هناك تشابه مثير بين ما يقوم به رئيس هيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف لتخريب قطاع الاتصالات، عبر الادعاء أن الوزير شربل نحّاس لا يسدّد «الأموال» للهيئة لتغطية مستحقات المستخدمين والمورّدين، وبين ما تقوم به وزيرة المال ريا الحسن لزرع بذور «الهلع» لدى اللبنانيين، عبر الادّعاء أن عدم تحويل الوزير شربل نحّاس (نفسه) إيرادات الاتصالات إلى وزارة المال بوتيرة شهرية سيؤدّي إلى «إفلاس» الدولة، وبالتالي عجزها عن تغطية رواتب وأجور الموظّفين والمتعاقدين والأجراء والمتقاعدين في الإدارات العامّة اعتباراً من الشهر المقبل. أوجه التشابه كثيرة. فالهدف سياسي بامتياز، وهو ما تؤكّده الوقائع والبيانات الرسمية، إذ إن الأموال متاحة، وليس هناك إشارات جدّية على وجود صعوبات في تمويل العجز في ظل إعلان المصارف ومصرف لبنان الاستعداد التام للاكتتاب في سندات الخزينة، واستبدال السندات المستحقة بالليرة وبالعملات الأجنبية. كذلك ليس هناك تبدّلات جذرية في وضعية المالية العامّة (المأزومة أصلاً منذ التسعينيات). فالإيرادات العامّة ارتفعت فعلياً بقيمة 272 مليار ليرة، على عكس مزاعم وزيرة المال بتراجعها بقيمة 356 مليار ليرة، فيما النفقات العامّة ارتفعت بطريقة مفتعلة بقيمة تتجاوز 437 مليار ليرة، نتيجة مسارعة الوزيرة الحسن إلى تسديد مستحقات متراكمة عن سنوات سابقة، بهدف تكبير العجز وتسهيل الهجوم على الحكومة العتيدة بوصفها لا تتمتع بالكفاءة «المطلوبة» لإدارة الخزينة (على غرار ما فعله فؤاد السنيورة عندما كان وزيراً للمال في عام 1998)... هذا تماماً ما فعله عبد المنعم يوسف، فهو شنّ حملة شائعات تحت عنوان وجود نقص في السيولة لدى هيئة «أوجيرو»، وهدّد، كما الحسن، بقطع رواتب المستخدمين. وعندما سقطت هذه الحجّة الواهية، عمد إلى تكبير قيمة المبالغ المستحقة على الهيئة لتبلغ 97 مليار ليرة، فيما الفواتير التي رفعتها الهيئة إلى وزارة الاتصالات لا تتجاوز قيمتها 14 مليار ليرة، وقد جرى تسديد 79% منها حتى الآن.
والهدف الآخر هو شربل نحّاس، لا بصفته الشخصية، بل بما يمثّله على صعيد مشروع الدولة وضرب منظومة الفساد والمصالح الكامنة فيها وإعادة النظر في البنية الاقتصادية، إذ إن عبد المنعم يوسف يرفض الآن تجديد العقود مع المورّدين، ولا سيما لجهة تأمين بطاقات «كلام» و«تيليكارت»، رغم أن المطبعة الملتزمة تقاضت مستحقاتها، ويطالب يوسف بإغراقه بالمال العام ليستخدمه على هواه، وبالتالي إبقاء سيطرة فريقه الحزبي بعيداً عن أي رقابة من سلطة الوصاية أو سواها... وهو تماماً ما تريده ريا الحسن بإصرارها على دفع وزير الاتصالات إلى مخالفة القوانين والحصول على توقيعه لاستكمال عملية نهب أموال البلديات المستمرة منذ عام 1994.
هذا بعض ما كشفته مداولات اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة النيابية التي انعقدت أمس بحضور الوزيرة الحسن. فقد اعترفت الأخيرة بأن الدولة ليست على شفير الإفلاس، عكس تهديداتها الأخيرة التي استقوت بها على مصدر دخل نحو ثلث الأسر اللبنانية المقيمة التي يعمل معيلها في القطاع العام. فكل ما تريده من هذه التهديدات، بحسب توضيحاتها، هو الضغط على الوزير نحّاس لتحويل أموال وزارة الاتصالات المودعة في حساب الخزينة لدى مصرف لبنان إلى وزارة المال لتسديد فوائد بقيمة تقل عن 200 مليون دولار مترتّبة على دين بالدولار يستحق في هذا الشهر.
