strong>نزار صاغيّة *يضيء هذا المقال على دور القضاء كمنبر لطرح القضايا الاجتماعية الهامة، وخصوصاً القضايا التي تعد بالغة الحساسية في النظام اللبناني، بل ربما أيضاً كمختبر من شأنه أن يوفر موارد غنية في أيّ عملية إصلاحية تغييرية. وذلك عبر عرض بعض الأحكام الصادرة في 2009
يتناول هذا المقال عيّنة مما أراه أجمل الأحكام القضائية الصادرة خلال 2009. وأبرز ميزاتها ثلاث: أولاً أنها أنصفت فئات من الناس، تعاني تهميشاً أو غبناً قانونياً أو اجتماعياً مزمنين، وأحياناً لاعتبارات راسخة في النظام اللبناني؛ ثانياً، أن غالبية القضاة الذين بادروا إليها عبروا من خلالها عن حرصهم على أداء دور ريادي في المجتمع؛ وثالثاً، وهو أمر جدّ معبر، أنها صدرت إجمالاً عن محاكم الدرجات الأولى للتنظيم القضائي، أو تصديقاً لأعمالها.
وهذه الأحكام هي الآتية:

1ــــ الحكم الآيل إلى تكريس النظام العام في حماية الطفل في حال الخطر:
هنا نلقى الحكم الصادر عن أعلى مرجع قضائي (الهيئة العامة لمحكمة التمييز، 7/7/2009) والآيل إلى تصديق التوجهات الاجتهادية لعدد من قضاة الأحداث أبرزهم فوزي خميس وجناح عبيد، وفحواها إعلان قاضي الأحداث (وتالياً القاضي المدني) اختصاصه لاتخاذ تدابير حماية لأي طفل (من كان دون 18 سنة) حتى ولو أدت إلى نتائج مخالفة للأحكام الصادرة عن محاكم شرعية أو مذهبية. وهذا ما قد يحصل مثلاً إذا قرر القاضي إبقاء الطفل في منزل والدته رغم بلوغ الطفل سناً توجب حسب المحاكم الشرعية نقل الحضانة إلى والده (فوزي خميس)، كما قد يحصل في حال إلزام أحد الوالدين بتسديد نفقة لأولاده المودعين لدى والدتهم (جناح عبيد). وقد آل هذا القرار عملياً إلى حسم الجدل وتالياً إلى رد الاعتراضات الصادرة عن المراجع الدينية في هذا الشأن على خلفية أن هذا الاجتهاد يُعدّ تطاولاً على صلاحياتها.
وبهذا المعنى، يمثّل القرار دون ريب إنجازاً قضائياً بفرض نظام عام قوامه حماية الطفل إزاء أي خطر يتهدده، وهو نظام عام تتوقف عنده جميع الأيديولوجيات والمصالح، وتالياً تطبيقاً نادراً وربما فريداً من نوعه للمادة 9 من الدستور التي أخضعت صلاحية الأهلين في تنظيم أحوالهم الشخصية وفق معتقداتهم وممارسة شعائرهم للنظام العام.
وما يزيد أهمية هذا الاجتهاد، هو أنه مبني على مفهوم «الطفل المهدد»، وهو مفهوم قابل للتوسع وفقاً لإرادة القاضي. وخير دليل على ذلك هو تفسير عبارة «تهديد لصحة الطفل» على أنها تشمل أيضاً أي تهديد لصحته النفسية (مثلاً إصابته باكتئاب نتيجة نقله من منزل أمه إلى منزل أبيه ...)، على نحو يسمح تدريجياً باستبدال معيار السنّ المعمول به في المحاكم الشرعية (نقل الطفل إلى أبيه نقلاً شبه تلقائي عند بلوغ سن معينة) بمعيار المصلحة الفضلى للطفل كلما بدا الأخذ بالمعيار الأول مسيئاً له.

