جملة محطات، محورها الجيش اللبناني، سُجّلت أخيراً: زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون لواشنطن، زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لوزارة الدفاع وحضوره تنفيذ عملية عسكرية، إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله انسحاب الحزب من عدد من المراكز العسكرية عند الحدود الشرقية وتسليمها للجيش، وأخيراً التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، وإنشاء تحالف عربي لمحاربة الإرهاب وتشكيل قوة عسكرية لهذه الغاية.
في واشنطن، لم يسمع قائد الجيش، في 19 اجتماعاً مع مسؤولين أميركيين معنيين، سوى تأكيدات على دعم استقرار لبنان وضرورة تحييده عن أي تطورات إقليمية. ورغم أن معلومات لبنانية تحدثت عن «فشل» زيارة عون لواشنطن، بالمعنى السياسي، إلا أن مصدراً عسكرياً بارزاً أكد نجاحها بالمعنيين العسكري والسياسي معاً، لأن الأميركيين كانوا واضحين في دعمهم وزيادة مساعدتهم، وحرصهم على تجنيب لبنان أي انعكاسات سلبية لتوترات المنطقة. وفيما لم يضع محاورو الجيش أي خطوط حمر على علاقاته أو أدائه أو خططه العسكرية، طُرحت أسئلة عن علاقة الجيش بالقوى السياسية وعلاقته بحزب الله، وكان الجواب أن علاقة الجيش مع الحزب علاقة عادية كما هي العلاقة مع أي من القوى السياسية في لبنان. وبحسب المصدر العسكري البارز، فإن الأجوبة التي سمعها المسؤولون الأميركيون في واشنطن أحرزت انطباعات جيدة.
تسود مسحة من التفاؤل كلام المصدر العسكري البارز في شأن استقرار لبنان، ولا سيما في الأشهر المقبلة، رغم التحذيرات من صيف حار في أعقاب قمة الرياض والتهديدات الإسرائيلية. هذه المسحة دفعت الى تطمين السائلين عن إحياء المهرجانات الصيفية الكثيرة، وعن التدابير المتخذة لمواجهة أي عمليات إرهابية، رغم أن معظم الدول الكبرى لا تستطيع ضمان هذا النوع من الأمن مئة في المئة، كما حصل أمس في مانشستر في بريطانيا، وعن استبعاد أي ضربة إسرائيلية ضد حزب الله. وبحسب المصدر، فإنه «لا مصلحة لحزب الله بالقيام بأي عمل يؤدي الى حرب، ولا مصلحة لإسرائيل حالياً بشن حرب ضد حزب الله ولبنان، لأن مثل هذه الحرب ستجر عليها خسائر كبيرة، علماً بأن الأنظار تتجه الى معالجة الوضع في اليمن وسوريا، وإسرائيل تعتبر أن الحزب يُستنزف في سوريا. وكذلك فإن الأميركيين سيمنعون أي تحرك إسرائيلي ضد لبنان، لأنهم يقفون بقوة مع استقراره.

واشنطن أكدت لقائد الجيش دعم استقرار لبنان وتحييده عن أي تطورات إقليمية

ومع ذلك، فإن الجيش سيكون أول المتصدين لأي عمل عسكري إسرائيلي ضد لبنان، كما فعل عام 2006، لأن إسرائيل دولة عدوة. كما أن تطورات الحرب، إذا وقعت، ومسارها، ستحكم طريقة تصرفه. فإذا استهدف الجيش ومراكزه سيردّ حتماً، بالإمكانات المتوافرة.
بعد قمة الرياض، والكلام عن تأليف قوة عربية مشتركة، ثمة تساؤلات عسكرية عن دور لبنان، وهل يدخل في هذا التحالف. يشدد المصدر العسكري البارز على أن «لبنان ليس عضواً في هذا التحالف ولا في التحالف الدولي، لكنه يشارك في الاجتماعات التي تعقد دولياً، لأنه شريك مع أي تحالف ضد الإرهاب . فلبنان هو أول من حارب المنظمات الإرهابية، وتصدى لها الجيش منذ سنوات، ولا يزال ينفذ عمليات ضدها. لكن القرار السياسي في شأن التحالف تتخذه السلطة السياسية».
حين زار رئيس الجمهورية مقر قيادة الجيش، طُرحت تساؤلات عن مغزى الزيارة وارتباطها بانسحاب حزب الله من المواقع الحدودية وتسليمها للجيش، واحتمال أن تكون تلك الخطوة مناسبة لحماية ظهر حزب الله، في استعداده لأي مواجهة جديدة إن في لبنان أو في سوريا، وخصوصاً أن رئيس الجمهورية من موقعه في المحور السياسي الذي ينتمي إليه يشكل أيضاً غطاءً يحمل بعض التأويلات في هذه المرحلة.
للجيش تفسيرات مختلفة. فالقيادة تطلع رئيس الجمهورية في شكل دائم على العمليات النوعية التي تنوي القيام بها، وحين أطلعته على إعدادها للعملية الأخيرة، أراد المشاركة، من موقعه كقائد سابق للجيش ورئيس للجمهورية، وهو كان متفاعلاً مع هذه العملية ونتائجها. أما عن المراكز التي أخلاها حزب الله، فالجيش تسلمها كلها. لكنه، بحسب المصدر العسكري البارز، لن يبني أي مراكز له إلا حيث تدعو الحاجة، وقد كان شرطه لتسلم المنطقة التي أخليت ألا يبقى لحزب الله أي مركز فيها، وهذا ما حصل. والجيش سيحدّد المراكز التي يقيمها وفقاً لدراساته اللوجستية الخاصة، كاشفاً أن الجيش بات يتحكم حالياً بـ 375 كلم من الحدود اللبنانية مع سوريا شمالاً وشرقاً. وإذا كان الجيش قد أصبح مسيطراً على المساحة الممتدة من الطفيل الى عرسال، تبقى مشكلة الجرود والمسلحين المنتشرين فيها، وهي قيد المعالجة، إذ يحكم الجيش قبضته عسكرياً، جواً وأرضاً، على المنطقة، فإما أن يرحل المسلحون بالقوة أو بالتفاوض. وقد أسفرت توقيفات الجيش ومداهماته وضرباته الجوية والعمليات الكبيرة التي ينفذها عن تضييق الخناق لوجستياً على المسلحين، الأمر الذي يظهر جلياً في منعهم من التحرك. لكن التوقيت يلعب دوره في تحديد ساعة ينتهي فيها وجود المسلحين في شكل كامل، علماً بأن ثمة مشكلة أساسية تتمثل بالمخيم الذي يضم نحو عشرة آلاف نازح سوري، لأن الجيش يحاول جاهداً تحييد المدنيين عن تبعات أي ضربة عسكرية.