«رشاش الكلاشنيكوف لن يُسقط النظام، نحتاج إلى صواريخ». عبارة أطلقها قيادي في المعارضة السورية المسلّحة قبل أسابيع في حديث مع «الأخبار». الكلام حينها كشف عن يقين لدى مقاتلي المعارضة باستحالة إسقاط النظام في سوريا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي في حوزتهم. فالخسائر التي يتكبّدها هؤلاء لم تعد تُحتمل، ومعاقلهم المحاصرة تُعطي الغلبة للجيش السوري الذي يتفوّق عليهم عتاداً وعدة. أما السلاح الذي يحملونه فلن يكون ذا تأثير إلا في المواجهات المباشرة، وهي مواجهات لا تكاد تُذكر في «الحرب» الدائرة في سوريا حالياً. انطلاقاً من ذلك، بدأ البحث عن «سلاح نوعي» يُحدث فرقاً، لا بل بدأ البحث في تغيير استراتيجية القتال بأكملها.
ويؤكد ذلك ما يتناقله قادة ميدانيون لبنانيون وسوريون في الشمال اللبناني وتجّار عن تحوّل الطلب في سوق السلاح عن الخفيف باتجاه المتوسط والثقيل.
هذا التصريح تقاطع مع ضبط الجيش اللبناني الأسبوع الماضي سفينة محمّلة بالسلاح داخل المياه الإقليمية مقابل شواطئ لبنان الشمالية. الشحنة التي ضُبطت وقُدّرت قيمتها بـ«60 مليون دولار» ، أثارت تساؤلات عدة، سواء لجهة طبيعة الأسلحة المضبوطة أو لجهة التكهّن برقم الشحنة وما إذا كانت الأولى أو العاشرة.
قيادي إسلامي ناشط في نقل السلاح إلى سوريا أكّد لـ«الأخبار» أن الشحنة التي ضُبطت كانت في طريقها إلى حمص في سوريا. وتحدث عن «خرق» للاستخبارات اللبنانية والسورية سمح باستقدام الشحنة، مشيراً إلى أنها كانت مُرسلة عبر وسيط لبناني، من دون أن يحدّد مصدر الشحنة المضبوطة.
وفي السياق نفسه، قالت مصادر موثوق بها في المعارضة السورية المسلّحة لـ«الأخبار» إن المجموعات المقاتلة تمكنت قبل ضبط الشحنة الأخيرة من نقل ثلاث شحنات من الصواريخ عبر لبنان. وكشفت عن أن من بين الأسلحة التي تمكّنت من إدخالها الى الأراضي السورية صواريخ «ستينغر» (صاروخ أرض ــــ جو يحمل على الكتف، ويوجه بالأشعة تحت الحمراء ويصل مداه إلى ما بين خمسة وثمانية كيلومترات)، باعتبار أنه يحقق تأمين ما يُشبه نظام الدفاع الجوي ضد الطائرات المحلّقة على علو منخفض وضد الطائرات المروحية. وتتقاطع هذه المعلومات مع ما سبق أن أعلنه مسؤول عسكري في المجلس الوطني الانتقالي الليبي عن فقدان خمسة آلاف صاروخ مضاد للطائرات من مخازن السلاح الليبية، علماً أن ليبيا، بعد انهيار نظام معمّر القذافي، باتت سوقاً ناشطة لبيع السلاح والصواريخ.
المصادر نفسها كشفت أن الشحنة التي ضُبطت في لبنان وقُدّر ثمنها بـ60 مليون دولار بحسب ما تردّد، لا تبلغ هذه القيمة المضخّمة. حالها كحال الشحنات الثلاث السابقة التي تم استلامها بالطريقة نفسها. وأكدت انه تم دفع ثمن الأسلحة مسبقاً، نافية ما أشارت اليه مصادر سورية عن أن كون الشحنة عبارة عن «هبة». لكنها لم تنف وجود مستغلّين لـ«الثورة» ممن قد يحصلون على الأسلحة من بعض الدول مجاناً ثم يبيعونها لـ«المعارضة السورية». وإذ لم تؤكد المصادر أن نقطة التسليم المقررة كانت مرفأ طرابلس، تحدثت عن نقطة غير محددة على طول الشاطئ الشمالي في عكار،
وأكد أحد القادة الميدانيين في «المعارضة السورية المسلّحة» لـ«الأخبار» أن القرار اتُّخذ بتزويد المعارضة صواريخ متطورة مضادة للدروع عبر كل الطرق والمنافذ الممكنة. واشارت الى انه باتت في حوزة المسلحين قذائف «كوبرا» مضادة للدروع وصواريخ أرض ــــ جو من طراز «سام 7». وعن كيفية وصول هذه الأسلحة، قال إن السلاح يتدفق عبر الممرات الحدودية. وأوضح: «على سبيل المثال، تدخل شحنات السلاح عبر الحدود من تركيا بغطاء دولي ومن هناك يُنقل إلى إدلب»، كاشفاً عن وجود اتفاق ضمني بين «المجلس الوطني السوري» المعارض وتركيا يسمح بنقل الأسلحة تحت أعين الاستخبارات التركية. كما يلفت إلى أن سلاحاً يصل أيضاً عبر الأردن، ما يعيد إلى الذاكرة ما نشرته وكالة «أسوشييتد برس» قبل فترة نقلاً عن دبلوماسي عربي لم تذكر اسمه أشار الى وصول شحنات أسلحة من السعودية إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية. وذكر القيادي نفسه أن شحنات من الأسلحة تدخل أيضاً من العراق عبر منطقة البوكمال، مشيراً إلى أن أسعار الأسلحة الخفيفة في السوق العراقية أرخص إذ تصل الى نصف الثمن الذي تباع فيه في السوق اللبنانية.