2ــــ الحكم الآيل إلى إنصاف المرأة وإنضاج قضاياها بشأن حقها بمنح الجنسية لأولادها:
تكريس الدور الريادي للقاضي في تطوير مجتمعه ومواكبة حاجاته، بما يتجاوز دوره الكلاسيكي في خدمة القانون
وقد صدر هذا الحكم، وهو الأشهر إعلاميا، في 16/6/2009 عن محكمة بداية المتن (جان قزي ورنا حبقا ولميس كزما). وقد آل إلى منح الجنسية اللبنانية للأولاد القاصرين من أم لبنانية «منذ الولادة» إثر وفاة زوجها الأجنبي، أسوة بالأولاد القاصرين من أم لبنانية «بالتجنيس» في حالة مماثلة والذين ينالون الجنسية بموجب نص صريح.
وإلى النتيجة التي توصل إليها الحكم، فقد تميز في أمور ثلاثة:
الأول، توقيته، بحيث صدر في موازاة تحركات مجتمعية عدة للاعتراف بحق اللبنانية بمنح جنسيتها لأولادها، بل أيضا تبعاً لوضع مشاريع واقتراحات قوانين في هيئات حكومية ونيابية على حد سواء. وبذلك بدا الحكم وكأنه يرجع أصداء المجتمع فيعكس قبل كل شيء مستوى نضجه في هذا الشأن،
الثاني، أصول التأويل التي اعتمدها الحكم للوصول إلى هذه النتيجة. فالقاضي لم يكتف بالاستناد إلى التحليل بالقياس أو إلى الاستنتاج من باب أولى لاستخراج ما أسماه «النية المفترضة للمشرع» (ما دام هناك ضرورة أن تعامل الأم اللبنانية بالولادة وأولادها معاملة على الأقل متساوية لمعاملة الأم بالتجنيس وأولادها)، بل ذهب إلى حد استلهام المبادئ العامة وأهمها مبدأ المساواة بين اللبنانيين لهذه الغاية. وهو أمر من شأنه أن يفتح الباب واسعاً ليس فقط لمساواة الأم بالولادة بالأم بالتجنيس بل أيضاً، وتبعاً لتطور المبادئ العامة لاحقاً، إلى مساواة الأم بالأب. وهذا ما لمّح إليه الحكم في أماكن عدة،
الثالث، تكريس الدور الريادي للقاضي في تطوير مجتمعه ومواكبة حاجاته المستجدة، بما يتجاوز دوره الكلاسيكي في خدمة القانون. وهذا ما نقرأه في أماكن عدة من الحكم: فهو القاضي الذي «تسطع تساؤلات عدة في ضميره ووجدانه» فلا يكتفي بقراءة النصوص وتطبيقها دون تفكر، وهو القاضي الذي يستخدم كل ما لديه من أدوات في تفسير النصوص على النحو الأكثر تجاوباً مع هذه التساؤلات، وهو بالنتيجة القاضي «الذي يستمد سلطته من المجتمع ويحكم باسمه بغية درء ما قد يجتاح استقراره من عورات وثُغر».

3ــــ الحكم الآيل إلى حماية اللاجئين بوجه تعسف الأجهزة الأمنية:
وقد صدر هذا الحكم عن قاضية الأمور المستعجلة في زحلة سينتيا قصارجي في 11/12/2009 وآل إلى إلزام الدولة بالإفراج فوراً عن لاجئة عراقية، بعدما تبين أن الدولة ما زالت تحتجزها منذ أشهر من دون أي سند قانوني. وقد تضمن الحكم الحيثية الآتية: «حيث إن فعل الإدارة بإبقاء المدعية محجوزة في سجن زحلة للنساء، يمثّل تعدياً على حريتها الشخصية ويبرر تدخل قاضي الأمور المستعجلة لوضع حد له عبر إلزام الدولة بتركها فوراً وإطلاق سراحها».
