لم تعد «المذبحة المقبلة» مقبلة... إلا إنها واردة. في الوقت نفسه، إسرائيل ملزمة بمساعدة الدروز، لكنها لن تساعد. هذه هي المقاربة الإسرائيلية لـ«الخطر الداهم» ولاحقاً غير الداهم، للبلدات ذات الأغلبية الدرزية في السويداء والقنيطرة.والمشهد كما أرادته إسرائيل، وروّجت له، لم يحصل. لم يتطور الوضع الميداني كما كان مخططاً له، الأمر الذي أفقد إسرائيل خياراتها الابتدائية حيال «مذبحة الدروز»، واستغلالها باتجاه فك ارتباط الدروز السوريين عن الجيش السوري، ما دفع تل أبيب الى البحث عن خيارات بديلة، قد تجد صعوبة في العثور عليها.

وأهم تطور لم يكن في حسابات إسرائيل وعرقل مخططاتها، هو التفاف البلدات الدرزية في سوريا، سواء في السويداء أو القنيطرة، حول الجيش السوري وقتالها الى جانبه.
مع ذلك، ورغم التطورات وصمود أهالي السويداء و«حضر»، حيث الأخيرة تعاني من شبه حصار لكن مع صمود لافت منع عنها ما كان مخططاً لها، يوجد في الإعلام العبري من يعمل على «بطارية 2 فولت»، ويواصل الحديث عن المذابح وكأنها واقعة لا محالة، الأمر الذي يزيد من «غليان» الشارع الدرزي في فلسطين المحتلة الذي عبّر عن غليانه في اليومين الماضيين عبر تظاهرات وعرض قوة وإصدار مواقف تدعو الى حمل السلاح ومساعدة البلدات الدرزية في سوريا، بل وأيضاً تشكيل ما أطلق عليه «أنصار الموحدين»، وهو تشكيل عسكري من شبان دروز فلسطين المحتلة، أعلنوا استعدادهم للقتال والدفاع عن إخوانهم الدروز في سوريا. إلا أن المفارقة أن الإعلام العبري روج لهذا التشكيل بصورة لافتة، وخاصة أن معظمهم ضباط وجنود سابقون في الجيش الإسرائيلي، ويحملون السلاح علناً كما بدا في الفيلم الترويجي الذي بثته قنوات التلفزة العبرية في اليومين الماضيين حول هذا التشكيل، الهادف كما يبدو إلى استيعاب وتوجيه وترويض أي حركة عسكرية خارج عن سياق الاستراتيجيا الإسرائيلية المتبعة.
وفي تقرير للقناة الأولى العبرية عن «أنصار الموحدين»، أشار الشيخ مهنا كنعان، وهو عقيد سابق في الجيش الإسرائيلي وصفته القناة بأنه ناشط في الجهود الرامية الى الدفاع عن الدروز السوريين، الى أنه يريد أن يكون «الشهيد الأول في الدفاع عن السويداء»، بينما أكد أحد الشبان المنضوين في الحركة الدرزية الجديدة، أنه «لا نريد أن نشاهد أولاداً ينظرون الى أبيهم وهم يقطعون رأسه، ونحن لن نقف مكتوفي الأيدي، لأننا لا نثق بأحد، ولدينا كل الطرق للوصول الى جبل الدروز». وقال «أمير ملحم»، من بلدة «أبو سنان» في الجليل، إن لديه صوراً ومشاهد لجنود من الجيش الإسرائيلي مع مقاتلين من «جبهة النصرة». وعرضت القناة للصور التي تظهر مقاتلي «النصرة» والجنود الإسرائيليين في وئام تام، يتجولون ويتحادثون وهم يحملون الأسلحة الفردية داخل أحد المواقع التابعة للنصرة، بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة.
إلى ذلك، أشارت القناة الى وجود «خط مفتوح» بين كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وزعماء الطائفة الدرزية (في فلسطين المحتلة)، يهدف الى تقدير الوضع بصورة مشتركة حول ما يجري في الطرف الثاني من الحدود، كما يهدف أيضاً الى طمأنة الشارع الدرزي حول مصير البلدات الدرزية في سوريا... لكنها أكدت في المقابل أن مصدراً عسكرياً رفيعاً لفت الى أن إسرائيل لن تستقبل أي لاجئ درزي على أراضيها، لكنها ستعمل على استيعابهم بالقرب من السياج الشائك في الأراضي السورية، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم هناك.
