هي المرّة الثانية التي تصل فيها «لقمة» رئاسة الجمهورية إلى فم رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، ثمّ تذهب إلى مرشّح آخر. في المرّة الأولى، عشيّة انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود نهاية صيف 2004، كاد فرنجية أن يكون رئيساً، قبل أن تفرض الظروف المتسارعة على سوريا وصديقه الرئيس بشّار الأسد، التمديد للحود. وقبل تسعة أشهر، كان في جيبه ما يزيد على 70 صوتاً، ونصاب مؤمّن لجلسة انتخابٍ يخرج منها رئيساً للجمهورية اللبنانية، بعد ترشيح الرئيس سعد الحريري له. إلّا أن فرنجية، لا يحضر جلسة لمجلس النّواب يغيب عنها حزب الله وليست على خاطر الأمين العام للحزب السّيد حسن نصر الله، الذي يرتبط الوزير السابق والنائب الشاب به وبسوريا ارتباطاً عضوياً، في النهج والموقف والتاريخ.ولأن فرنجية لا يلعب مع تاريخ بيته وعائلته، إن كان رئيساً للجمهورية أو نائباً سابقاً كما كان بعد حصاره وإسقاطه في انتخابات 2005، لم يهدّد بالخروج من «الخطّ» ولم يدخل في لعبة الابتزاز، ولا طالب بـ«فدرالية» صغيرة في جنّته زغرتا، بل تصرّف مثله مثل أي حليفٍ في فريق 8 آذار، فتغيّب عن جلسات انتخاب الرئيس، معطّلاً النِّصاب على نفسه.
فرنجية سيكون جاذباً للقوى المسيحية خارج تحالف عون ــ القوات

تجاوز فرنجية المرحلة الصعبة من 2005 إلى اتفاق الدوحة في 2008. صمد في الشّمال وحيداً إلّا من حليفه الحزب السوري القومي الاجتماعي، تحت وطأة التخوين والاتهام بالتآمر على اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومع ذلك، كان دائماً يجد طريقاً إلى طرابلس، مسقط رأسه، وسرّ قوّة آل فرنجية في انفتاحهم على اللبنانيين جميعهم. وفي المرحلة العسيرة ذاتها، أطلق تيّار المردة قبيل حرب تمّوز 2006، في وجه «غولٍ» بدأ ينمو، اسمه حزب القوّات اللبنانية، مع خروج رئيسه سمير جعجع من السّجن. لكنّ فرنجية، أخذه الحياء، فلم يرد أن يُزَعِّل الوزير الراحل الياس سكاف في زحلة، ولا أن يعكر صفو رئيس التيار الوطني الحرّ في ذلك الحين، رئيس الجمهورية ميشال عون في كسروان، ولا أن يضيّق على الوزير جبران باسيل في البترون. خسر «المردة» فرصة التمدّد خارج أسوار زغرتا، لكنّ فرنجية في انتخابات 2009، استعاد موقعه النيابي في كتلة متواضعة، تمثّل امتداداً سياسياً لقوى 8 آذار في الشمال، وللموقف الذي دفع آل فرنجية ثمنه دماً غالياً، إلى جانب سوريا والمقاومة ووحدة لبنان.
لم تكن جلسة انتخاب الرئيس عون أمس، سوى محطّة جديدة في حياة فرنجية السياسية. هنّأ فرنجية عون، معتبراً انتخابه نصراً لـ«خطّنا السياسي»، الذي دعم عون وأصرّ على بقائه مرشّحاً وحيداً، ولو على حساب فرنجية.
ومع أن نتائج التصويت أمس، أكّدت إمكانية إجراء معركة جديّة في وجه عون، ليس بهدف إسقاطه، إنّما لتوسيع مروحة الاعتراض عليه، وإيصاله بالحدّ الأدنى المطلوب من الأصوات، فضّل فرنجية أن يُعفي مؤيديه من النّواب والكتل باعتماد خيار الورقة البيضاء، مثبّتاً تحالفه مع الرئيس نبيه برّي.
مرّ الانتخاب أمس، واليوم نهارٌ جديد، يحمل لفرنجية أفقاً بوصفه المرشّح الثاني بعد عون، في وجه جعجع، الطامع بدوره بولاية العهد، منذ أن أقدم على خطوة ترشيح عون. ولا يحمل فرنجية في جيبه دعم حلفائه له فقط، بل إن الحريري نفسه فتح أمامه الأفق حين قال إنه وفرنجية لا يزالان شابين. وبذلك يتفوّق فرنجية على غريمه جعجع، بقبول خصومه به والمصالحة التي عقدها بشجاعة مع جمهور تيار المستقبل، أو «الشارع السّني» في لعبة الطوائف اللبنانية، ويكفيه أن يكون معارضوه في هذا الشارع النائب خالد الضاهر، والوزير أشرف ريفي. فيما لا يملك جعجع، فرصة تقبّل خصومه له في فريق 8 آذار.
ولعلّ تحالف التّيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية، يضع على عاتق فرنجية مسؤولية أكبر، في ظلّ الظروف التي ستحوّله في المرحلة المقبلة إلى جاذبٍ للقوى المسيحية التي تغرّد خارج سرب التحالف الثنائي، من قلب كسروان إلى الأطراف اللبنانية البعيدة. لتبقى الانتخابات النيابية المقبلة، محطّةً مفصلية في تحديد وجهة توسيع حيثية فرنجية أو وأدها. ولا شكّ في أن ارتباط فرنجية ببرّي سيكون مفتاح مشاركته في حكومة الانتخابات المنتظرة أو مقاطعته لها، على أن أكثر من طرف ينوي بذل جهودٍ لعودة العلاقة بين فرنجية وعون إلى سابق عهدها، ولو أن هؤلاء لا يتفاءلون كثيراً.