ويكيليكس | يدّعي السيّد علي الأمين أنه يمثل «أكثرية صامتة» من الشيعة المعتدلين الذين لا يتوافقون مع حزب الله وحركة أمل، كما كرر أمام السفيرة الاميركية والدبلوماسيين عام ٢٠٠٨. لكن تلك الأكثرية لم تكن «صامتة» أبداً في اجتماعات السفارة، فأكثرَ ممثلوها من الكلام والرصد والشكوى والنميمة والإخبار والتطوّع لخدمة مصالح واشنطن. هؤلاء، وعلى رأسهم السيّد الأمين، صمّوا آذان السفير جيفري فيلتمان والسفيرة ميشال سيسون والدبلوماسيين خلال سنوات، وأبلغوا عن كل شاردة وواردة، وطلبوا الدعم والمال والشرعية السياسية مقابل رأسَي حزب الله وأمل.

وعلى الرغم من عدم كثافة لقاءاته المباشرة بالمسؤولين الأميركيين، كان السيّد الأمين يرسل مطالبه ويبلّغ خططه لواشنطن من خلال لقمان سليم أو بواسطة شيوخ آخرين ترددوا إلى السفارة باستمرار. وهو يظهر في كل تلك الرسائل كالشخصية الدينية الشيعية الأفضل لترؤس أي تجمّع ديني أو سياسي بديل. وطالب السيد الأمين الأميركيين مراراً بالضغط على قوى ١٤ آذار لدمجه أكثر في كيانهم.
للسيّد الأمين لقاءان مباشران مع السفيرة سيسون في أيار وحزيران عام ٢٠٠٨.
في ٤ أيار ٢٠٠٨ (08BEIRUT608)، أي قبل يوم من إجراءات ٥ أيار التي أشعلت أحداث ٧ أيار من ذلك العام، التقت القائمة بالأعمال الاميركية ميشال سيسون، يرافقها بعض دبلوماسيي السفارة، المفتي علي الأمين في بيروت بحضور ابنه حسن. الأمين عرض تاريخ نضاله ضد حزب الله، وذكّر الحاضرين بأنه «رفع صوته ضد حزب الله منذ عام ١٩٨٧ حين بدأ يحذّر من سلاح الحزب وقيامه ببناء دولة داخل الدولة». الأمين قال بوضوح للسفيرة إن «الأكثرية الصامتة» من الشيعة المناهضين للحزب «يحتاجون الى المزيد من الأدوات السياسية لمواجهة حزب الله». الأمين سوّق لنفسه وحاول إقناع سيسون بأهمية دوره بالقول إنه «لا يمكن هزم حزب الله من خلال المدنيين، بل بواسطة رجال الدين الشيعة، لما لهم، كرجال دين، من تأثير على الأوضاع في لبنان».
ثم انتقل الأمين لشرح كيف يهيمن حزب الله على «المجلس الشيعي الأعلى» وعلى وسائل الإعلام، وكيف يستغل الهبات الحكومية ليوزعها على المنظمات الأهلية التابعة له ليكتسب المزيد من الشعبية.
دولياً، انتقد الأمين الفرنسيين «الداعمين لحزب الله»، وعبّر عن حرقة ولوعة مكبوتتين من أيام مؤتمر سان كلو عام ٢٠٠٧، «حيث كان يجب على فرنسا عدم دعوة حزب الله للمشاركة، بل كان يجب أن تدعو الشيعة المعتدلين».
الأمين رفع أمام الدبلوماسيين شعاراً سيسجّل له في البرقيات اللاحقة كأحد مبادئه الأساسية، إذ قال إنه «لن يستفيد ممن يخاف من حزب الله، فذاك لا يمكنه صنع أي تغيير في الرأي العام».