وتظاهر الآلاف من دروز فلسطين المحتلة في بلدة بيت جان في الجليل، تعبيراً عن تعاطفهم مع إخوانهم في سوريا. ووصفت الإذاعة العبرية التظاهرة بأنها من أكبر الاحتجاجات للدروز في الآونة الأخيرة، بسبب ما سمته اقتراب «الجماعات السنية المتشددة» من تجمعات الدروز السكنية في منطقة السويداء في الجنوب السوري. وبحسب الإذاعة، أكد منظمو التظاهرة أن المزيد من التظاهرات ستجتاح إسرائيل في الأيام المقبلة، إلى حين إيجاد حل يضمن سلامة الدروز السوريين. كما شهدت باحة مستشفى الجليل في نهاريا تظاهرة مماثلة، احتجاجاً على معالجة جرحى من المعارضة السورية في المستشفيات الإسرائيلية. وأشارت الإذاعة العبرية الى أن المتظاهرين أعربوا عن استيائهم من معالجة إسرائيل جرحى من تنظيم «جبهة النصرة» الذين يقتلون الدروز في سوريا.
وفي تحرك مقابل، جال الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف، برفقة ضباط من قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، على منطقة الحدود مع سوريا في الجولان، حيث عرض الضباط أمام طريف أوضاع البلدات الدرزية على طرفي الحدود. وبحسب الإذاعة العبرية، شارك الشيخ طريف أيضاً في اجتماع «للشبيبة الدروز» في مقام النبي خضر في قرية كفرياسيف في الجليل الغربي، وعرض أمام الحضور تقويمه لأوضاع الطائفة الدرزية في سوريا، موضحاً أن «الدروز في سوريا مواطنون سوريون لا يمكننا التدخل في شؤونهم، لكن بإمكاننا التوجه الى دول العالم لطلب العون والمساعدة»، في موقف يتناغم جداً مع الموقف الإسرائيلي الرسمي.
وكان عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، الوزير السابق يائير لابيد، قد أشار الى أنه تلقى «عرضاً موجزاً» من الجهات الأمنية المعنية حول أوضاع «حضر» والتهديدات حولها، مشيراً الى أن «إسرائيل ملزمة تجاه الدروز في إسرائيل الذين هم ملزمون في المقابل تجاه إخوانهم في سوريا، لكن في الوقت نفسه نشدد على أن إسرائيل لا تريد أن تكون متورطة في الحرب الدائرة هناك، الأمر الذي يدفعها الى إيجاد حلول إبداعية لا يمكن التفصيل فيها، لكنها بعيدة عن التدخل العسكري المباشر».
الى ذلك، حذرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والتي تعدّ في تل أبيب الناطقة باسمه والمعبرة عن مواقفه، من التدخل العسكري للجيش الإسرائيلي في سوريا، وطالبت كل من يدعو الى ذلك بأن يتذكر جيداً ما حصل لإسرائيل في لبنان بعدما تدخلت هناك، وتساءلت عمن يريد أن تكرر تل أبيب أخطاءها الماضية.
ولفتت الصحيفة الى أن أي تدخل إسرائيلي عسكري مباشر في سوريا يجب أن يتم بعيون مفتوحة وبلا أوهام أو توقعات غير واقعية. وشددت على ضرورة منع التدخل وأن تجد إسرائيل نفسها موجودة عسكرياً داخل سوريا، حتى لو وصل تنظيم «داعش» الى السياج الحدودي، وحتى لو قررت جبهة النصرة (تنظيم القاعدة)، تغيير موقفها الحالي، والعمل ضد إسرائيل، وأشارت الى أن «الجميع يعرف كيف يبدأ التدخل، لكن من الصعب معرفة كيف ينتهي». وخلصت الصحيفة الى التوضيح بأن الدروز في سوريا غير معنيين على الإطلاق بمساعدة إسرائيلية، كما أنهم (الدروز السوريين) يشددون على أنهم جزء من الدولة السورية.