فالحسن، بحسب مصادر شاركت في اجتماع اللجنة، قالت بوضوح إن لديها استحقاقات تريد أن تدفعها، ما أحدث حالة ضاغطة. وأشارت إلى أن مصرف لبنان أكد أن هناك اكتتابات في سندات الخزينة، لتخلص إلى أن الخلاف مع وزارة الاتصالات يؤثر على وضعية وزارة المال، إذ هناك فائض غير أموال البلديات في حساب وزارة الاتصالات، فلماذا لا يُحوّل؟
وهنا بيت القصيد. فقد كشف الوزير شربل نحّاس، في حديث تلفزيوني مساء الأحد الماضي، أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان بادر إلى طرح دعوة نحاس والحسن إلى اجتماع بمشاركة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للتوصل إلى صيغة قانونية تسمح بالحفاظ على أموال البلديات، وتؤمن في الوقت نفسه ضخّ بعض الأموال الفائضة إلى حساب وزارة المال، من دون انتظار نهاية السنة المالية كما ينص القانون... إلا أن الحسن رفضت ذلك، ربما لأن هدفها ليس إيجاد حل من هذا النوع، بل إيجاد الأسباب لمواصلة التهديد، تماماً كما فعل عبد المنعم يوسف.
اللافت أن الحسن التي ضربت عرض الحائط بمبادرة رئيس الجمهورية وتصرّفت بلامسؤولية تجاه ما تدّعيه من نقص في السيولة لديها، عادت ووافقت أمس على هذا الاجتماع بناءً على مبادرة رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان.
وزار كنعان بعد اجتماع اللجنة الفرعية سلامة الذي رحّب بالمبادرة، وكذلك فعل الوزير نحّاس، علماً بأن سلامة أكّد لكنعان أن الاستحقاقات ستُدفع في وقتها من دون تأخير، وبالتالي لا أساس لكل ما يُقال في هذا الشأن.
وبحسب النائب كنعان، فإن اللجنة الفرعية استمعت أمس إلى شروح الوزيرة الحسن في شأن واقع الدولة المالي، وقال إن مناقشة جدية ومعمّقة حصلت بين أعضاء اللجنة للوصول إلى حلول تنسجم مع الإطار الدستوري والبرلماني والديموقراطي، من خلال مجلس النواب، بعيداً عن المواقف الإعلامية التي تسيء، في كثير من الأحيان، إلى سمعة لبنان المالية والاقتصادية، كما تسيء إلى صدقية لبنان وتخيف المواطن.
وأشار كنعان إلى وجود تطمينات، وقال «أنا من موقعي أطمئن اللبنانيين إلى أن الوضع سليم في مسألة الرواتب والاستحقاقات الدولية. طبعاً ذلك لا يمنع أن هناك معالجات يجب أن تحصل، وهذه مسؤوليتنا نحن أن نؤمّن الإطار السليم لمعالجتها.



2500 مضمونون

هي قيمة المبالغ المتراكمة في حساب 36 لدى مصرف لبنان، وهي تمثّل جزءاً من السيولة النقدية المتاحة لوزارة المال من أجل مواجهة الاستحقاقات المختلفة، ما يعني أن أي كلام عن عدم وجود سيولة لتسديد الرواتب هو «تزوير» أو «تضحية» بالموظفين لمصلحة الدائنين الآخرين.



خطّة الحسابات

يطرح النائب إبراهيم كنعان خطّة لإنجاز الحسابات المالية النهائية للدولة، العالقة منذ سنوات، والتي تمنع إقرار الموازنة العامّة لسنة 2010. وقال بعد اجتماع اللجنة الفرعية المكلّفة بتقصّي الحقائق إن هذه الخطّة تقوم على تأليف لجنتين: لجنة في وزارة المال للإعداد والتدقيق في الحسابات المالية يشرف عليها المدير العام لوزارة المال، وتضم ثمانية فرق عمل، كل فريق يكلف بفئة معينة من الحسابات تكون من اختصاصه، واللجنة الثانية لدى ديوان المحاسبة يشرف عليها المدعي العام المالي في الديوان. وأوضح أن هذه الخطّة لا تزال بمثابة مشروعً.