بكين | منذ وصولها، الجمعة، إلى الصين، في زيارة نادرة تمتدّ لستة أيام، من الثالث حتى التاسع من هذا الشهر، حاولت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، «عكس» صورة إيجابية للعلاقات بين بكين وواشنطن، ساعيةً إلى الإيحاء بأنّ «المسار» نحو استقرار العلاقات بين الطرفين لا يزال مستمراً. وإلى جانب مقاطع الفيديو التي انتشرت لها وهي تتناول العشاء في العلن، وتستخدم «العيدان» الصينية للأكل، وغيرها من الممارسات «الودية»، ألقت المسؤولة الأميركية، الجمعة، في مدينة غوانجو الصينية، خطاباً أمام مجتمع الأعمال الصيني، شدّدت فيه على أهمية العلاقات الاقتصادية الصينية – الأميركية، وعدم وجود أي نية لدى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لـ«الانفصال عن الصين اقتصادياً»، مشيدةً بالمساعي التي تم بذلها العامين الماضيين لفتح قنوات «متينة» للتواصل بين الطرفين، ولا سيما في الملف الاقتصادي. وفي وقت لاحق، التقت يلين مسؤولين ورجال أعمال محليين، من بينهم نظيرها هي ليفنغ، المسؤول أيضاً عن الشؤون الاقتصادية بين البلدين، قبل أن تتوجه، الأحد، إلى العاصمة بكين، حيث التقت رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ.على أنّ «ازدواجية المعايير» التي تبرز أكثر فأكثر في السياسة الأميركية المتّبعة تجاه الصين أخيراً، سرعان ما عادت إلى الواجهة خلال الزيارة، بعدما أعلنت الحكومة الأميركية أنّ وزيرة الخزانة «واجهت نظيرها الصيني في ما يتعلق بارتفاع صادرات الصين من السيارات الكهربائية غير المكلفة، وسلع الطاقة الخضراء الأخرى»، مشيرة إلى أنّ هذه الأخيرة «تشكل تهديداً على وظائف الأميركيين»، وحثّت بكين على «تقليص» إستراتيجيتها الصناعية. وبالفعل، بعد اللقاء، قالت يلين في تصريح إلى الصحافيين: «أعتقد أن الصينيين يدركون مدى قلقنا بشأن تداعيات إستراتيجيتهم الصناعية على الولايات المتحدة، وإمكانية إغراق أسواقنا بالصادرات التي تجعل من الصعب على الشركات الأميركية المنافسة». كما برزت الانقسامات في ما يتعلق بالملف الأوكراني، إذ ناقشت يلين مع نظيرها «الحرب في أوكرانيا، والقلق المتزايد في الولايات المتحدة من أن الشركات الصينية تساعد في دعم جيش موسكو».
تبعث الممارسات الأميركية، بحسب مراقبين، بـ«إشارات متضاربة» إلى صنّاع السياسة في بكين


في المقابل، رفضت الصين «الشكاوى» الأميركية المشار إليها حول إستراتيجيتها الاقتصادية، واضعةً إياها في خانة الأطماع «الانتهازية وأحادية الجانب»، ومحاوَلةِ «تبرير» فرض المزيد من التعريفات الجمركية على البضائع الصينية، واتخاذ المزيد من الإجراءات «الحمائية»، التي تهدف إلى تقويض نمو الصين. وفي السياق، نفى السفير الصيني لدى الولايات المتّحدة، شيه فنغ، في مقابلة مع مجلة «نيوزيوك» الأميركية، الحديث عن أن «طاقة الإنتاج المفرطة» للصين «تهدد الدول الأخرى»، معتبراً أنّه على العكس تماماً، فإنّ «القدرة الصناعية العالية الجودة والقوى الإنتاجية الجديدة النوعية (التي تروج لها الصين) ليست موجودة بشكل مفرط في العالم، إنّما هي نادرة جداً». كما أشار السفير الصيني إلى أنّ القدرات الصينية «الخضراء» تتيح لدول العالم النامية تحقيق أهداف خفض الانبعاثات السامة وتسريع الانتقال نحو الطاقة الخضراء.
وبالنظر إلى الممارسات الاقتصادية والعسكرية الأميركية الأخيرة، يصبح «التشكيك» الصيني في نوايا واشنطن مفهوماً؛ إذ تقترن «التبادلات» الديبلوماسية بين البلدين، مثلاً، باستمرار واشنطن في محاولة «قمع» بكين في مجال التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، أصدرت الولايات المتحدة، أخيراً، لائحة «محدثة» من قيود التصدير إلى الصين، دخلت حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، تشمل أجهزة الكمبيوتر المحمولة التي تحتوي على رقائق الذكاء الاصطناعي. ويُضاف إلى تلك الإجراءات في المجال الاقتصادي، «الحراك» الأميركي، الذي تصفه بكين بـ«المزعزع للاستقرار»، في بحر الصين الجنوبي. وتبعث هذه الممارسات، بحسب مراقبين، بـ«إشارات متضاربة» إلى صنّاع السياسة في الصين، وتخلق «قناعة» لديهم بأنّ السياسة الأميركية «لا تتمتع بالمصداقية الكافية» كما يقولون، بل هي «رهن» التقلبات في المناخ السياسي الداخلي والخارجي، وتخدم فقط المصالح الأميركية.
كذلك، تحدثت وسائل الإعلام الصينية، أخيراً، عن أنّ الرأي العام الصيني أصبح يعي «حقيقة السياسة الأميركية»، ويلمس التناقضات فيها، وبالتالي لا «ينخدع» بمظاهر «الود» التي يحاول المسؤولون الأميركيون نشرها. حتى إنّ عدداً من الخبراء الأميركيين اعتبروا، في حديث إلى صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية المملوكة من الدولة، أنّ الولايات المتحدة كانت تنتظر من الصين إعطاء «الضوء الأخضر» لزيارة يلين، لأنّها تبحث عن «مساعدة ملحة» من الصين في ما يتعلق بمجال «السياسة النقدية»، بسبب المشكلات الكبيرة التي تعانيها لناحية ارتفاع الدين العام الأميركي. ويتابع أصحاب هذا الرأي أنّ على يلين ومن خلفها إدارة بايدن أن يدركوا أنّهم «في حال جاؤوا إلى الصين لطلب المساعدة والتعاون، فعليهم تغيير موقفهم المتعجرف والتحدث بلطف، بدلاً من البحث عن المنافسة غير العادلة لمواجهة الصين واحتوائها»، مؤكدين أنّ الأخيرة «لن ترضخ للضغوطات القائمة على منطق الهيمنة».