بعد تظاهرة 27 شباط من جهة الجنوب، دخلت تظاهرة «إسقاط النظام الطائفي» بيروت، أمس، من جهة الشمال. تبدّل المشهد بين التظاهرتين. المئات أصبحوا ألوفاً، وزاد من زخمهم حضور كثيف من مناطق شهدت انطلاق اعتصامات مفتوحة ونصب خيم في الساحات العامة. «14 و8 عملوا البلد دكّانة»، هتف الشباب بأعلى أصواتهم. لم يجرؤ أيّ من أنصار الفريقين الذين شاركوا في التظاهرة على أن يعترض على هذا الشعار. ولم يجرؤ أيّ من الاحزاب على أن يرفع علماً أو يُظهر شارة حزبية على رأسه.
وسط شارع الجمّيزة، وعلى بعد أمتار من شركة كهرباء لبنان، تعلن شابة تحمل الميكروفون: «وصل عددنا إلى 20 ألفاً!».
إعلان استدعى موجة من الهتاف والتصفيق ترافقت مع أغنية «يا ثوار الأرض» من مكبّرات الصوت. والواقع أنّ قرابة ثمانية آلاف متظاهر شاركوا أمس، لكن، «شو الفرق بيننا وبين جماعات 14 و 8 آذار إذا أصررنا على تضخيم الأعداد، كنّا كتير حلوين وفرحانين، نهار كبير كان ورائع، والمهم نكمل بالروح الطيبة»، تقول إحدى المشاركات على موقع مجموعة من أصل 7 مجموعات لبنانية «فايسبوكية» تطرح شعار إسقاط النظام الطائفي، وتضم ما يزيد على 50 ألف مشارك.

أبونا غريغوار

وصيّة غريغوار حدّاد للمتظاهرين مختصرة: «لا حزبية، لا عنصرية، لا عنفية، غيّروا النظام بالطرق السلمية». غادر «أبونا غريغوار» صومعته في بيت السيدة في الحدث، وحضر الى الدورة ليكون على رأس المتظاهرين، وإن من داخل السيارة، مثقلاً بأعوامه الـ 87. تدمع عينا المطران عندما تسأله عن شعوره وسط تظاهرة تنادي بإسقاط النظام الطائفي، وتطالب بدولة علمانية تساوي بين جميع المواطنين. فالرجل أفنى سنوات عمره من أجل هذه القضية، من أجل أن يؤكّد أن العلمانية قيمة إنسانية، وكثيراً ما عبّر عن خوفه عليها من الذين يقصرون عن فهمها الحقيقي. يقول «المطران الأحمر» إنّ ما يقوم به الشباب «جيّد جداً، وهو على الطريق الصحيح للتغيير، لكنه ككل شيء في الحياة يحتاج الى وقت، ونحن نشجعهم ونشاركهم طموحاتهم».
كذلك حضر الى التظاهرة رجلا دين مسلمان، واحد سنّي وآخر شيعي. لا علاقة لحضورهما بمعادلة «6 و6 مكرّر» الطائفية. الشيخ علي الصياد، مدير وقف دار العلوم الإسلامية، يقول لـ«الأخبار» إنّ «علماء الدين يجب أن يكونوا أوّل الناس في رفض الظلم، وفي المطالبة بالعدالة الاجتماعية». في المقابل، يقول الشيخ زهير كنج إنه مع مطالب الشباب. يعرّف كنج عن نفسه ببيان وزّعه أنصاره، يقترح فيه 13 خطوة لإسقاط النظام الطائفي. هل تؤيّد فصل الدين عن الدولة، تسأله إحدى المشاركات؟ فيجيبها «المطلوب إسقاط النظام الذي يقيّدكم ويقتل طموحاتكم». جواب لم يشفِ غليل الكثيرين ودفعهم الى الصراخ على مسمع الشيخين «علمانية علمانية... بدنا دولة علمانية».

