بات التعاطي مع الأزمات في المخيمات بمثابة أمر واقع لا يمكن تغييره، نظراً إلى مقارنتها بالأزمات خارج المخيم في الجانب اللبناني، وبات اللاجئ يشعر بالتسليم عندما يقول إن أزمته مشتركة مع اللبنانيين أصحاب البلد. فمحمد (اسم مستعار) يعاني من مرض السرطان الذي يتطلب علاجاً كيميائياً غير متوفر في المؤسسات الطبية في المخيمات، الأمر الذي دفعه للتوقف عن تلقي العلاج، وترك جسده لمصيره المحتوم، معزّياً نفسه أن ما يعانيه يعاني منه البلد بأكمله. فيشير إلى أن شراء الدواء من خارج المخيم، يكلف دولارات كثيرة غير متوفرة، ولا تغطي منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» سوى جزء بسيط، فيضطر المريض إلى طلب المساعدات من الجمعيات المحلية إن وُجدت، أو عدم تناوله في معظم الأحيان.
واقع سيّئ...
بجزء من التوصيف الواقعي، تشترك المخيمات مع أزمات القطاع الصحي اللبناني، لكن ما يزيد الطين بلّة هو خصوصية المخيمات وأوضاعها الداخلية، إذ تعاني من اكتظاظ سكاني كبير، يؤدي إلى ارتفاع الإصابة بالأوبئة والأمراض المعدية، عدا أحوال شبكات مياه الشرب والظروف المعيشية الصعبة، ما يؤثر على تأجيل تلقي العلاج عند الكثير من اللاجئين، وفي بعض الأحيان عدم تلقيه نهائياً. إضافة إلى تقليص «الأونروا» لدورها في القطاعات كافة وأهمها القطاع الصحي، مع العلم أن قدرتها كانت محدودة سابقاً، إذ كانت تقدم خدماتها في العيادات والمستوصفات، وتدفع نسبة معينة من الاستشفاء للاجئين في المستشفيات.
يدقّ الدكتور أحمد عبد الحليم ناقوس الخطر في القطاع الصحي في المخيمات. عبد الحليم أتى إلى لبنان على رأس وفد طبي من الضفة الغربية بدعم من «الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي»، وهي الزيارة الثانية للوفد إلى المخيمات اللبنانية. يعتبر عبد الحليم، في حديث مع «الأخبار» أن المرضى يعانون أكثر من معاناة المستشفيات في المخيمات، إذ يضطر المريض إلى استجداء تكاليف الخدمة الطبية من الجمعيات الخيرية لتغطي باقي النسبة من التكاليف التي لا تغطيها وكالة «الأونروا».
«مأساة المريض الفلسطيني» بتغطية تكاليف الخدمات الطبية ليست الأزمة الوحيدة في هذا القطاع، إذ يشير عبد الحليم إلى أن الطبيب الفلسطيني في طريقه إلى «الانقراض» مع تطور الأزمة، فالخرّيج الجديد من الطب لا يأتي للعمل في مستشفيات المخيم فأصبح الطاقم الطبي «عجوزاً» في طريقه إلى التقاعد. ويضيف إلى ذلك نقص التخصصات في المستشفيات، ففي بعض المستشفيات هناك طبيب تخدير واحد على مدار الساعة، لا يمكنه أخذ إجازات. وتحتدّ الأزمة مع نقص الفحوصات وبعض الصور الشعاعية كصورة rim الضرورية.
تكتمل أركان الأزمة مع بروز أزمة الدواء والحصول عليه


أجرى الوفد في لبنان 66 عملية وأكثر من نحو 270 معاينة، تضمّنت عمليات زراعة مفاصل عظام، وعمليات بالمنظار للعظام، وعمليات جراحة الشرايين والأوعية الدموية وجراحة الأطفال، وهذه العمليات، ليس من الممكن إجراؤها في مستشفيات المخيمات.
استكمل الفريق الطبي القادم من رام الله برنامجه بإجراء العديد من التدريبات للكادر الطبي في مستشفى الشهيد محمود الهمشري، كتدريب الطواقم الطبية على بعض العمليات الجراحية، وعلى خدمة الإسعاف والطوارئ، إضافة إلى تدريبات خاصة لأطباء التخدير، ولا سيما أن بعض مستشفيات المخيمات غير مؤهلة لإجراء عملية تخدير للأطفال دون الثلاث سنوات.

