تأخّرت زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم لموسكو نحو شهر كامل، بسبب انشغالات نظيره الروسي سيرغي لافروف. وتؤكد مصادر دبلوماسية أن إقرار الزيارة يوم 9 نيسان الجاري، جعلها تتزامن مع إثارة سوريا لموضوع اشتراطها عدم تطبيق البند الثاني من خطة النقاط الست للمبعوث الأممي ــ العربي كوفي أنان، إلا بعد حصول دمشق على ضمانات خطية بالتزام وقف العنف من المسلحين المعارضين و«الدول العربية التي تساندها». وتفيد المعلومات بأن المسؤولين الروس لم يكونوا متحمسين لفكرة طرح سوريا هذا الشرط، لكن المعلم شرح دواعيها للافروف. وقال له إنه «من جهة أولى، تفترض سوريا أنه كي يكون وقف النار ناجحاً، يجب أن يحصل ذلك بالتزامن مع وصول المراقبين الدوليين، بحيث يضمن انتشارهم عدم حصول فراغ بعد انكفاء القوات الحكومية». ثم نبّه محاوره إلى أن سحب الجيش من المراكز السكنية هو عملية لوجستية لا تتسم بنفس المرونة التي تتم بها عملية سحب مجموعات ميليشاوية. وتابع المعلم «أنتم تعرفون ذلك من خلال خبرتكم في الشيشان، ونحن أيضاً كانت لنا خبرة سيئة حينما جاء المراقبون العرب الى سوريا، إذ استغلّ المسلحون فرصة وصولهم وأطلقوا النار على الجيش». ووفق المصادر، أصرّ المعلم على أن «يطلب أنان من السعوديين والقطريين وقف إمداد المعارضة بالمال والسلاح، ولينسّق معكم (أي مع روسيا) بهذا الخصوص». هنا طمأنه لافروف إلى أن أنان ينسّق معه شخصياً قبل أن يُقدم على أي خطوة، ونصحه بضرورة أن تعلن دمشق رسمياً سحب الآليات العسكرية، والالتزام بوقف العنف وإطلاق الحوار.
غير أنّ رئيس الدبلوماسية السورية عاد ليجادل لافروف وليدعوه إلى ملاحظة أن أنان يحصر اهتمامه بتطبيق البند الثاني من خطته ذات النقاط الست، فيما يتجاهل البنود الأخرى. ودعاه أيضاً ليلاحظ أنه حتى الآن، لا يوجد أي اتصال لأنان بالمعارضة السورية، قبل أن يكشف لافروف للمعلم أنّه بخلال اتصال له مع المبعوث الأممي ــ العربي، كشف له الأخير أنه حصل على التزامات من المعارضة. عندها، أجابه المعلم حرفياً بأن «دمشق تفضّل أن تسمع بذلك رسمياً من أنان».
ويلخّص مصدر دبلوماسي نتائج محادثات المعلم ــ لافروف على النحو التالي: أولاً، مصادفة موعد الزيارة مع طرح بدء مهلة أنان لوقف النار صباح العاشر من نيسان، وانسحاب الجيش من المدن والأحياء الساخنة في 12 من الشهر الجاري، وهو ما جعل المفاوضات تتركز في شقها الأبرز على معالجة تبايُن برز في الرؤية بين الطرفين بخصوص ما إذا كان يجب على دمشق أن تطبِّق وقف النار من طرف واحد، ومن دون الحصول على التزامات من المعارضة والدول التي تدعمها بوقف مماثل، وخصوصاً أنه سبق لأنان أن وعد بالحصول على هذه الضمانات في خطته. أما لافروف، فرغم أنه أبدى تفهمه لوجهة نظر دمشق المطالِبة بضمانات، إلا أنه شدد على أن «سوريا هي الطرف الأقوى، بالتالي لا مخاطر حقيقية إن أوقفت القتال بشكل أحادي». وخلص إلى أن «وقف النار بلا ضمانات من المعارضة والدول المؤيدة لها، أمر سيئ، ولكن لا يمكن الاستمرار في القتال، لأن ذلك أسوأ».