زنكة زنكة

لافتات كثيرة رفعت في التظاهرة تحمل توقيع isqatalnizam.org، وكُتبت عليها شعارات مطلبيّة عن «الكهرباء المقطوعة والرواتب المنهوبة». لكن معظم اللافتات كانت عفوية وشخصية: «حاطّين الطائفية متل جرس على ذنب بغل. والبغل بيضلّ يفنعص. والجرس يرن طائفي طائفيك طائفينا... طائي بكل يلّي هوّي طائفي»، تقول إحدى اللافتات. فتجيب أخرى: «انتفخنا من العز والكرامة والانتصار والحرية والسيادة والاستقلال ... بدنا ناكل». وتكرّ السبحة: «على البيت يا أمراء الطوائف، قرفت من الواسطة. يا طغاة لبنان دوركم آت لا محالة. الطائفية تضر بالصحة. خبز وعلم وحرية ... لا للطائفية السياسية. لا للفساد». ومن صُور، تقول إحدى اللافتات «باطل باطل ... الطائفية مرض قاتل». كما حملت إحدى المتظاهرات لافتة كتب عليها «لا أستطيع أن أصبح رئيسة للجمهورية لأنني مسلمة»، فيما استعار أحد المشاركين من خطاب معمر القذافي، وحمل لافتة تقول: «من زنكة الى زنكة لإسقاط النظام الطائفي»، لكنّ شاباً أكثر صراحة، قرّر الاعتراف: «أنا حمار طائفي وحابب صير مواطن لبناني». ولم تخلُ التظاهرات من مشاركة أطفال دون السنة، كذاك الذي حمله والده مع لافتة تقول: «ما حابب أكبر وشوف بلد طائفي».
ومن الهتافات التي رددها المتظاهرون: «ثورة ثورة وين ما كان... هلق (الآن) دورك يا لبنان». شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، حضر بقوة أيضاً. أما كلمة «ثورة»، فتردّدت كثيراً. «ثورة ضد العنصرية والطائفية والإقطاعية». و«ثورة مع المصرية والتونسية والبحرينية والليبية واليمنية». وهي هتافات سبق أن رُدّدت في التظاهرة الأولى التي سارت من كنيسة مار مخايل الى العدلية الأسبوع الماضي.
من الدورة مروراً بشوارع برج حمود، وصولاً الى شركة الكهرباء في مار مخايل، معظم المتفرجين على جوانب الطرقات وفي المحالّ، هم من العاملين والعاملات من جنسيات آسيوية مختلفة، تهامسوا في ما بينهم بشأن المشهد الذي يرونه على الشاشات في أكثر من بلد عربي، فإذا به يحطّ بينهم في بيروت.
هتف المتظاهرون كثيراً للناس على الشرفات. «يلّي قاعد على البلكون نزال شوف شعبك هون». بعضهم اكتفى بتصوير المشهد عبر هاتفه النقال. آخرون رفعوا شارات النصر، فيما اختار رجل ستّيني نثر الأرزّ على رؤوس المتظاهرين.
لشركة الكهرباء لبنان حصّة الأسد في التظاهرة. «نتظاهر والكهربا مقطوعة»، تقول إحدى المشاركات. أما المنشور الذي وُزِّع على المواطنين للحثّ على المشاركة، فيقول «بدّك تبطّل تدفع فاتورتين، شارك بإسقاط النظام الطائفي».
وجوه كثيرة شاركت في التظاهرة من إعلاميين وفنانين ونقابيين ومثقفين وشعراء وكتّاب، مروراً بنشطاء حقوق الإنسان وقضايا المعوّقين. أما الحزبيون، فتنوّع حضورهم من مختلف الأطياف، مروراً بتجمّعات ومجموعات شبابية وطلابية ومستقلين.
ختام التظاهرة بالنشيد الوطني اللبناني، وتلاوة بيان جاء فيه: «نحن مواطنين ومواطنات من الشعب اللبناني. نحن حركة سلمية احتجاجية، نريد إسقاط النظام الطائفي وجميع رموزه... ندعو الجميع الى التحرّك والانضمام إلينا». وأضاف البيان: «لمن يسألنا من نحن... نحن الشعب، ونسأل: لماذا نُحكَم بنظام طائفي دام أكثر من عهود كل من مبارك وبن علي والقذافي معاً، وهو نظام أكثر دمويةً وفساداً منهم جميعاً، أنتج الحروب والويلات والدمار والفساد».
أما المطالب، فحددها البيان بـ«دولة مدنية علمانية تقوم على مبدأ المساواة بين جميع الأفراد على اختلاف انتماءاتهم». كما طالب البيان بـ«قوانين الأحوال الشخصية المدنية التي تنظّم حياة الناس على أسس مدنية لا طائفية، لا فئوية ولا عنصرية، ونظام عدالة اجتماعية يحفظ حقوق العمال والعاملات والموظفين والموظفات والطلاب والطالبات والفقراء والمهمّشين».



التحرّك المقبل

من المقرر أن يجتمع عدد من النشطاء في مقرّ تيار المجتمع المدني مساء اليوم لتقرير الخطوات المقبلة. وفي ظل تزايد عدد الاعتصامات المفتوحة والخيم المنصوبة في أكثر من منطقة، يتّجه المنظّمون الى إقرار تحركات لامركزية هذا الأسبوع مع ترك بيروت لفريق 14 آذار، الذي من المقرّر أن يلتقي في ساحة الشهداء في 13 آذار، لكنّ هذا الاتجاه لم يُحسم بعد، فقد دعا البعض عبر موقع «فايسبوك» الى التظاهر في اليوم نفسه للقول إن هناك رأياً آخر في البلد، بينما اقترح بعض آخر التظاهر يوم الاثنين في 14 آذار في ساحة الشهداء. وفيما يستمر الاعتصام المفتوح أمام وزارة الداخلية في الصنائع وفي ساحة الشهداء في صيدا، يفتتح يوم غد الثلاثاء اعتصام مماثل في ساحة بحمدون في قضاء عاليه. أما في بعلبك، فنظّم أمس اعتصام بدعوة من «اللجان الشعبية الإصلاحية في بعلبك» في باحة القسيس في المدينة، احتجاجاً على الغلاء المعيشي والنظام الطائفي. وأكد المتظاهرون أن هذه الخطوة ستعقبها خطوات مستقبلية.