فضلاً عن ذلك، فقد أفاض الحكم في التعليل بحيث رأى تيمّناً باجتهادات قضائية عدة (فوزي خميس، زياد مكنا، كمال نصار، يحيى غبورة، رمزي فرحات..)، أنه لا مجال لترحيل اللاجئ على أساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية وأبرزها معاهدة مناهضة التعذيب، وذلك بهدف دحض ذرائع الدولة لجهة تبرير التوقيف المتمادي بوجوب الترحيل.
وبذلك، تصدى القاضي لتعد مزمن من مديرية الأمن العام ضد اللاجئين، وهو تعد قوامه إبقاء العشرات، وأحياناً المئات، منهم قيد الاحتجاز دون أي سند قانوني بحجة أن أوضاعهم غير مسوّاة في لبنان، وأحياناً رغم صدور قرارات قضائية صريحة بعدم جواز ترحيلهم إلى بلادهم لوجود خطر على حريتهم أو حياتهم (يراجع بهذا الشأن، تقرير هيومان رايتس واتش، «شقاء هنا أو موت هناك»، 2007). وقد بدا القضاء بنتيجة ذلك حامياً للحقوق والحريات وملجأً بإمكان أضعف الناس (اللاجئ) أن يستجير به لإنصافه بوجه أقوى أجهزة الدولة، كل ذلك في ظل صمت مريع للطبقة السياسية التي بقيت للأسف في هذا المجال شاهد زور إزاء إحدى أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان. والأمل هو أن يجد هذا الحكم طريقه إلى التنفيذ وأن يمثّل حافزاً لتعديل ممارسات الدولة وعوائدها في هذا المجال.

4ــــ الحكم الآيل إلى إخراج العلاقات المثلية الرضائية بين راشدين من دائرة المعاقبةوقد صدر هذا الحكم عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان بتاريخ 3/12/2009، وذلك في سياق ملاحقة جزائية ضد شابين ادعت عليهما النيابة العامة على أساس المادة 534 عقوبات التي تجرّم «المجامعة خلافاً للطبيعة» حتى سنة حبس لوجودهما في وضع ملتبس. وقد آل الحكم إلى وقف التعقبات في وجه الشابين لأسباب عدة، بعضها واقعي إذ تبين للمحكمة عدم ثبوت الأفعال المعزوة إليهما، وبعضها قانوني ومفادها أن الأفعال المذكورة، على فرض صحتها، لا تخضع لمفهوم «المجامعة خلافاً للطبيعة». ومن هذا الجانب، عُدّ الحكم سابقة قضائية، قد تكون الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، من شأنها أن تمهد لقلب الاجتهاد السائد بشأن المادة 534 المذكورة وأن تأذن بالنتيجة بتحرير شريحة واسعة من المواطنين (المثليين) من هشاشة «الخارجين عن القانون» بسبب ميلهم الجنسي.
وإلى النتيجة التي توصل إليها الحكم، فإنه جاء لافتاً في جوانب عدة منه، أبرزها الآتية:
أولاً، أن القاضي لم يكتف بوقائع الدعوى وقد كانت كافية لتبرير قراره بوقف التعقبات، بل بدا شديد الحرص على أداء دور ريادي في تفسير مفهوم «المجامعة المخالفة للطبيعة». وربما ساغ القول بأن ضعف الإثباتات في الملف عُدّ بالنسبة إليه عاملاً محفزاً للإعلان عن اجتهاده، إنصافاً لشبان تم الادعاء عليهم وتوقيفهم دون إثبات جدي، على أساس مادة باتت في تعارض كبير مع واقع المجتمع. هذا فضلاً عن أن الإعلان عن اجتهاد مماثل في ظروف قضية مماثلة يخفف من احتمالات نقده واستئنافه.