وبعد تحذير الأميركيين من هيمنة حزب الله على الحكومة، ومن ضرورة تقوية الجيش اللبناني وإرسال لجنة من الأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات، سخر الأمين من قوات «اليونيفيل»، وقال «إنهم بمثابة سيّاح في لبنان». الأمين أشار الى أنه قبل ٤ أشهر «سأل القوة البلجيكية في اليونيفيل بشأن شبكة الألياف البصرية الظاهرة التابعة لحزب الله، ولكنهم أجابوا بأنهم لم يروا شيئاً». وتابع: «الجيش اللبناني على علم بتلك الشبكة أيضاً، لكنه لم يفعل شيئاً حيالها». الأمين خلص إلى القول إن «شبكة الاتصالات وكاميرات المراقبة في مطار بيروت الدولي هي أدلة على نية حزب الله بناء دولة خاصة به»، لذا «على الحكومة اللبنانية أن تطبّق القوانين اللازمة بشأنه».
الأمين أبلغ الأميركيين أنه طلب من «الرئيس فؤاد السنيورة عقد اجتماعات شهرية مع رجال الدين الشيعة المستقلين لبحث قضية هيمنة حزب الله وإيران على لبنان، لكن أي اجتماع لم يعقد حتى اليوم، رغم وعود السنيورة بمتابعة الأمر».
مفتي صور وجبل عامل حاول أيضاً تسويق جمعيته أمام الأميركيين فقال إن «المواطنين يطلبون منه خدمات معيشية عديدة، وهو يحاول تأمينها لهم كل أسبوع». وأضاف «كانوا يخشون أن يطلبوا مني مباشرة خدمات بعد حرب تموز، ولكن الآن يأتون أسراباً وجماعات». كذلك دعا الأمين الدبلوماسيين الاميركيين لزيارة جمعيته الأهلية في صور.
اللقاء الثاني بين سيسون والأمين حصل في ١٩ حزيران ٢٠٠٨ (08BEIRUT918) بحضور ابنه حسن والشيخ معروف رحال في منزله في بيروت، بعد أن أقيل المفتي من «المجلس الشيعي الأعلى». بدا الأمين في اللقاء يائساً وغاضباً لأنه لم يتلق الدعم اللازم العلني من رجال الدين الشيعة العراقيين والأصوات «المعتدلة» الأخرى عندما أقيل من منصبه.
بداية، امتدح الأمين زيارة سيسون للنبطية، ورأى في خطوتها «خرقاً لإقطاعية حزب الله في الجنوب»، فيما عبّر عن «امتعاضه من التظاهرات المناهضة للزيارة من قبل مناصري حزب الله».
ثم انتقل الأمين ليعبّر عن سخطه من «رجال الدين العراقيين الذين لم يستنكروا قرار إقصائه من المجلس الشيعي الأعلى... وذلك لارتباطهم بإيران».
«أنا مستعد لأن أدفع الثمن، لكن أين هي بقية الأصوات المعتدلة؟»، سأل المفتي الأمين، مشيراً الى أن ممثل المرجع علي السيستاني في لبنان لم يتصل به، قبل أن يبلغ السفيرة أن السيستاني يموّل حزب الله وحركة أمل.
الأمين بدا ساخطاً أيضاً على رئيس مجلس النواب نبيه بري «الذي يرتدي بذلة في النهار وملابس عسكرية في الليل» كما قال. وسبب السخط أن «بري أقصى الشيعة المعتدلين عن الحكومة الجديدة، وسعى لأن تكون الهيمنة المطلقة لحزب الله». وهنا، أوصى الأمين بباسم السبع لتعيينه وزيراً.
وبالعودة الى جوهر الأهداف المشتركة بين الأمين والأميركيين، أكد المفتي للوفد الدبلوماسي أن «عدد المناهضين لحزب الله، وخصوصاً من الطلاب الشباب، يزداد أكثر فأكثر». ولمّح الى أنه لا يستطيع العودة الى مكتبه في صور، وهو يبحث حالياً عن مكتب يعمل من خلاله في بيروت.
اقترح على الاميركيين تأليف «رابطة من مدنيين ورجال دين شيعة معتدلين شبيهة بالرابطة المارونية».
لكن المفتي سارع إلى القول: «لا يمكن مواجهة حزب الله بالصلوات فقط»، طالباً الدعم المالي من الاميركيين لتأسيس الرابطة وإيجاد مركز لها وتمويل محطة تلفزيونية لبث أفكار "الشيعة المعتدلين".