قبل عشر سنوات كانت لهجة «سوليدير» تحاكي الغرور والتعالي، أما اليوم فقد تحوّلت إلى التلاعب بالأرقام والمناورة على الوقائع، بقصد تجميل حساباتها، ولو عبر التفريط بحقوق المساهمين والاضطرار إلى بيع الأراضي بأسعار متدنية قياساً بتوقعاتها في ميزانيتها.
يشير البيان الصادر عن «سوليدير»، أول من أمس، إلى هذا الأمر، فقد أعلنت الشركة أنها حققت أرباحاً صافية بقيمة 63.1 مليون دولار، وأنها دفعت ضريبة دخل بقيمة 18.2 مليون دولار. توصيف الشركة لهذه الضريبة أنها تأتي بعد «نتائج سلبية لعام 2015» وقد تلاها «في النصف الأول من عام 2016 انفراج ملحوظ في بيع الأراضي، حيث جرى توقيع وتحقيق 11 عقد بيع جديد بلغ مجموع مساحاتها المبنية الصافية نحو 73370 متراً مربعاً مبنياً بقيمة بيع إجمالية بلغت 218 مليون دولار».
غير أن محاولة الشركة تقديم هذه الصورة الإيجابية أو المتفائلة تبدّدت في الوقائع التي تطرق إليها البيان، إذ تضمّن الإشارة إلى «تخلّف البعض من المستثمرين والمطورين الذين وقعوا عقود بيع أراض مع الشركة في السابقة، عن تسديد أقساطهم المستحقة تعاقدياً في حينه، واضطرار الشركة إلى الموافقة على إعادة جدولة جزئية للبعض منها مع احتساب فوائد تأخير». واقتصر بيان الشركة على ذكر نتائج هذا التخلف عن السداد بالإشارة إلى «أخذ مؤونات مالية إضافية بما مجموعه 27 مليون دولار تحسباً لأي تأخير أو تخلف في تسديد سندات واستحقاقات مستقبلية من عقود أخرى... ومؤونات مالية أخرى بقيمة 17.4 مليون دولار لتغطية تكاليف ضرائبية محتملة». إنما ما لم تقله الشركة، أنّ قيمة المؤونات المتراكمة لهذه الشركة بلغت في نهاية 2016 نحو 226 مليون دولار، غالبيتها متصلة بالتخلف عن السداد، فيما قسم منها متعلق بقضايا قانونية تورّطت بها الشركة بسبب أطماعها وسياسة النكس بالاتفاقات التجارية الموقعة مع الزبائن، وهو ما حصل مع أصحاب محلات الصاغة والجوهرجية الذين فازوا بالدعوى على «سوليدير» بعدما تراجعت عن اتفاقها معهم، وهم يحاولون اليوم الحصول على تعويض قيمته 250 مليون دولار عن المحال التي اشتروها ورفضت سوليدير تسليمهم إياها.