ثانياً، أن القاضي رأى مع بدء مناقشة المادة 534 أن المشرع قد فوّضه تحديد ما هو «مخالف للطبيعة» وما هو ليس كذلك، «ما لم يحدد مفهوماً معيّناً للطبيعة أو معياراً يجري على أساسه تحديد مدى تطابق أو مخالفة الفعل للطبيعة ولقوانينها». وبذلك، حرر القاضي نفسه من مسلّمتين، الأولى أن المشرّع قصد تحديداً معاقبة العلاقات المثلية، والثانية أنه ليس بوسع القاضي الخروج عن هذه المسلّمة؛ وبات بإمكانه تالياً سبر معنى «خلافاً للطبيعة» على ضوء المنظومة القانونية والعلوم الإنسانية ككل.
ثالثاً، وبنتيجة إعلان صلاحيته تلك، استرسل القاضي في تحليل مفهوم «خلافاً للطبيعة». فعدّه بالضرورة مفهوماً قابلاً للتغيير «مرتبطاً بذهنية المجتمع وأعرافه ومدى تقبله أنماطاً طبيعية جديدة غير مألوفة منه أو غير مقبولة». وقد توصل إلى هذه النتيجة بعدما رأى أن ثمة استحالة في تفسيره على نحو مخالف أي في إعطائه معنى كونياً أو أنتولوجياً. «فالإنسان لم يستطع بعد فهم قوانين الطبيعة بجوانبها كلها ولا يزال حتى اليوم يسعى لاكتشاف الطبيعة وطبيعته حتى» وأنه على فرض التعرف إلى قوانين الطبيعة، فإن مجمل سلوكيات الإنسان تبقى رغم ذلك طبيعية «تماماً كما يحصل إذا أمطرت السماء صيفاً أو موجة حرارة حصلت شتاءً أو أن شجرة أثمرت بغير ثمارها المعتادة عند الناس». وقد حرر القاضي بذلك نفسه من الأيديولوجيات أو الأنتولوجيا أو أي قاعدة كونية، ليتناول المسألة من زاوية رقيب اجتماعي يتعين عليه أن يصنف الأفعال المعروضة عليه على هذا الأساس.
وبذلك، رشح الحكم عن دور ريادي وحس إنساني عميق في تفسير النص، في اتجاه إخراج المسألة من عالم المسلّمات والآراء المسبقة للتعامل معها كقضية اجتماعية بامتياز، قابلة للتغيير على ضوء تغير المجتمع ومصلحته.

5ــــ القراران الإعداديان الآيلان إلى تكريس حق المعرفة لذوي المفقودين:
وقد صدر هذان القراران الإعداديان عن قاضية الأمور المستعجلة في بيروت زلفا الحسن تبعاً لدعويين تقدمت بهما لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وجمعية دعم المعتقلين والمنفيين في لبنان (سوليد)، الأولى في وجه مطرانية بيروت للروم الأرثوذوكس بشأن مدافن مار متر، والثانية في وجه جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية بشأن مدافن الشهداء في حرج بيروت للمطالبة بمعاينة المدافن وتسييج الأماكن التي قد تظهر فيها مقبرة جماعية حفظاً لحق ذوي المفقودين بالمعرفة. وقد استندت الجمعيتان بوجه خاص إلى التقرير الرسمي الصادر عن «لجنة التحقيق المكلفة بالاستقصاء عن مصير المفقودين والمخطوفين» المرفوع لرئاسة مجلس الوزراء (2000) الذي أشار صراحة إلى وجود مقابر جماعية في هذه المدافن. وقد أصدر القاضي تباعاً في 23/10/2009 و26/11/2009 قرارين بتكليف كاتب المحكمة بالانتقال إلى رئاسة مجلس الوزراء للاستحصال على مستندات عدة، أبرزها التقرير الطبي الصادر عن لجنة الأطباء الشرعيين آنذاك (2000).
وبمعزل عما ستؤول إليه هاتان الدعويان، فقد بيّن القاضي عبر قراريه جدية فائقة في التعاطي مع ملف ذوي المفقودين واستعداداً لقبولها عند الاقتضاء على ضوء التقارير الطبية. وقد عُدّ بذلك القراران اعترافاً قانونياً، هو الأول من نوعه، بحق ذوي المفقودين بالمعرفة، وهو حق حديث النشأة في الخطاب العام الدولي، وتحديداً بحقهم بتحديد أماكن المقابر الجماعية وحراستها تمهيداً لنبشها. وهذا ما عبرت عنه جمعيات وطنية ودولية في بيانات عدة، آملة أن تكون أعمال القضاء رافعة في اتجاه حل قضايا المفقودين.

