لم يكن النائب السابق بيار دكاش الرجل الوحيد أمس، بين نساء «المجلس النسائي اللبناني». فبخلاف العادة، احتضنت قاعة المجلس عدداً من الرجال للمشاركة في إعادة إحياء «الهيئة الوطنية الداعمة للكوتا النسائية». أبرز الرجال كان الخبير الانتخابي كمال فغالي، الذي جلس على منصة المتحدّثين ليعرض نتائج الدراسة التي أعدّها عن إمكان اعتماد الكوتا النسائية، مهما كان القانون الانتخابي الذي سيُعتمد. هو موجود إذاً، لأنه مكلّف مهمة، وقد حضر باكراً.
بقية الرجال الذين حضروا، وصلوا متأخرين. أحدهم كان مكلّفاً مهمة أيضاً، هو النائب سيرج طورسركيسيان الذي حضر بصفته ممثلاً للرئيس سعد الحريري. وانضمّ لاحقاً إلى الحضور الذكوري، النائب عبد اللطيف الزين، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي بالإضافة إلى الناشط في المجتمع المدني نادر سلوم، وعدد من الزملاء المصوّرين، الذين لم يخفوا انزعاجهم من ضيق المكان.
هذا الحضور «النوعي» للرجال، كاد يطغى على عشرات النساء المشاركات، من مناضلات نسويات، نائبات (جيلبرت زوين)، وزيرات سابقات (منى عفيش ووفاء الضيقة)، أستاذات جامعيات، محاميات، عاملات في الشأن الاجتماعي، إلخ؛ إذ أتيح لهم جميعاً أن يتكلّموا ويدلوا بدلوهم في موضوع الكوتا. وهم انقسموا إلى فئتين: الأولى مناصرة لحق المرأة (فغالي ودكاش وسلوم)، والثانية «عملية» تعلن بكل صراحة أن «لبنان ضد الكوتا» وفق طورسركيسيان الذي أحبّ أن يكون «صريحاً»، ويعلن أنه لا يرى الظرف ملائماً اليوم لإقرار الكوتا، «كذلك فإني أستصعب الحصول على 30% على الصعيد النيابي»، ناصحاً باللجوء إلى الأحزاب، وتحفيز الأخيرة مالياً لكي ترشّح النساء. النائب الزين وجد الأمر صعباً أيضاً؛ «لأن المرأة التي تترشح، تخلق عداوة مع امرأة أخرى لم تترشّح»، مقترحاً أن تتّكل المرأة على كفاءتها الشخصية لتصل، «كما هو حاصل في القضاء؛ إذ يتزايد عدد القاضيات بنحو كبير».
أسباب غريبة إذاً يستند إليها رجلان «اختارهما» الشعب اللبناني، بنسائه، ليشرّعا له القوانين، الظرف غير الملائم، وعداوة النساء. فيما كانت النساء يتحدّثن بالقانون والحق. فلبنان ملتزم أمام المجتمع الدولي تطبيق الاتفاقيات التي وقّعها، وهو الذي لم يخط أي خطوة على صعيد تطبيق اتفاقية «السيداو»، فضلاً عن عدم التزامه الدستور لجهة المساواة بين الجنسين. حتى على الصعيد التشريعي، أحيل مشروع القانون الذي يعطي المرأة كوتا بنسبة 10% فقط على أدراج لجنة الإدارة والعدل، علماً بأن طورسركيسيان أحد أعضائها، وفق ما كشفت عنه النائبة زوين.
طورسركيسيان تعرّض لانتقادات على كلمته السلبية، فانتفض قائلاً: «أنا متضامن معكن، لكنكن تبعدنني». فجاءت الإجابة لاحقاً من فغالي، معلّقاً على فكرة التحفيز المالي للأحزاب، «يجب أن تبادر الأحزاب إلى تقديم نموذج يعطي المرأة حقها من دون مقابل مالي، لا يكفي أن يحاضر قادة الأحزاب بحقوق المرأة، فليكن لكلامهم قيمة عملية ويمارسوا ما يقولونه»، فيما تولى البعلبكي الردّ على الزين بقوله: «حتى الرجال، عندما يترشحون يخلقون عداوة لهم مع رجال آخرين».
التعليقات «الغريبة» لم ترد على ألسنة الرجال وحدهم. الوزيرة عفيش بدورها، انطلاقاً من تجربتها، كان لديها ما تدلي به. «نحاربهم بأنوثتنا»، قالت. عبارتها التي جاءت رداً على مداخلتين، الأولى لرئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية ليندا مطر دعت فيها «إلى الهجوم»، والثانية لرئيسة اللجنة الأهلية د. فهمية شرف الدين التي دعت إلى «مقاطعة الانتخابات في حال عدم إقرار الكوتا»، ما أثار رد فعل غاضباً من الحاضرات اللواتي لا تقتصر مطالبهنّ على الكوتا، بل تطاول التعيينات والقوانين المجحفة إلخ. رئيسة المجلس د. أمان كبارة شعراني، أقرّت بهذا الأمر، مكتفية من جلسة الأمس بتأكيد السير في حملة الكوتا قبل الانتخابات النيابية.