ثانياً، في نهاية المحادثة، اقتنع المعلم بطرح لافروف بخصوص أنه يجب عدم عرقلة تنفيذ بند وقف النار، رغم الملاحظات عليه، وذلك «لتفويت الفرصة على أعداء سوريا الذين يرغبون برؤية انهيار مساعي أنان في مهدها». وبالفعل، صدر عن وزارة الدفاع السورية، بعد ساعات، عشية صباح 12 نيسان، موعد بدء وقف اطلاق النار، بيان أكد أن الجيش «سيوقف مهامه العسكرية صباح الخميس»، مع التحذير من أنه سيكون مستعداً «لمواجهة أي اعتداء من المجموعات المسلحة». ثالثاً، فور انتهاء الزيارة الروسية، اتصل لافروف بأنان، وطالبه بضرورة إيجاد حلٍّ متوازن لقضية الالتزام بوقف النار، يشمل الأطراف الأخرى (أي المعارضة والدول الداعمة لها). وبحسب معلومات دبلوماسية، فإن تسوية تمّ إنتاجها لهذه القضية، وبموجبها تعهّد أنان بأن يقوم بإطلاع الحكومة السورية على نتائج اتصالاته مع هذه الاطراف (المعارضة والدول الداعمة لها)، وذلك على شكل تقارير يرفعها لها، من دون ضمانات خطية. ولكن هذه المصادر تلاحظ أن كلام أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني، الذي رأى فيه أن الشعب السوري «ليس بحاجة للجهد السياسي، بل للسلاح»، يصبّ في خانة إظهار أن الدوحة تعتبر نفسها خارج تعهد أنان لدمشق، أو أنها تحاول تخريب مفاعيله لجهة اعتبار أنه يمثل حلاً وسطاً لقضية مطالبة دمشق بضمانات لوقف العنف من «الأطراف الأخرى».
رابعاً، في محصلة لقاء لافروف ــ المعلم، تمّ التوافق على استراتيجيا عمل للمرحلة المقبلة بين الطرفين، تقوم على مواقف تشكّل ثوابت مشتركة، وتتوزع من خلالها مهام عملية متكاملة على الشكل التالي:
ــ من جهة روسيا، أبلغ لافروف المعلّم أنه رغم تفهُّمه للإشكاليات غير المسبوقة بخصوص مهمة المراقبين الدوليين، إلا أنّ موسكو ستعمل بقوة على إنجاح هذه الخطوة، وستشجع الأطراف على الاتفاق سريعاً على وصولهم الى سوريا، كي يصل منهم في البداية ٤٠ مراقباً، على أن يكون ممكناً الاستعانة بقوات حفظ سلام في المنطقة (الإنتسو واليونيفيل)، ثم تصل أعداد إضافية بعد اكتمال الإجراءات لوصول العدد الاجمالي البالغ ٣٣٠ مراقباً وفق تصور الأمم المتحدة.
وتفيد المعلومات بأن لافروف، في نطاق حرص بلاده على إنجاح انتشار المراقبين، أبلغ أنان موافقته على طلبه السابق بوضع موسكو مروحيات روسية بتصرف فريق المراقبين، ليتمكنوا من التنقُّل في مختلف المحافظات السورية. أضِف إلى ذلك التزام لافروف بتشجيع موسكو كافة الأطراف على الانتهاء من وضع البروتوكول الذي ينظّم عملية انتشار المراقبين الدوليين لوقف النار، وعلاقتهم بالسلطات السورية، وذلك على خلفية تفهُّم القيادة الروسية لوجهة نظر دمشق مثلما طرحها المعلم خلال لقائه لافروف. وتفيد وجهة النظر تلك بأنه «كان يفترض إتمام انتشار المراقبين قبل بدء وقف النار»، لكن موسكو، رغم تفهمها لهذه الملاحظة، شجعت سوريا على المضي بتنفيذ وقف النار في ١٢ نيسان، على أن تقوم هي من جهتها بوضع ثقلها للإسراع بإتمام الاتفاق على وضع البروتوكول ذي الصلة. وتؤكد معلومات دبلوماسية متقاطعة من الأمم المتحدة وموسكو ودمشق، إنه تجري حالياً مفاوضات في جنيف لإتمام هذا الأمر.
ــ من الطرف السوري، ستلتزم دمشق بتطبيق خطة أنان، تحديداً بسحب الوحدات العسكرية من المدن والمواقع السكنية في هذه المرحلة بحسب نصّ الفقرة الثانية من خطة النقاط الست. وسيأتي تنفيذ هذا البند «رغم تضحيات الجيش السوري، ضمن مفهوم سحب الذرائع من أعداء سوريا».
ــ في مقابل «كرم» دمشق بموضوع إبداء «حسن النية» للمجتمع الدولي ولكل دوله، فإن روسيا ستثابر على مساءلة أنان بخصوص المدى الذي وصلت إليه اتصالاته مع المعارضة السورية، كما أنها ستتابع دبلوماسياً جدية أنان والأمانة العامة للأمم المتحدة بخصوص تنفيذ ما طُلب بالنسبة لتشكيل آلية إشراف ورقابة دولية فعالة ومحايدة وشفافة لرصد جميع الأطراف المشمولة بوقف العنف، على أن تقوم موسكو بفضح أي خلل تلحظه على هذا الصعيد، وخصوصاً أن السلطات الروسية مستاءة من واقع أنها لا تلاحظ وجود مقترحات من قبل أنان بخصوص إنشاء «الآلية الفعالة والمحايدة».
إضافة إلى ذلك، اتفقت موسكو ودمشق على «الاهتمام» بفكرة أن تستضيف روسيا ورشة حوارات لأطياف المعارضة السورية، على أن تتم متابعتها في دمشق لإنتاج «التسوية الوطنية التاريخية للأزمة السورية».