النازحون يحلمون بالعودة إلى مخيمهم، إلى «عين الحلوة»، إلى زواريبهم الضيقة، وجدرانهم التي كُتبت عليها مفردات «العودة إلى فلسطين»، «حق العودة»، «فلسطين لنا». يحلمون بالعودة إلى المخيم، بعد أن كان حلمهم وانتظارهم للعودة إلى بلادهم فلسطين. لكن كل شيء تغيّر، بعد الرصاص والقذائف التي خرقت الجدران ودمّرت بعض البيوت، وهجّرت العديد من العائلات.التقيت أكثر من عائلة من المخيم، بعض أفرادها لم يفضّلوا التعريف بأنفسهم للصحافة. عائلة مهجّرة من «حي حطين» الذي شهد معارك طاحنة، ذكرت أن منزلها المؤلّف من خمس طبقات، دُمّر منه طابقان، وبقية الطوابق لحقتها أضرار كبيرة، فضلاً عن أنه تمّ الاستيلاء عليه من بعض الجماعات المتطرفة، وهنا تسأل هذه العائلة: «كيف بناموا على تخت مش الن». وصلتها مشاهد من أقارب لها في المخيم، وثّقوا لها دمار منزلها، وبعد ذلك طُلب منها الخروج فوراً من الحي. تقطن هذه العائلة اليوم عند أقارب لها، من دون تقديم أي مساعدة لا في الترميم ولا في غيره، بسبب الاستيلاء على منزلها.
(علي حشيشو)

عائلة أخرى من الحي ذاته مسيطر على منزلها، لكن هذه المرة من «الأمن الوطني»، قال أفراد العائلة إن «منزلهم مدمّر»، وهم يسكنون اليوم في منزل استأجروه في ضواحي صيدا.
توجّهت في تجوالي على العائلات إلى مسجد الموصلّي. هناك عائلات تفرش الأرض، ومعظمها من حيَّي التعمير والطوارئ. غالبيتها من التابعية السورية، شاء قدر أفرادها أن ينزحوا مرة أخرى، يقول أحدهم وقد تضرّر منزله وأصبح بلا مأوى، إن «المساعدات تأتي من الجمعيات الأهلية، ومن بعض الأثرياء في مدينة صيدا، يؤمّنون المأكل والمشرب للعائلات النازحة». وبينما كنت أحادث الناس، رأيت من يقومون بالتنظيف ويخرجون الفُرش لتشميسها، وعن الطبابة قال لي أحد المتطوعين في المكان إن «الصليب الأحمر اللبناني يقوم بحملة روتينية لتفقّد الحالات الصحية».
انتقلت إلى مدرسة نابلس التابعة لـ«الأونروا»، لأعرف ظروف الناس هناك عن قرب، لكنني مُنعت من الحديث مع أي شخص فيها، أو حتى مع الجمعية التي تدير العمل الإغاثي. تمكّنت من الحديت مع مديرة المركز، وهي موظّفة من «الأونروا»، قالت لي إنه قرار من مدير المنطقة، فهو المعنيّ بأي بيان. لكنني عرفت بعدها أن مَن يدير المركز جمعية تساعد ما يقارب 80 عائلة، وتقدّم كل مستلزمات النظافة، وتؤمّن المأكل، وتنسّق مع جهات مختلفة لتلبية الاحتياجات، و«الأونروا» فقط لديها عيادة طبية ثابتة في المدرسة وتقدّم الدعم النفسي.

المبادرات الفردية
هناك عمل على مستوى المؤسسات والجمعيات واضح. وهناك أيضاً مبادرات فردية. التقيت بلال مرعي، وهو صاحب مبادرة الإحصاء لمسح احتياجات النازحين من المخيم عبر تعبئة استمارة، سجّل لنحو 1541 عائلة. تمحورت دراسته حول سؤالين (أين هم؟ وما هي احتياجاتهم؟) النتيجة كان أكثرهم لدى عائلات مستضيفة لهم، ومن ثم وجودهم في مدرسة نابلس ومركز سبلين التابعين للوكالة، وفي مسجد الموصلّي. أمّا الاحتياجات، بحسب بلال، فهي نقص في الفرش، لأن العائلات المستضيفة ليس باستطاعتها تأمين «فرشات» لأفراد عديدين فجأة دخلوا المنزل.
مروى، سيدة فلسطينية، لبنانية الجنسية، متزوّجة من لبناني، عادت إلى لبنان من الاغتراب منذ 4 أعوام... عملها في المجال الإنساني جعلها مصدر ثقة وأمان لكل من يريد تقديم يد العون، تقول إنها «تجمع في شهر رمضان مبالغ مالية من أفراد وعائلات لبنانية وفلسطينية لتوزيعها، وحتى خلال ما تشهده مدينة صيدا من وضع اقتصادي سيّئ»، واليوم، وخلال ما يمر به مخيم عين الحلوة، عمّمت حملتها. تؤكد مروى أن «المتبرع لا يشترط لمَن يذهب تبرّعه، لأن العمل الإنساني لا يجب أن يتطرق إلى الطائفة والجنسية، فقط اشترطت بعض العائلات أن يتحول إلى كل عائلة نازحة مبلغ تشتري به ما تحتاج إليه». وتضيف أنه من اللافت أن «هناك أشخاصاً تواصلوا معي، وسارعوا في التبرع قبل أن أتواصل أنا معهم. وكل متبرع يقدّم بحسب قدرته». تمكّنت مروى من الوصول إلى 150 عائلة مقسّمة على عدة مناطق (الڤيلات - الهمشري - الفوار - دلاعة - اياعة - جدرا)، كان هذا التوزيع بعد الاستناد إلى مبادرة-دراسة بلال. وتم التنسيق وتشكيل فريق من الشباب كي يتوزعوا على المناطق. تؤكد مروى أن مبادرتها مستمرة طالما أن هناك أياديَ بيضاء تقف مع الإنسان.
ستنتهي المهلة المعطاة لتسليم المطلوبين في نهاية الشهر الجاري، وبعدها إمّا «الاستقرار» النسبي، وإمّا العودة إلى إحصاء الضحايا، والدمار الإضافي، والمزيد من النازحين. وحتى ذلك الحين، سيبقى أهل المخيم ينتظرون عودة مخيمهم إليهم، لانتظار عودتهم إلى بلادهم.