مسلخ الرملة
تقترن أخبار الأسرى المرضى، عادةً، بمستشفى سجن الرملة «سيّئ الذكر». يقع المستشفى داخل السجن، ويعدّ قسماً من أقسامه، ويحوي ثماني غرف، يقبع فيها 15 أسيراً بشكل دائم، هم أصحاب الأمراض المزمنة، فيما يتردّد العشرات من الأسرى على «الرملة» لأيام وأسابيع لتلقّي العلاج، الذي يكاد ينحصر ببعض أنواع المسكّنات. يُضاف إلى ما تَقدّم أن المرضى في المستشفى يعامَلون معاملة الأسرى، من دون أيّ مراعاة لحالتهم الصحّية، إذ يتعرّضون للقمع والتنكيل والتفتيش ومصادرة الأغراض والعقوبات المستمرّة، وحتى حرمانهم من الدواء في بعض الأحيان، إلى حدّ دفَع ببعض الذين عاشوا داخله إلى تسميته «مسلخ الرملة». وبحسب شهادة عائلة الأسير المريض، خالد الشاويش، فإن الأسرى في «الرملة» يهربون من الألم من خلال ساعات النوم الطويلة. تقول زوجة الشاويش، في حديث إلى «الأخبار»: «منذ سنوات، لم يطرأ أيّ تحسّن على صحّة أيّ من الأسرى الذين يقيمون في الرملة، أغلبهم مقعَدون على كراسٍ متحرّكة، ويعيشون على المسكّنات والمنوّمات (...) بيئة المستشفى غير نظيفة، والعاملون من طاقم طبّي وأطبّاء، أسوأ من السجّانين أنفسهم».
وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة نتيجة الإهمال الطبّي المتعمّد حتى هذا اليوم إلى 74
«عربة الموت»
يسمّي أبو حسنين، الرعاية الطبّية التي تقدّمها مصلحة إدارة السجون للأسرى، بـ«الرعاية القاتلة». ويوضح الأسير المحرَّر الذي واكب عشرات الحالات المرَضية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «رحلة النقل من السجن إلى المستشفى هي رحلة عذاب. أَذكر أن أحد زملائي الأسرى اضطرّ إلى إجراء عملية بواسير، وطبعاً أُجريت له العملية وهو مقيّد القدمين واليدين بالسرير، وبعدما انتهت، أجبرَ على الوقوف على قدمَيه مباشرة للانتقال من مستشفى السجن إلى السجن الذي يقيم فيه». وللطريق من المستشفى إلى السجن حكاية أخرى، يلخّصها أبو حسنين بالقول: «يَجري نقْل الأسرى المرضى الخارجين لتوّهم من عمليات جراحية، عبر "البوسطة" أو ما نسمّيه "عربة الموت"، وهي باص حديدي أزيلت كلّ أجزائه، ولم يبقَ فيه إلّا الحديد، وقُسّم إلى عدّة زنازين، وخلال نقل الأسرى يتفنّن سائق البوسطة في تغيير سرعته وضرب الفرامل المفاجئة والوقوع في الحفر، ليزيد من عذاب المرضى الذين يجلسون على الحديد».
تلك الإجراءات تجعل من تحمّل أعباء المرض وأهواله، أقلّ وطأة من الانتقال للعلاج في أيّ سجن خارجي أو في «الرملة»، إذ يعود الأسرى من السجن عادةً بأوجاع وآلام أكثر من تلك التي ذهبوا بها. كذلك، تُماطل مصلحة إدارة السجون في تقديم العلاج، وفق ما يؤكد أبو حسنين، قائلاً: «عايشتُ هذه الحالة مع الأسير ميسرة أبو حمدية عام 2013، حيث ماطلت قوات الاحتلال خمسة أشهر في بدء علاجه، على رغم أن العلاج هو ظاهري بروتوكولي، إذ يرسَل المريض إلى المستشفى ليُكتب في التقارير أنهم يقومون بالمتابعة، ومن ثمّ يقدّمونها إلى المحامين والمؤسّسات الدولية (...) لا يوجد أسير عولج منذ عام 1967. جميع أسرى الأمراض المزمنة ماتوا شهداء متأثّرين بمرضهم داخل السجن أو خارجه». جدير بالذكر أن عدد شهداء الحركة الأسيرة نتيجة الإهمال الطبّي المتعمّد، وصل حتى هذا اليوم إلى 74، يشكّلون ما نسبته 35%من إجمالي الشهداء الأسرى الذين يبلغ عددهم 227.