6ــــ الحكم الآيل إلى حبس لبنانية بسبب تعرضها لخادمتها الفيليبينية:
من شأن الاعتراف بالحقوق الطبيعية للإنسان أن يحجب أحكام القانون الوضعي المناقضة لتلك الحقوق
وقد صدر هذا الحكم عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون في 9/12/2009، وقد قضى بحبس امرأة لبنانية خمسة عشر يوما لضربها خادمتها الفيليبينية وبإلزامها بتسديدها عشرة ملايين وثمانمئة ألف ليرة لبنانية تعويضاً للمعاناة التي تعرّضت لها من «جراء القسوة والضرب المبرح والحط من كرامتها الإنسانية وتعرضها للآلام الجسدية وللذل». وهو بذلك أعاد بعض التوازن إلى العلاقة بين أصحاب العمل وخادمات البيوت.
وفضلاً عن ذلك، فقد تميز القاضي في هذه القضية بدور فاعل في إثبات الوقائع، بحيث استعان بمراجع علمية لنقض الخلاصات التي توصلت إليها تقارير الأطباء الشرعيين.
وكأنما القاضي يطرح تساؤلاً ملحاً لمن يتابع قضايا خادمات البيوت: أي تنظيمات للحد من تعسف أصحاب العمل اللبنانيين بحق خادمات البيوت؟ أو أيضاً ألم يحن الأوان لإجراء تحقيق وطني لكيفية التعامل مع قضايا مقتل الخادمات، انتحاراً أو «هرباً من النافذة»؟

7ــــ الحكم الآيل إلى إيلاء مفهوم الحق الطبيعي والمبادئ العامة للقانون مفعولاً حاجباً للقوانين:
وقد صدر هذا الحكم عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت يحيى غبورة في 10/9/2009 في معرض النظر في الادعاء العام المقدم ضد لاجئ عراقي بجرم الدخول خلسة إلى لبنان. وبمعزل عما آل إليه الحكم، فقد تضمن حيثية فائقة الأهمية نصت حرفياً على الآتي: «وحيث إن المبادئ العامة، وأهمها الحق الطبيعي باللجوء، والمستمد من الحق المقدس للإنسان في عدم الاستسلام للموت أو الخطر وحقه في العيش والسلامة، تنحو في الاتجاه عينه (أي حق الإنسان بالاستفادة من ملجأ في دولة أخرى غير دولته إذا كانت حياته عرضة للخطر أو كان معرضاً للتعذيب)، وهذه المحكمة لا ترى مانعاً من أن يحجب المبدأ القانوني العام تطبيق النص الجزائي..».
فماذا تعني هذه الحيثية؟ إنها تعني ببساطة أمرين: الأول إقرار القاضي بوجود «حقوق طبيعية» أي حقوق ملازمة للإنسان كما هو حق عدم الاستسلام للموت أو الخطر والحق في العيش والسلامة يعلنها القاضي دونما حاجة لنص وضعي صريح، والثاني أن من شأن هذه الحقوق الطبيعية، التي تمثّل مبادئ عامة، أن تحجب أحكام القانون الوضعي المناقضة لها. وبذلك يكون القاضي قد أخذ موقفاً واضحاً بشأن هذا «التجاذب الأبدي» حسب تعبير أرسطو بين الحق الطبيعي والقانون الوضعي، فاتحاً بذلك الباب واسعاً أمام القضاء لعقلنة القوانين وتحقيق الانسجام في ما بينها وتغليب الحقوق الطبيعية للإنسان والمبادئ العامة على الأيديولوجيات والمصالح التي غالباً ما تحكم.
* محام ٍ وباحث في القانون