لم تكتف الجهود الصهيونية الاجتياحية والسرية بهزيمة الفدائيين والمقاومة عسكرياً وإخراجهم من بيروت عقب حصار عام 1982، فكان لا بد من ترسيخ تعميم الخلافات والانشقاق الداخلي والتشتيت وسحق الهوية الثقافية لترسيخ الهزيمة.أحد معاول تحطيم معنى وشكل الهوية الفلسطينية، وقيم ثورة التحرر هو تقزيم الرموز والهيكلية، وتزييف فحوى وعمق الثقافة والأدب والفن وشتى جوانب الإبداع وسطوعها، باعتبار أن ذلك هو المُعبّر الإيجابي عن عمق وأصالة الرسوخ الوطني. فأول ذلك اجتهد منشقّو الثمانينيات المستكمِلون لتفكيك البنية الفلسطينية الوحدوية والثقافية لتفتيت وتسخيف معنى الهوية الثقافية، ذلك استكمال لإضعاف سمات بؤرة مقولة الشعب الراقية، وتفتيت منظمة التحرير وجواهر المقاومة واستبعاد قيم الثقافة ومبدعيها لإتمام نواحي قواعدية رُسوخ الهزيمة والتفتيت.
منذ لحظة بدايات الوعي الهُويَّاتي تأسّس اتحاد الكتاب والصحافيين، متزامناً مع اللحظات الأولى لابتكار شكل نخبة استثنائية يتقلدها ويرعاها أحمد الشقيري والمنظمة، التي أنجبت أطر النخبة وحقيقتها التي منعت سقوط أو تلاشي الملمح التاريخي والهوية. ولهذا انتبهت النخب إلى ضرورة تشكيل كتل نقابية عدة، مثل تجمع المرأة والطلبة والأطباء والكتاب والصحافيين...،
تجلّى ذلك إعلانياً في عام 1966 داخل فلسطين، تزامناً مع صعود صوت الثورة والبندقية، وتمركز الاتحاد في قلب فلسطين، لكنه تم احتلالها عام 1967 وتدمير مراكز البنى النقابية في القدس العاصمة.
انعقد، بعد تخبط متتالٍ لسنوات، المؤتمر الفعلي الأول 1972 الذي حمل في تركيبته ترسيخ خطيئة مزج الكتاب والصحافيين في إطار واحد، على الرغم من القيمة الأدبية والفكرية والوطنية العالية للقائمين على ذلك، إلا أن حشر الاختراق النفعي لفصائل المقاومة حيّد ماكينة دعم رموز وحرية الإبداع الثقافي والأدبي، فتم ذلك عبر خلق هيمنة الفصائل وحشر من لا علاقة لهم بالأدب والصحافة بين كبار المبدعين، ما أفسد تركيبة الاتحاد البنيوية بسبب التلقائية الفردية لارتقاء أعضائه الأساسيين عامة. وحُشر في جنباته بعضٌ ممن لا يمتّون للكتابة والصحافة بِصلة وذلك بسبب هيمنة العضوية الفصائلية، على الرغم من أن الجسم الأساسي البارز يكتنز شخصيات أدبية وإعلامية ذات إمكانات وسمات مبدعة وثورية.
على الرغم من ذلك، فإنّ منظمة التحرير منحت للنقابات دعماً مهماً إطارياً وحدوياً ودعماً مالياً حتى انخرطت كبرى الشخصيات في اتحاد الكتاب والصحافيين، وأسّس ذلك عميقاً لرغبة الارتقاء الشهير، فالعامل الأول حشد الشعر والأدب في التشكيلة، والثاني أصرّ على التفتيش والبحث في المناطق المحتلة عامي 1948 و1967 وبلدان اللجوء، فأنجز البذرة التواصلية التي تحجبها بعض الأنظمة تنفيذاً للرغبة الصهيونية بفصل الداخل عن الخارج، إلا أن غسان كنفاني أصدر تعريفه الشهير بأدباء الداخل، فأفشل تلقائياً الخطة الصهيونية للفصل بين جغرافيات تواجد الفلسطينيين!
مرّت سنوات السبعينيات بفرادة قيمية وصورة فكرية وأدبية راقية، حيث صار الاتحاد واحدةً من أهم النقابات الفكرية والثقافية الإبداعية عربياً وعالمياً، وحظي باحترام استثنائي نظراً إلى استقراء العالم لفخامة وارتقاء شخصياته الأدبية المبدعة ونتاجاتها، وهو ما أربك الدوائر الصهيونية التي فشلت وما زالت في منافسة الأدب الفلسطيني ورموزه، حتى إنها فشلت في التضييق على مبدعي الثورة والقضية، فاغتالت البعض وضيّقت على الآخرين، فلا الموت أنهى حضور المبدعين ولا الملاحقة والاعتقال داخل فلسطين وخارجها أديا إلى التقهقر المطلوب!
