إثر فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف والعنصري بانتخابات الكنيست الإسرائيلي، وتشكيل حكومة ائتلافية أشد فاشية من الكنيست، سرعان ما انهمرت اقتراحات القوانين العنصرية بحق الأسرى الفلسطينيين القابعين ظلماً في سجون الاحتلال، فصادقت الهيئة العامة للكنيست، نهائياً، بالقراءتين الثانية والثالثة، الأربعاء 15 شباط، على مشروع قانون تقدّمت به كتل الائتلاف والمعارضة الإسرائيلية، لسحب المواطنة أو الإقامة وإبعاد كل أسير فلسطيني يحصل على مساعدات مالية من السلطة الفلسطينية، بتأييد 94 نائباً ومعارضة 10 نواب.تجدر الإشارة إلى أن تعريف الإرهاب المشار إليه في القانون يعود إلى قانون الكنيست الإسرائيلي عام 2016، بموجب القانون الجنائي الإسرائيلي وفق المواد الآتية: 97، 98، 99، ويمتلك وزير الداخلية صلاحية إلغاء المواطنة أو الإقامة خلال سبعة أيام من تقديم الطلب، وعلى المحكمة الإسرائيلية أن توافق خلال 30 يوماً من قرار وزير الداخلية، وبعدها ينقل الأسير الفلسطيني إلى مناطق السلطة الفلسطينية المشار إليها بـ«أ» و«ب»، ليكون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 وسكان القدس المحتلة هم المتضررون من هذا القانون، في حين لم يتضح إن كان سيطبق بأثر رجعي.
ومع اختلاف فقهاء القانون في تعريف «المواطنة»، إلا أنهم يجمعون على مفهومها التقليدي، المشتق من كلمة «الوطن» الدالة على انتماء الإنسان إلى إقليم جغرافي محدد، والتمتع بمجموعة من الحقوق، وتحمّل جملة من الواجبات، فترتبط المواطنة بمجموعة من القيم والمشاعر والانتماءات التي تجسّد المساواة، التعددية، وتستبعد الفوارق الناشئة عن الدين، العرق، اللون، القومية...، كما أن المواطنة هي الضمانة الوحيدة للأفراد لعدم حرمانهم من أي حق من الحقوق المدنية والسياسية، فهي التي تكون النظام السياسي، بما يتماشى مع حق المساواة والعدالة.
ولمّا كانت إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري، وتقوم على أساس التهويد، والتطهير العرقي، والتهجير القسري... فمن الطبيعي أن تمارس هذه الجريمة المخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ إن الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقب عليها، تشير في مادتها الثانية إلى أن حرمان أي فرد من جنسيته أو حقه في التنقل والإقامة هو أحد أركان الفصل العنصري (الأبارتهايد)، والتي هي جريمة جنائية ضد الإنسانية وليست مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، وتدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، كما أن حق الإقامة والتنقل والجنسية هو من الحقوق الأساسية المشار إليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية المتعلقة به.
الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، تشير في مادتها الثانية إلى أن حرمان أيّ فرد من جنسيته أو حقه في التنقل والإقامة هو أحد أركان الأبارتهايد


يعتبر هذا القانون بمثابة تهجير قسري جديد، وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني، تحت ذريعة «الإرهاب»، كأداة لتفريغ مدينة القدس المحتلة من سكانها الأصليين، وتغيير معالمها الديموغرافية لمصلحة التهويد والتوسع في المستوطنات لضمّها لاحقاً، وتمهيداً لتكريس سياسة الأمر الواقع للاحتلال الإسرائيلي في القدس، والسيطرة على المسجد الأقصى، وذلك باتهام الأسرى الفلسطينيين الذين يقاومون باللحم الحي وبأمعائهم الخاوية سياسة إسرائيل الفاشية بـ«الإرهاب»، وهو ما يعرف بالمقاومة التي شرّعتها القوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية، التي تضمن للشعوب الكفاح والنضال بكلّ الوسائل للتخلص من النظام العنصري والاستعماري. ويعطي القانون الجديد (الذي لطالما كان ممارساً بأشكال مختلفة) ذريعةً قانونية للمستوطنين الذين يرتكبون جرائم الحرب والقتل والتدمير بحق الفلسطينيين من دون حسيب أو رقيب، في ظل دعم الحكومة الإسرائيلية لهم، عبر تسليحهم ومنحهم الرخص القانونية لها، تحت ذريعة الدفاع عن النفس.
يخالف هذا القانون بشكل واضح اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بأسرى الحرب، والتي نصّت صراحة على العقوبات التأديبية للأسرى، والتي لا يحق اتخاذ أيّ عقوبات إضافية لا تنص عليها الاتفاقية. وعليه، فإن هذا القانون يستوجب وقفة دولية حازمة، كي لا يتم ارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين، وبالتالي من المفروض العمل على أن يتعاطى المجتمع الدولي مع إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري، إضافة إلى كونها دولة إحلالية تقوم على نظام استعماري استيطاني.

