الغلاف
كانت تراجيديا اغتيال غسّان كنفاني (1936 ـــ 1972) بمثابة لطمة ثلاثيّة الأوجه للفلسطينيين: فهم خسروا، مبكراً، قائداً بارزاً في العمل الثوريّ الممنهج لتحرير فلسطين، الأرض والإنسان، وعقلاً سياسياً ملهماً في التنظير للهوية الفلسطينية المستهدفة أبداً بالإلغاء والمهددة بالتلاشي، وأيضاً، موهبة أدبيّة رفيعة كان يمكن لها أن تسطع كما شكسبير فلسطينياً. لا نعرف، وقد لن نعرف، لأي من هذه الأدوار قرّر الموساد الإسرائيلي أن يستهدفه، لكن من هم مثل غسّان لا يموتون من الشيخوخة المفرطة في دوحة ما على الخليج، ولا تكتمل علاقتهم المعقدة بالخلود سوى برحيل مفاجئ ومؤلم وصادم. على أننا اليوم، عندما نقرأ كتاباته في الرواية والقصة القصيرة، ندرك كم كان خيال هذا الفدائيّ المدجّج بقلمه، خطراً على المشروع الصهيوني، ونقضاً تاماً لكل ما يمثله. لقد استعاد كنفاني لشعبه من فوضى الحرب، وصحراء المنافي، وعبثيّة الحياة-الموت، هويّةً مكتملة الأركان للفلسطيني المعاصر، تبهت أمامها كل هويات ساكني الشرق الأخرى التي ابتدعتها وزارة المستعمرات البريطانية سواء لقبائل العرب التائهة أو لقطعان اليهود المستجلبين.