عندما لا يميّز التلميذ بين حروف الأبجدية في عمر الـ6 سنوات لا يعود الأمر متعلقاً بالكسل بل بالصعوبة التعلمية. لا يعثر المراقب في ملامح الطفل على هذا الاحتياج الخاص. فالأخير يلبي ما يطلب منه، يركض، يلعب... لكنه يعاني فروقاً بين القدرات الذهنية والمردود الأكاديمي.
وحدهم المعلمون وأولياء الأمور قادرون على تلمس هذه الصعوبة مبكراً، وإن كان الأهل لا يعترفون، بسهولة، بحالة ولدهم. هذه الحالة قد تتنوع بين عسر في القراءة (ديسلاكسيا)، أو عسر في الكتابة (ديسغرافيا)، أو عسر في الحساب (ديسكلكوليا)، أو العناد والتحدي، أو القلق و«الفوبيا» والوسواس، أو اضطرابات سلوكية أو اضطرابات نفسية وغيرها.
هؤلاء الذين يستطيعون أن ينخرطوا في المجتمع مع جهد إضافي من المسؤولين هم من يستهدفهم اليوم الوطني للتلامذة ذوي الصعوبات التعلّمية الذي تفتتحه وزارة التربية بالتعاون مع مركز سكيلد والمركز الثقافي البريطاني، صباح الاثنين المقبل.
يمتد النشاط أسبوعاً كاملاً عبر ورش عمل في مدارس رسمية وخاصة تتناول التوعية على ثقافة الدمج وفوائد التشخيص المبكر، وتعاون الأهل وضرورة مساعدة أبنائهم، والتحفيز والتدريب المستمر للأساتذة.
ينفي منسق اليوم الوطني ورئيس مركز سكيلد د. نبيل قسطا أن يكون هناك إحصاء دقيق، لكن يقول إنّ نسبة هؤلاء في 27 دولة أوروبية تراوح بين 7 و8% من مجموع عدد التلامذة. وفي لبنان، يقدر قسطا أن النسبة لا تقل عن 5% من عدد تلامذة المدارس الرسمية والخاصة في كل مراحل التعليم العام الذي يبلغ 970 ألفاً. من هنا يستنتج أنّ عدد ذوي الصعوبات لا ينخفض عن 50 ألفاً، فيما نحو 4 آلاف من هؤلاء فقط يخضعون لمواكبة تعليمية في مدارس بدأت تطبق الدمج التربوي. يعني ذلك، بحسب قسطا، أن باقي التلامذة إما أنّهم يتعذبون في الصفوف من دون تشخيص لوضعهم أو أنّهم يتسربون من المدرسة.
هكذا، يسعى النشاط إلى تعميم التوعية وحثّ الوزارة والمركز التربوي للبحوث والإنماء على تطبيق خطة الدمج التربوي التي بدأ إعدادها منذ 4 سنوات، وذلك باتجاه تأهيل معلمين وتدريب اختصاصيين وتكييف المناهج.
وقد سبق اليوم الوطني توقيع اتفاقية بين الوزارة ومركز سكيلد تعهد فيه الأخير، كما يقول قسطا، بوضع اختصاصييه في النطق واللغة والتربية المختصة وعلم النفس التربوي والعلاج النفسي ــ الحركي والعلاج الانشغالي ومرشديه التربويين في تصرف الوزارة. وقد جرى حتى الآن مسح لحاجات نحو 15 مدرسة رسمية، على حد تعبيره.
يشدد قسطا على أهمية ذهاب الأهل إلى التشخيص المبكر عبر القيام بفحص للسمع والبصر والخضوع لاختبارات الذكاء والاختبارات النفسية ــ الحركية والعاطفية بمجرد ملاحظة أي خطأ أو مشكلة في سلوك أولادهم. يلفت الرجل النظر إلى أنّ حالة بعض التلامذة لا تحتاج فقط إلى دمج في الصف عبر تخصيص معلم مرشد (shadow teacher)، بل إلى ساعات بعد الظهر في عيادات خاصة. ولا يخفي أن قسط التلميذ في هذا الوضع يفوق قسط التلميذ العادي بنسبة تراوح بين70% و80%.
وفيما يشير إلى أنّ كل دول العالم تدفع للمدارس لمتابعة هذه الحالات، يقول إنّ مشكلة لبنان ليست فقط في قصور الدعم بل في عدم توافر مدارس باللغة الفرنسية.
لا يسلم التلامذة ذوو الصعوبات من تصنيف مبني على أحكام مسبقة قد تأتي من المعلمين أنفسهم. هؤلاء قد يحتجون على دمج التلميذ بحجة «بيخربطلي الصف» لكونهم سيضطرون إلى إعادة إعطاء المعلومات. معظم المعلمين ينتظرون فقط تلميذاً شاطراً «مهفهفاً» يتفاعل معهم ويرفع يده باستمرار، على حد قول قسطا. وغالباً ما يصطدم التلامذة بأهالي زملائهم العاديين الذين يرفضون أن يدرس أبناؤهم مع أتراب «أغبياء» أو «هِبِل»!
يشرح قسطا الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام للمدارس الإنجيلية أنّ الوزارة كانت متفهمة لحالة الأولاد وكانت تعفيهم من اجتياز الامتحانات الرسمية، بناءً على ملف تراكمي للتلميذ تسلمها إياه المدرسة. وإذا كانت المدارس الخاصة التي قاربت الاحتياجات الخاصة على مدى السنوات العشر الأخيرة قد جهدت في تغيير جزء من النظرة إلى أصحابها، فالدرب لا يزال طويلاً.