قيمة المؤونات المتراكمة لهذه الشركة بلغت في نهاية 2016 نحو
226 مليون دولار

يقول بيان الشركة إنها «استمرّت في سياسة خفض النفقات التشغيلية التي تشمل صيانة المباني المؤجرة وإدارتَها، كذلك أيضاً المصاريف الإدارية والعمومية، بما فيها تقليص عدد العاملين ضمن مختلف الأجهزة التشغيلية والإدارية للشركة، وذلك تماشياً مع انخفاض حجم الأعمال بشكل عام وتجميد و/أو إلغاء العديد من المشاريع التطويرية الأخرى، بسبب الأوضاع العامة الصعبة والتباطؤ الاقتصادي وضعف السوق العقاري».
إذاً، الشركة قلصت أعمال التطوير وخففت المصاريف الإدارية والنفقات التشغيلية. على الأقل هذا ما يقوله البيان، لكن النتائج المدققة للشركة والمنشورة أمس تعاكس هذا القول تماماً. بحسب البيانات المالية غير الموحّدة، أي تلك التي لا تتضمن نتائج الشركات التابعة، فإنَّ المصاريف الإدارية والعمومية بلغت 31.52 مليون دولار في 2015، وارتفعت إلى 32.69 مليون دولار في 2016. أما النتائج الموحدة، أي التي تتضمن نتائج الشركات التابعة وأبرزها سوليدير إنترناشيونال، فإن المصاريف العمومية والإدارية كانت تبلغ 33.8 مليون دولار في 2015، وارتفعت إلى 34.8 مليون دولار في 2016.
زيف ادعاءات سوليدير ليس له حدود. ففيما تقوم الشركة بإعادة جدولة ديون الزبائن وتضطر إلى بيع الأراضي بأسعار متدنية لتجميل حساباتها المالية، هي تعترف بأنَّ المستثمرين والمطورين لديهم مشاكل من دون أن تدقق في عمليات البيع لزبائن غير مليئين! أليست هي الحاجة للبيع؟ لكن المشكلة ليست محصورة بهذا الأمر، فالشركة جمّدت وألغت العديد من المشاريع التطويرية. لماذا؟ السبب غير واضح، فالزبائن الذين اشتروا أراضي وهم لا يتمتعون بملاءة مالية تتيح لهم استكمال مشاريعهم، من المتوقع أن يوقفوا أعمال التطوير، لكن لماذا تقوم الشركة بالتوقف عن التطوير، فيما هو علّة وجودها الوحيدة، وهي العلّة التي استعملها السياسيون وأصحاب النفوذ السياسي لتبرير السطو على حقوق أصحاب الأملاك في وسط بيروت.
هذا البيان يمثّل النسخة الأحدث من خطاب «سوليدير» المتعالي والمتكبر. لهجة تبرير التفريط بحقوق المساهمين الذين حصلوا على أسهم بسعر 8 دولارات للسهم حالياً، مقابل أمتار من الأراضي تساوي ملايين الدولارات. أين مشروع التغيير والإصلاح من عملية السطو المتواصلة من 1994 إلى اليوم؟
التذكير بلهجة سوليدير في السنوات السابقة مفيد جداً في هذا المجال. في تقرير الإدارة عن نتائج أعمال 2006 ورد الآتي: «كان للأحداث التي شهدها لبنان اعتباراً من تموز 2006 أثر سلبي في حركة الطلب والإقبال على شراء العقارات في منطقة وسط بيروت التي شهدت منذ ذلك التاريخ تراجعاً ملحوظاً. في المقابل، يواصل العديد من المستثمرين أعمال تطوير عقارات ومشاريعهم، رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان». يومها باعت الشركة 225 ألف متر مربع بقيمة 253.3 مليون دولار، أي ما يوازي 1125 دولاراً للمتر الواحد. وفي عام 2008 بدأت موجة المضاربات الجنونية التي رفعت سعر المتر الواحد في «سوليدير» إلى 3000 دولار وسطياً بعدما أعلنت الشركة بيع 56 ألف متر مربع مبني بقيمة 168 مليون دولار. وفي عام 2009 أعلنت الشركة تحقيق أرباح بقيمة 189.2 مليون دولار وبلغت قيمة مبيعاتها 305 ملايين دولار. يومها جاء في بيانها الآتي: «تأتي هذه النتائج الإيجابية كما في العام السابق لتؤكد قدرة الشركة على الاستمرار في تحقيق أرباح بالرغم من تداعيات الأزمة المالية على الأسواق العقارية في المنطقة والعالم ككل، وانهيار عدد كبير من الشركات العقارية العملاقة في المنطقة. تميز وضع سوليدير عن غيرها في الشركات العقارية في المنطقة من حيث حجم سيولتها النقدية وانعدام المديونية وصلابة قيمة مخزونها من الأراضي والأملاك المبنية... بعكس أوضاع الشركات الأخرى التي تعاني من ضعف السيولة وارتفاع حجم ديونها وانهيار قيمة أصولها العقارية والمالية».
وفي السنوات التالية لم تغيّر سوليدير من لهجتها، بل على العكس كانت تفاخر بأدائها الذي بلغ ذروته في عام 2014 حين بلغ سعر المتر المبني 4133 دولاراً وسطياً. انحسار هذه اللهجة يأتي فيما يتساءل أصحاب الحقوق عمّا إذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون ما زال يناصر قضيتهم.




مخزون «منفوخ» ومديونية مخففة

كالعادة تدرج سوليدير فقرة كاملة عن مخزون الأراضي الذي تملكه في محاولة للتملص من صورة وضعها المالي المأزوم. تدعي الشركة أن لديها مخزوناً من الأراضي الباقية المعدة للبيع أو التطوير التي تتكوّن من 1.7 مليون متر مربع مبني في نهاية عام 2016، وتقدّر قيمتها بنحو 6 مليارات دولار. فمن المثير للسخرية أن الشركة التي تبيع سعر المتر المربع المبني بقيمة 2971 دولاراً، تدّعي أن قيمة مخزونها تصل إلى 6 مليارات دولار بمعدل 3529 دولاراً للمتر المربع المبني الواحد. الشفافية تستدعي أن يكون تقويم الشركة لأصولها موازياً لأسعار المبيعات السوقية، لا «نفخ» السعر بنسبة 19%!
إذا كان عنوان الشفافية في إدارة سوليدير أن تُنفَخ الأصول، فهل يمكن أن يثق أحد بما تقوم به في عملية إدارة الديون؟! فمن بعد مرور سنوات على الاستدانة بواسطة حسابات مكشوفة، بدأت الشركة تحوّل ديونها إلى قروض متوسطة وطويلة الأجل «انخفضت المديونية تجاه المصارف من 683 مليون دولار في عام 2015 إلى 606 ملايين دولار في نهاية عام 2016 بعد إتمام برنامج إعادة جدولة 50% من التسهيلات المصرفية من آجال قصيرة إلى آجال متوسطة وطويلة الأمد».