* مستشار قانوني في المحكمة الجنائية الدولية



مقترحات قوانين بالجملة
مرّ هذا القانون العنصري بلا أصوات دولية معارضة، فكان اليوم التالي 16 شباط، فتقدمت مجموعة من النواب بسلسلة اقتراحات لقوانين، استشرس فيها المتطرفون في الكنيست، النائبتان الإسرائيليتان ميخال وولديغر من كتلة «عوتسما يهوديت»، وشيران هسكيل من كتلة «المعسكر الرسمي» المعارضة، قدمتا مقترحي قانون متطابقين ومنفصلين، يمنعان تلقي الأسير علاجات تساهم في جودة حياته، مثل العلاجات البلاستيكية والتجميلية، وحصوله على أدوية ليست مشمولة في سلة الأدوية الإسرائيلية الرسمية المدعومة. كما قدمت النائبة أوريت ستروك، ومعها مجموعة من نواب كتلتها «الصهيونية الدينية»، مقترح قانون يمنع الأسرى في السجون الإسرائيلية (سجناء أمنيون، بحسب تعبير القانون) من مشاهدة قنوات تلفزيونية، باستثناء قنوات سلطة البث الإسرائيلية.
وقدمت ستروك ومجموعة من النواب من كتلتها، مشروع قانون يقضي بأن طلبات أي أسير من سلطة السجون يتم تقديمها بشكل فردي ومباشر، وليس من خلال ممثل للأسرى وناطق بلسانهم.
وبالعودة إلى النائبة شيران هسكيل من كتلة «المعسكر الرسمي»، فقد اقترحت أيضاً قانوناً تفصيلياً بهدف تضييق الخناق أكثر على الأسرى في السجون، ويشمل الاقتراح عدة بنود، منها أن لا يتم وضع الأسرى في الغرف بناء على الانتماء الفصائلي، كذلك لا يتم وضع الأسير في الغرفة ذاتها التي فيها أحد أبناء عائلته. أيضاً لا يبقى الأسير في الغرفة ذاتها لأكثر من 4 أشهر، ويحق لمفوض سلطة السجون تمديد الفترة، لكن لا تكون الفترة الإجمالية أكثر من 6 أشهر، كذلك يمنع تحويل أموال لحساب الأسير من السلطة الفلسطينية، وعلى جهاز المخابرات إبلاغ سلطة السجون عن الأسرى الذين خرقوا هذا البند. كما لا يحق للأسير تلقي مبلغ أكثر من 800 شيكل (228 دولاراً) شهرياً لحسابه فقط، من أحد أبناء عائلته، من الدرجة الأولى. وفي حال تمرير الاقتراح، فإنه سيحظر على الأسير البالغ أن يتقدم لامتحانات التوجيهي، إن كان حسب المنهاج الإسرائيلي، أو منهاج السلطة الفلسطينية. ويشمل الحظر الدراسات الأكاديمية، بينما الأسير القاصر يحق له التقدم لامتحانات التوجيهي حسب المنهاج الإسرائيلي أو منهاج السلطة الفلسطينية فقط. ويصل الاقتراح إلى الزيارات، إذ تقتصر الزيارة على مرة واحدة كل شهرين كحد أقصى، على أن تستمر 30 دقيقة فقط، ويحظر خلالها نقل الأغراض أو المواد الغذائية باستثناء وثائق يتم نقلها بموجب الأنظمة من خلال سلطة السجون.