القوات تعتبر البترون أحد أهم معاقلها بعد بشري، باعتبارها صلة الوصل بين الشمال وجبل لبنان، إضافة إلى كونها المدينة الرقم واحد بالنسبة إلى الشباب الذين باتوا يحجّون إلى شطآنها من الشوف وبعبدا والمتن وكسروان، وهي (القوات) تبحث عن كيفية توسيع تمثيلها النيابي، من دون خسارة من تمثلهم الآن طبعاً.
تقول مصادر سياسية قريبة من القوات في المدينة إن التوتر بين معراب والنائب بطرس حرب سبق تفاهم القوات والتيار الوطني الحر لأسباب كثيرة، منها الدور السياسي الذي سعى حرب للعبه حين حاول تيار المستقبل القول إن موقف القوات من قانون الانتخاب وغيره لا يمثل جميع مسيحيي 14 آذار، وأن هناك من يوصفون بـ«تجمع المسيحيين المستقلين» الذين يتقدمهم حرب. منذ تلك الأيام، بدأ الفصل على لوائح الشطب وفي ماكينتي القوات وحرب بين المؤيدين لكل منهما بعدما كادوا يكونون جسماً واحداً، وخرج إلى العلن اسم وليد حرب بوصفه مرشح القوات المفترض في الانتخابات المقبلة. ولا شك في أن القوات طرقت في خطوتها هذه باباً محرّماً لم يسبقها إليه أحد. فطوال سنوات، لم يكن وارداً في تنورين عموماً، وعند آل حرب خصوصاً، الحديث عن مختار جديد أو حتى موظف في الإدارة العامة أو ملازم أول في الجيش أو القوى الأمنية، من دون مروره بدارة النائب حرب. طرح القوات مرشحاً للانتخابات النيابية من آل حرب سابقة لم يجرؤ عليها التيار الوطني الحر رغم حساسيته المفرطة التاريخية من حرب.
لكن سرعان ما اكتشفت معراب أنها ستكون الخاسر الرئيسي وشبه الوحيد في البترون، لأن حرب إنما يريد نفسه أولاً وأخيراً. كذلك فإن باسيل يريد نفسه أولاً وأخيراً، وهو يفضّل أن يكون المرشح الوحيد للثنائية في حال النظام الأكثري، حتى يتسنى لمؤيدي حرب أن ينتخبوه مع حرب، كما ينتخب الكتائبيون سامر سعادة وباسيل، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تبيّن أن بين المؤيدين لحرب وسعادة من يسمّون باسيل أيضاً طالما يحق لهم انتخاب مرشحَين. والاستطلاعات تشير إلى أن وضع كل من باسيل وحرب جيد أياً كان قانون الانتخاب، فيما ستخسر القوات حتماً مقعدها النيابي في حال اعتماد النسبية، وتحتاج إلى معجزة في حال اعتماد قانون الستين.
بناءً عليه، عادت القوات لتغيّر استراتيجيتها. وضعت المرشح وليد حرب على الرف لتتبنّى رسمياً، وبشكل عاجل، ترشيح فادي سعد، بالتزامن مع تراجع في حدة التعبئة القواتية ضد البيوتات السياسية ومشاركة واضحة للمقرّبين من القوات في جولات حرب على قرى البترون. ويقول أحد المطلعين إن القوات فرملت اندفاعتها لمخاصمة حرب، وعادت لتركز على كيفية تعزيز حضورها في القضاء، في ظل السباق بين العونيين وحرب والكتائب.