استقدام «المعارضة السورية المسلحة» أسلحة «كاسرة للتوازن» ترافق مع تحوّل في استقدام المقاتلين الأجانب عبر البحث عن النوعية بدل الكمّية. وتُرجم ذلك ببدء انسحاب عدد كبير من المقاتلين اللبنانيين والعرب الذين كانوا قد قصدوا سوريا للمشاركة في القتال، ممن لا يملك القسم الأكبر منهم خبرة قتالية جدية. وفي مقابل ذلك، وصل الى سوريا عدد من خبراء المتفجرات ذوي الميول الإسلامية المتشددة، وكان من بينهم اللبناني عبد الغني جوهر الذي أُعلن مقتله في 20 من الشهر الماضي، نتيجة خطأ أثناء تجهيزه لعبوة ناسفة. وفي الإطار نفسه، بدأت بعض المجموعات المقاتلة التركيز على استراتيجية السيارات المفخخة و«العمليات الاستشهادية» ضد مراكز عسكرية وامنية، وربما مدنية حكومية في سوريا. وكشفت المصادر نفسها أن «أحد منفّذي التفجيرات الاستشهادية الأخيرة كان ليبيّاً». وعلمت «الأخبار» من مصادر إسلامية أن نحو خمسة أشخاص يمتلكون خبرة واسعة في إعداد المتفجرات غادروا أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى سوريا. وقالت المصادر نفسها إن البحث جار عن مزيد من الخبراء الذين قد يرغبون بالالتحاق. يُذكر أن نحو عشرة مقاتلين لبنانيين قُتلوا أثناء المواجهات في سوريا (تتحفظ «الأخبار» عن نشر أسمائهم)، كان آخرهم خالد ع. الذي أُدخلت جثته قبل أيام إلى لبنان ودُفن سرّاً في بلدة عرسال في البقاع الشمالي.
من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن هناك محاولات لتنظيم المجموعات السورية المسلحة عبر إنشاء «مجلس عسكري موحّد». ولهذه الغاية، يتفاوض «الجيش السوري الحر» مع مختلف الكتائب المقاتلة لضمها إلى المجلس المذكور بغرض التنسيق. وكشفت المصادر نفسها أن قيادة «الجيش الحر» أعطت المقاتلين الحرية الكاملة في التصرف في أرض المعركة، متعهدة عدم التدخل ميدانياً، واكتفت بقبول التنسيق معها على مستوى القيادة لتشكيل كتلة واحدة وتنظيم الصفوف.



تشكيكٌ أمني في موت جوهر

قُتل عبد الغني جوهر أم لم يُقتل؟ حقيقة حياته أو موته لا تزال لُغزاً. في العشرين من الشهر الماضي سرى همس حول مقتل «عبقري المتفجرات»، لكنه لم يلبث أن تحوّل إلى ضجيجٍ إعلامي، ولا سيما أن المذكور يُعدّ المطلوب الأول للاستخبارات الأمنية اللبنانية والسورية. ترافق ذلك مع حيرة أمنية حيال حقيقة موت الرجل. مصادر المعارضة السورية التي نفت خبر مقتل جوهر في البداية، ثم عادت لتؤكده، جزمت بحصوله، موضحة أنه قتل إثر ارتكابه خطأً قاتلاً أثناء تفخيخ سيارة نتج منه انفجار عبوة أودت بحياته وحياة شخص آخر كان برفقته. حسم مقتل جوهر جوبه بتشكيك أمني لبناني في الرواية. استند المسؤولون الأمنيون إلى عوامل عدة؛ بداية كانت الصورة التي نُشرت في ورقة نعيه، هي الصورة نفسها التي وزّعها فرع المعلومات منذ ثلاث سنوات، علماً بأن «الجهاديين» عادة يحتفظون بأرشيف صُور تُنشر تباعاً بعد مقتل «المجاهد»، لا سيما تلك الحديثة بينها. أضف إلى ذلك، فإن مخبري الأجهزة الأمنية في مخيم عين الحلوة أكّدوا أنه لم تُقم أي مراسم لتقبّل التعازي بـ«استشهاد » جوهر. تقابل ذلك فرضية تشير إلى أن إعلان مقتله ليس سوى ستار لسحب اسمه من التداول الأمني.