حزب سمير جعجع قام بالتفاف استثنائي منذ عام تقريباً حين حل ملحم رياشي التقي الطوباويّ الورع الذي يعمل لوحدة المسيحيين محل "زوزو إبّا" الأزعر الفوضوي على شاشة الأو تي في. وبات المحرضون على القوات يستوجبون الرجم أو العزل أو "الضب". وبسرعة أقنع الأبعدين قبل المقربين أنه عراب وصول عون إلى بعبدا، ليتحول "قاتل الرؤساء" إلى صانع رؤساء عند الإعلام العونيّ. أسوة بتحول "سعد الدين الحريري" بين ليلة وضحاها إلى رمز كبير للإعتدال الوطني. ولم تقف الأمور هنا، الاحتفال العوني بانتخاب عون رئيساً تحول احتفالاً عونياً ــ قواتيا. وفي ظل تركيز المتصلين العونيين بإذاعة صوت المدى على أهمية دعم حزب الله للعونيين في صمودهم لتحقيق هذا النصر، أتت تسمية الوزير جبران باسيل للسيد حسن نصرالله فقط كشريك لهم في النصر لتوحي بنية العونيين وضع حد للقوات. لكن سرعان ما بيّن نقاش التأليف فضائح حقيقية: كيف تكون حصة تكتل التغيير والإصلاح الذي يعد أكثر من عشرين نائبا مساوية لحصة القوات اللبنانية الوزارية؟ لماذا يحق للنائب ميشال فرعون الذي لا يمثل غير نفسه بحقيبة وزارية، فيما تيار المردة الذي تضم كتلته 3 نواب مضطر إلى وساطة فلان وعلتان من أجل حقيبة وزارية؟
بالغ فرنجية في استفزاز العونيين، لكن حقيبة المردة مطلب حزب الله
كيف تسمي القوات التي تضم كتلتها ثماني نواب أربع وزراء فيما يفترض بالكتائب التي تتألف كتلتها من خمس نوب أن ترضى بوزير واحد؟ حزب العهد، هذا ما تقوله القوات اللبنانية عن نفسها هذه الأيام. وهم يقولون أيضاً إنهم حصن الدفاع الأول عن قصر بعبدا. لكن كيف سيدافعون عن الرئيس؟ عبر وزارة الشؤون الاجتماعية التي تتيح له قرع أبواب آلاف الأسر اللبنانية الفقيرة، و"شبك" علاقات مع جميع اللاجئين السوريين في لبنان والتواصل المباشر مع جميع المؤسسات الدولية التي تتدخل بشؤون هؤلاء، علماً أن القوات حزب معادٍ للدولة السورية المعنية أولاً وأخيراً باللاجئين؟ ولا تقف الأمور هنا. حزب الدعاوى القضائية اليومية ضد كل من يذكّره بماضيه يريد استلام وزارة الإعلام. يا لفرحة بيار الضاهر بهذا الخبر! يا لبؤس المجلس الوطني للإعلام الساكت عن فضيحة كهذه ونقابة الصحافة والمحررين وطبعاً قناة المنار التي تتصدى للحصار الخليجيّ ومحاولات الإلغاء. ملحم رياشي لا يمثل نفسه في موقع وزير الإعلام إنما القوات اللبنانية ومفهوم القوات للإعلام يعني دعاوى قضائية يومية للترهيب من جهة، وشتائم موقع القوات وأداء "إم تي في" من جهة أخرى. أما الفضيحة الأكبر فتتمثل بما يشاع عن إسناد وزارة الأشغال العامة بكل ما فيها من خرائط تحت الأرض وفوقها ودراسات ومقاولين ومليارات للقوات اللبنانية. علماً أن العونيين كانوا يقولون إنهم لم يتفقوا مع القوات على شيء بشأن الحصص الوزارية لكن ثبت أنهم متفقون على تقاسم الحصة المسيحية بينهما بالتساوي، وهم يقولون اليوم إنهم لم يتفقوا مع القوات على شيء بشأن المؤسسة اللبنانية للإرسال إلا أن قلق بيار الضاهر والتسريبات توحي بأن خطراً حقيقياً يحدق بآخر القنوات المسيحية المتحررة من سطوة القوات. علماً أن قيادة التيار الوطني الحر قررت فور تيقنها من حتمية وصول الجنرال إلى بعبدا أن يكون تلفزيون المر هو تلفزيون العهد. فالواضح أن الأمر لا يتعلق بقيادة المجتمع المسيحي إنما بمسايرته وخطب وده بخطابه التقليدي ووسائله. وما يشاع عن رفض عوني لإسناد أية حقيبة أساسية إلى تيار المردة مقابل الحماسة العونية لإسناد الوزارات المهمة إلى القوات اللبنانية يبين أن الأمر لم يعد يتعلق بالخيارات السياسية أولاً مع الأسف، إنما بمسايرة الشارع ودغدغة العقد المذهبية المقيتة. فالمردة أخطأوا وبالغ النائب سليمان فرنجية في استفزاز العونيين وتدمير مستقبله معهم، لكن وزارة المردة والقومي مطلب حزب الله قبل أن يكون مطلب المردة والقومي، إلا أن العونيين يقفون ــ حتى الآن ــ خلف فيتوات معراب في وجه الحزب. وهنا يمكن القول إن الأمور تدرجت من الاحتفالية الشعبية بالمصالحة المذهبية إلى التعامل مع القوات بوصفها صانعة رؤساء (مع أنها ليست كذلك لا من قريب ولا من بعيد) ثم إعطائها تمثيلاً سياسياً ووزارياً أكبر بكثير من حجمها وانتهاء بالوقوف إلى جانبها ضد حزب الله.المصالحة جرت. لكن صورة الرئيس جنباً إلى جنب رئيس الميليشيا السابق عند نهر الموت حيث أعدمت الميليشيا عشرات المواطنين العزل، مذيلة بتوقيع تاجر تبغ لا تُعدّ مفخرة للعهد. من انتظروا سنوات وصول ميشال عون إلى القصر الجمهوري وقاتلوا جنباً إلى جنب العونيين، إنما انتظروا وصول عون والعونيين لا القوات اللبنانية، ولا حتى القوات والعونيين. يمكن القوات أن تكون جزءاً من العهد، لكن حجمها وتمثيلها الشعبي والنيابي والسياسي والإقليمي لا يخولانها أن تكون شريكة رئيسية للعهد مهما كان مضمون التصريحات الجعجعية. ولا بدّ في هذا السياق من إيقاف فوريّ للنفخ العونيّ لهذا البالون وإعادتهم إلى حجمهم الحقيقيّ: حزب بشراوي يُمنَح حقيبة السياحة أو الثقافة أو الاقتصاد، مع إنعاش فوري للمجموعات المعنية بمواجهة التطبيع مع العدو الاسرائيلي.