عقب اجتياح لبنان وترحيل النخب من بيروت تم استكمال المحاولة، فشُقت منظمة التحرير، وهوجمت الثقافة الشعبية والنخبوية وتركيبتها واستُهدفت وجرت محاولات تهجير المبدعين وإبعادهم جغرافياً وإعلامياً، فكان لا بد من تحقيق شق الاتحاد وهيمنة المنشقين فصائلياً على بعض التجمعات الأدبية والنقابية بحسب الجغرافيا كرد أساسي على القلق من صيغة وحدة الكتاب والإعلاميين.
العديد من الشخصيات النقية انجرَّت للشق ببراءة، ومن خلال تمسكها بالقيم الثورية، ولم تدرك بأن هذا الأمر يسعى لتدمير البنية الإبداعية والثقافية والهوياتية، وتشتيت تماسك أهم وأخطر نقابة ترأّستها نخبة من المبدعين، وهو ما يُستخلص ببساطة من خلال مراجعة أسمائهم كرؤوس للاتحاد...
كان استهداف بنية وشخصيات الاتحاد مترافقاً مع شق البنية الوطنية عقب هزيمة الثورة في لبنان، ومحاولات استكمال وأدها عبر التفكيك الذي يحتمي بشعارات خطابية، حتى ترهّلت مع الزمن فصار واضحاً أن الشخصيات الدخيلة بلا مؤهلات تهيمن وتخرب في التركيبة الداخلية وتعمل على منع أيّ محاولة للوحدة أو التطور ولا تزال متكدّسة للحفاظ على وجود من هم لا يمتون للإبداع بصلة ويستلون خطابات وشعارات سطحية للاستمرار في وأد البنية المنافسة الراقية. فانكشف الأمر منذ وفاة بعض رموز النخبة بدءاً بحشد وتنسيب أعضاء لا علاقة لهم بالكتابة والإعلام مطلقاً وهو ما دمّر صورة وسويّة الاتحاد.
عقب الإدراك، جرت لقاءات وترتيبات مهمة بين الداخل والخارج، وتم تعطيلها من قبل الدخلاء والمترهلين والقفز فوق معاني الوحدة الوطنية والنقابية، حتى إن المواثيق الوطنية والاتحادية التي وقّعتها شخصيات مهمة بين الداخل والخارج كانت قوى التفتيت الفصائلية والسياسية تخرب خيوط التكامل للاستمرار في إضعاف وتسخيف بنية ومستوى الاتحاد، حتى إن من هم غير أدباء أو إعلاميين ما زالوا يحاولون الحفاظ على الانقسام وتقزيم الاتحاد حتى اللحظة، وثمة قوى خفية تموّل هؤلاء المخربين.
يحاول اليوم الكُتاب الحقيقيون والشخصيات الوطنية والمبدعة ومنجزو القيم الجمالية والإبداعية إعادة ترتيب العضوية واستعادة صورة احترام الاتحاد وفصل الكُتاب عن الصحافيين مهنياً، وتوحيد كتلة جغرافية الوطن مع الشتات، في حين يشعر من هم غير جديرين بالعضوية بتراجع وجودهم لهذا يستلُّون بعض الخطابات المزيفة ومهاجمة كل من هو داخل جغرافيا فلسطين التاريخية. كما أن هناك في الداخل من يحاول حشد ذات الجهد للإبقاء على التشرذم للسبب ذاته، وهو إبقاء من لا ينتمون إلى الاختصاص والإنجاز الأدبي والإعلامي مهيمنين. وعلى الرغم من ذلك، فإن المبدعين والكُتاب الحقيقيين على اختلافات توجهاتهم النظرية والفكرية والوطنية والإسلامية، واتفاقهم على الهاجس الوطني ومواثيق الشرف، واستيعابهم لما هو خلف سطر التعبير المختلف، هم متفقون. الأمر الذي توصّل أخيراً إلى تحديد موعد لعقد المؤتمرات الفرعية بدءاً من فرع سوريا في دمشق يوم 10/9/2023 لفصل الكُتاب عن الصحافيين في اتحادين، وعقد الانتخابات الديموقراطية، ثم عقد مؤتمر الصحافيين، وبعدها تصحيح فرع لبنان ثم في مواقع جغرافية أخرى حتى الوصول إلى صورة الاتحاد الحقيقية مهنياً والمحترمة عالمياً. وهناك بعض الشخصيات الركيكة الدخيلة الانشقاقية التي تستفيد من نقود سرية ورشاوى بعض القوى المتخفّية المعطّلة للوحدة، والتي تسعى للتخريب عبر شعارات سطحية ركيكة وباهتة.