علاقة القوات
ساءت بكل من حرب والكتائب فيما علاقة التيار تحسّنت معهما ومع القوات

والجدير ذكره هنا أن علاقة العونيين بحرب سيئة في الشكل، لكنها أكثر من جيدة في المضمون. فبعد التزام حرب بالاتفاق على غضّ النظر عن التوظيف العونيّ في وزارة الاتصالات، رغم استفادة باسيل من هذا التوظيف، لم يتخذ العونيون أي تدبير انتقامي من خزان حرب التوظيفي في وزارة التربية. وفي الخارجية، اليوم يعيش المحسوبون على حرب مكرمين معززين، علماً بأن قريبة حرب في السفارة اللبنانية في واشنطن أولمت على شرف باسيل، وتتقدم كل الدبلوماسيين الآخرين في الحرص على إنجاح زيارات وزيرها. وبات معلوماً أن علاقة باسيل بخصوم حرب التاريخيين في تنورين سيّئة. كذلك فإن علاقته بالكتائب جيدة رغم كل تصعيد النائب سامي الجميّل إعلاميا. ويمكن القول، باختصار، إن علاقة القوات تأزّمت مع حليفيها البترونيين، فيما علاقة التيار باتت إيجابية بهما. وقد حصل العونيون على براءة ذمة من القوات في البترون، وتغيّرت نظرة الجمهور القواتيّ اليهم، لكنّ العونيين في هذه الدائرة «لم يبدّلوا تبديلاً»، وهم يواصلون الحديث عن القوات بحذر كبير. ولم تكتف القوات بالتالي بخسارة ثقة حليفيها البترونيين، بل لم تربح شيئاً في المقابل.
لذلك، كان لا بد في موازاة مراجعة الحسابات السياسية أن يتكثف اهتمام القوات بالدائرة التي فلتت من يدها. لكن رغم كل ما تقوله مصادر القوات عن اهتمام خاص بالبترون، تكفي مقارنة نشاط جهاز الشؤون الاجتماعية التابع للقوات في كل من كسروان والبترون لتبيان افتقاد القوات الدينامكية السابقة في البترون، علماً بأن حرب، وبعده باسيل، لم يتركا شيئاً للوزارات، سواء القواتية أو غيرها، ما يمكن فعله في البترون. فوزير الصحة القواتي كان قادراً على حمل مجموعة وعود لأهالي زحلة وطرابلس وعكار، لكنه مرّ بالبترون مرور الكرام. وحين أقرّ مشروع طريق القديسين، لم يفسح باسيل المجال للقوات لتهنئة البترونيين بالمشروع بعد تعامل الماكينة العونية بنجاح في تبنّي المشروع.
ولا شك في أن مزاحمة حرب وباسيل خدماتياً في البترون باتت صعبة جداً، حالها من حال مزاحمة القوات في بشري، علماً بأن القوات تركز جهدها حالياً لتحويل حفل افتتاح مركزها الجديد في كفرعبيدا، في 20 أيار المقبل، إلى عرض لعضلاتها في البترون. وهنا أيضاً لا بدّ من القول إن نفوذ التيار كان منذ البداية كبيراً في مدينة البترون، وفي ظل تفاهم باسيل الوطيد مع رئيس المجلس البلدي مرسلينو الحرك واستنفار باسيل خدماتياً وتناغم القوات والعونيين سياسياً، بات يصعب إيجاد موطئ قدم للقوات في المدينة. وفي بتغرين، أدى التوتر مع النائب بطرس حرب إلى تحصين النائب العتيق لمنطقته، وهو يقوم بعشرات الزيارات اليومية لاستعادة من هجروه. أما الوسط فينشط فيه النائب سامر سعادة. وهناك بالتالي منطقة عونية وأخرى خاصة بالنائب بطرس حرب وثالثة كتائبية، فيما يتشتّت القواتيون هنا وهناك على نحو يحول دون إبراز وزنهم الحقيقي. وفي آخر استطلاع أعدّته شركة «ستاتسكس ليبانون» التي يرأسها ربيع الهبر، حلّ باسيل أول بنسبة 48.5 في المئة، يليه حرب بنسبة 40.3 في المئة، ثم سعادة بنسبة 21.8 في المئة، فيما تشتّت الصوت القواتي بين وليد حرب بنسبة 16.3 في المئة رغم إعلان قيادة القوات أنه غير مرشح، ومرشح القوات الرسمي فادي سعد بنسبة 16.2 في المئة والنائب أنطوان زهرا الذي يقول 2.3 في المئة من المستطلعين إنهم معه رغم تأكيده شخصياً أنه غير مرشح (مجموع مؤيدي المرشحين القواتيين يصل إلى 34.8 في المئة، ما يضع القوات في المركز الثالث، بعد باسيل وحرب). من هنا، يُصبح مفهوماً سبب الإصرار القواتي على نقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، كونه الحل الوحيد لإخراج معراب من ورطتها البترونية.