بات واضحاً أنّه إلى جانب المشاركة العسكرية والاستخبارية الأميركية مع التحالف السعودي في العدوان على اليمن، فإنّ المتابعة السياسية مقتصرة على السفير الأميركي في اليمن ماثيو تولر، المقيم في جدة، والذي يُعدُّ قليل الظهور ومقلّاً في التصريحات السياسية، وتكاد تكون لقاءاته العلنية وكذلك أنشطته محدودة.
وهذا ما أضفى على مواقفه الصحافية، الصادرة نهاية الأسبوع الماضي، أهمية كبيرة جداً، وجعلها موضع متابعة من قبل الأطراف والناشطين اليمنيين.
وفي أول مؤتمر صحافي يعقده تولر منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً ووصول الإدارة الأميركية الحالية إلى البيت الأبيض، أشار إلى ما يشبه بداية مرحلة جديدة للدور الأميركي في التعامل مع الحرب الدائرة في اليمن. وكشف أنه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سترفع واشنطن من جهودها لاستئناف الحل السياسي، مقرّاً في الوقت نفسه بأن الأطراف المشاركة في الحرب لا يمكنها أن تحسّن مكاسبها عبر استمرار الصراع. وأكد أنّ الحل السياسي يوجب على كل الأطراف أن تقدم تنازلات، مضيفاً أنه لا يمكن أن يتحقق «السلام» ما لم يكن السلاح بيد الدولة فقط، «وهذا ما على الانقلابيين أن يعلموه»، إذ «لا يمكن التوصل الى اتفاق سياسي، طالما أن أحد الأطراف يُلحُّ على إبقاء السلاح معه وليس بيد الدولة».

قبل أيام، حمل حديث
للسفير الأميركي عدداً
من المؤشرات المهمة

من المهم القول هنا إنّ حديث السفير الأميركي عن «السلاح اليمني»، أمر ليس بجديد. إلا أنّ استعادته قد تخفي إقراراً أميركياً جديداً بأن القدرات العسكرية اليمنية، ولا سيما الصاروخية منها، باتت تشكل عامل ضغط كبير على الإدارة الأميركية لما تشكله هذه القدرات من تهديد على حلفائها في هذه المنطقة الاستراتيجية، والتي توصف ممراتها الاقتصادية بأنها الأهم في العالم.
أيضاً، إنّ مجمل تصريحات السفير الأميركي تقود إلى واقع أن لا حسمَ عسكرياً في الحرب على اليمن، وهذا ما يعني إشعاراً أميركياً للتحالف «السعودي ــ الإماراتي» بأنه قاصر على تحقيق أهدافه العسكرية (برغم التمايز بين الدولتين في سقف الأهداف).
ويبدو واضحاً، أنّه بعد نحو سبعة أشهر على تسلّم إدارة ترامب دفة الحكم في واشنطن، باتت توافق الإدارة الأميركية السابقة لناحية أنّ الحرب السعودية على اليمن لم تحقق أهدافها من خلال «الحسم العسكري»، علماً بأنّ هذه الإدارة الأميركية الحالية أعطت السعودية الوقت والإمكانات اللازمة التي طلبتها، إضافة إلى أنّها تزيد من مستوى التنسيق العملياتي والميداني. جدير بالذكر، أنه كان قد سُرِّب في الأسابيع الأولى لتولي ترامب إدارة البيت الابيض، أنه «منح الحكومة السعودية مهلة عسكرية حتى أواخر العام الحالي»، في وقت أنّ إدارة باراك أوباما كانت قد وصلت قبل فترة ليست بقصيرة من رحيلها إلى أنّ المهل المطلوبة سعودياً ليست إلا «أعذاراً تسويفية لن تصل إلى الهدف»، كما كان يُقال.
من جهة أخرى، كان لافتاً في حديث تولر إشارته إلى ضرورة العمل مع طرف ثالث «محايد» بما يشمل تطويع ما أمكن من «تحالف صنعاء»، قاصداً بذلك «المؤتمر الشعبي العام» بزعامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي تجد واشنطن أنّه يمثّل رهاناً يستأهل المحاولة بغية «شق الصف».
إنّ هذه المداخلة الأميركية عبر السفير في اليمن، تدفع إلى طرح عدد من الأسئلة: هل وصلت الولايات المتحدة إلى اقتناع بضرورة وقف الحرب والبحث عن تسوية ما؟ وتالياً، هل وصلت إلى الحد الذي يدفعها باتجاه البحث عن تسوية حتى لو اضطرت إلى إحراج حلفائها؟ هذا ما قد تكشفه الأسابيع المقبلة، علماً بأنّ السفير الأميركي ختم حديثه، قائلاً: «إنّ الصراع استمر أطول مما كان يجب أن يستمر».