أزمة دواء... أيضاً
تكتمل أركان الأزمة مع بروز أزمة الدواء والحصول عليه، ويؤكد مسؤول مركز أمان الطبي في مخيم برج البراجنة، ثائر دبدوب، أن هناك نقصاً كبيراً في بعض الأدوية، ولا يُسمح بتأمينها من مصادر أخرى، وهو ما يشكّل خطراً مباشراً على حياة المرضى، ويهدد بمضاعفات لتلك الحالات التي لا تُعالج في الوقت اللازم. وفي جولة بين صيدليات المخيم، تتوفر الأدوية المصنّعة في سوريا، كبديل للعديد من الأدوية، لكنها تباع بلا رقابة، وتوصف باجتهاد الصيدلي.
ومع ارتفاع تكاليف تشغيل الكهرباء في المخيمات، فلم تعد المشكلة فقط في الأدوية، بل بالتكلفة الباهظة التي تترتب على المراكز الصحية، حتى تستمر بتقديم خدماتها على أكمل وجه. يقول دبدوب: «الكهرباء كأزمة باتت محلولة لكنها غير متوفرة في متناول الجميع لغلاء سعرها».

مأساة مستمرّة
المأساة مستمرة حتى الآن، وهذا ما يؤكده تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان «شاهد» الصادر في العام الماضي بعنوان «دراسة الواقع الصحي في المخيمات الفلسطينية -بطاقات صحية»، إذ لخّص الصعوبات التي تواجهها المستشفيات في المخيم بـ«نقص في التجهيزات والمعدات الطبية، وغرف العناية الفائقة، والحاجة إلى زيادة رواتب الطواقم الطبية، وحاجة المستشفيات إلى آلات ومعدات دقيقة، تمكنها من إجراء عمليات متقدمة، كعملية القلب المفتوح وعمليات الرأس وغيرها». ويشير التقرير إلى مشكلة تأمين مادة المازوت المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية التي تُعتبر حاجة أساسية لتشغيل المستشفيات. أمّا مدير مستشفى حيفا، الدكتور خالد مهاوش، فيضيف في حديثه إلى «الأخبار» أن «أزمة المستشفى تكمن في البناء الذي يُعد غير صالح للترميم، بالإضافة إلى الاكتظاظ السكاني الكبير الملاصق للمستشفى، ما يجعل دخول حالات الطوارئ إليه صعباً»، مع العلم أن مهاوش لا يرى «أزمات كبيرة تضرب القطاع الصحي في المخيم، إذ يعتبر أنه شبيه بالقطاع الصحي لدى الجانب اللبناني».
المدير العام للهلال الأحمر في لبنان، الدكتور محمد حمود، يقول، بدوره، لـ«الأخبار» عن أزمة الأطباء في المخيم إنه «إضافة إلى أجورهم والأزمات المالية، فإنهم يعانون من القانون اللبناني الذي يمنعهم من ممارسة مهنتهم بشكل قانوني خارج المخيم، ما يجعلهم محدودين، أو ربما يضطرون لترك البلد بشكل كامل».
إنّ التقديمات الصحية في المخيمات، تجعل اللاجئ بين أزمتين، إمّا القبول بالمستوى المتدني من العلاجات المتوفرة مع دفع جزء من التكاليف، أو انتظار مصيره المحتوم من الموت في حال كانت علاجاته غير متوفرة.