمر في ظلّ عدم وجود رئيس للجمهورية، غير أنّ أهل القانون وجدوا الحلّ، فمنهم من يرى أنّ تأدية اليمين تكون أمام مجلس الوزراء مجتمعاً، باعتبار أنّ مجلس الوزراء يحلّ مكان رئيس الجمهورية عند غيابه، منطلقين من القاعدة القانونية والشرعية التي تقول إنّ «المُطلق يجري على إطلاقه»، ومنهم من يرى عدم جواز حصول قسم اليمين أمام مجلس الوزراء، لأنّه من الصلاحيات الفردية الخاصة برئيس الجمهورية مثل تعليق الأوسمة، كذلك لا يجوز حلول أحد مكان رئيس الجمهورية وهو تفسير منطقي، ولكنّه غير دستوري. وفي المحصّلة يقسم القضاة السبعة اليمين أمام سلام وبقيّة الوزراء حفاظاً على الانتظام العام لهيبة الدولة!.