يحتفل العاملون في الإذاعات عادة، باليوم العالمي للراديو في 13 شباط من كل عام، بعد إعلان اليونسكو عنه عام 2011، واعتماده في الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً بموجب قرارها 124/67 (14/1/2013).رغم التقدم التكنولوجي في وسائل الإعلام، ومرور نحو مئة عام على أول بث إذاعي مباشر عبر الأثير، ما زالت المسامع الفلسطينية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالراديو، وربما مردّ ذلك إلى النكبة، واستخدام الإذاعة لاطمئنان الناس بعضهم على بعض، وما قبل النكبة بإذاعة «هنا القدس»، ولاحقاً مع إذاعة «صوت العرب» و«مونتيكارلو» و«bbc» والإذاعات المحلية الرسمية والخاصة التي اجتذبت جمهوراً عريضاً، ولعبت دوراً وطنياً وحيوياً في نقل الأخبار وتوثيق ومواكبة أحداث القضية الفلسطينية.

فلسطين عبر الأثير
وبالعودة إلى مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، لجأ الفلسطينيون إلى الراديو، إذ حظيت الإذاعات المحلية والدولية باهتمام بالغ بالنسبة إليهم، ومع ظهور الإذاعة الفلسطينية الأولى في 30/30/1936، رغم ما أحاطها من إشكاليات حول ماهية إنشائها، بسبب أنها كانت ناطقة بالعبرية إضافة إلى العربية والإنكليزية، وقد استقال في وقتها عدد من الموظفين العرب، احتجاجاً على التعابير التي كان يستخدمها المذيع الصهيوني كـ«أرض إسرائيل» و«أورشليم». لكنها، أي الإذاعة، أدّت دوراً مهماً بقيادة إبراهيم طوقان وعجاج نويهض، باعتبارهما من أهم المعارضين لحكومة الانتداب البريطاني آنذاك.
لقد شكّل ظهور إذاعة «هنا القدس»، في حينه محطة مفصلية، إلى جانب الاهتمام بالإذاعة البريطانية «BBC» الناطقة بالعربية، فضلاً عما مثّلته إذاعة «صوت العرب»، من عامل مهم في تعميق الانتماء القومي بين الجماهير العربية، ولا سيما أنها كانت منبر الخطابات الثورية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى عام 1970. وربما جميعنا سمعنا عبارة «من دمشق هنا القاهرة» التي قيلت على أثير إذاعة دمشق، بعد أن قام الطيران المعادي بتدمير إذاعة «صوت العرب» خلال العدوان الثلاثي على مصر. كان للراديو في تلك اللحظة، كل الدور في تأجيج المشاعر الوطنية والقومية لدى الشعوب العربية، وها هو أثرها مستمر حتى اليوم، فكم مرة أعيدت صياغة العبارة ذاتها، للتدليل على الانتماء، على الشعور الواحد بين الشعوب والعواصم العربية.
وفي فلسطين، في الحروب، وهي كثيرة على الفلسطينيين، يحظى الراديو بأهمية مضاعفة حتى اليوم، فيلجأ إليه الناس باعتباره الملاذ الأول، كوسيلة إعلامية سهلة وغير مُكلفة، بغية مُتابعة تطورات الأوضاع الميدانية، ومعرفة الأخبار والمعلومات في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وشبكات الإنترنت والاتصالات. وهو ما فعلته قناة «الجزيرة» في الحرب الحالية، إذ أنشأت بثاً إذاعياً في نطاق قطاع غزة، حتى يتمكن الأهالي من معرفة ما يحدث، بعد أن قطع الاحتلال الكهرباء، وقطع الاتصالات.
وجدير الانتباه، أن جيش الاحتلال، تعمّد منذ الأيام الأولى لهذه الحرب، أن يدمر الإذاعات المحلية في قطاع غزة مع معداتها، فاستهدف مقراتها، ومحطات إرسالها. فتشتّت معظم الزملاء في الإذاعات، وذهبوا يوثّقون الأحداث كصحافيين يعملون مع مؤسسات أخرى، ولم تمر أيام على حرب الإبادة، وإلا وتأكد أن الاحتلال يتعمد استهداف الصحافيين والكوادر الإعلامية، إذ أسفرت الجرائم المرتكبة بحقهم إلى استشهاد أكثر من 133 صحافياً وصحافية، وإصابة العشرات، فضلاً عن استهداف منازلهم وعائلاتهم.
وعن هذه النقطة اعتبر نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر لـ«الأخبار» أن الاحتفال بيوم الإذاعة العالمي جاء هذا العام في خضمّ حرب شاملة تشنها «إسرائيل» على قطاع غزة، مضيفاً أن «الصحافيين والإعلاميين وعائلاتهم تعرّضوا للخطر الشديد والمميت» مؤكداً أن الأوضاع التي يمر بها الإعلام الفلسطيني هي الأكثر دموية» على الإطلاق.

صمت مريب
الزميل الصحافي عبدالله مقداد، يعمل مذيعاً في إذاعة «صوت القدس» في غزة، تحدث بغصة عن الأوضاع التي يعيشها أهل المهنة في قطاع غزة، «يأتي اليوم العالمي للإذاعة وهناك غصة كبيرة جراء الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لمكوّنات الإعلام الفلسطيني، فلم تعد هناك إذاعات في غزة لنحتفل بيومها العالمي، كل شيء أصبح ركاماً، بعد أن صمت العالم عن حرب الإبادة». وأضاف مقداد واصفاً ما حدث ويحدث: «دمرت الطائرات البرج الذي توجد فيه الإذاعة التي أعمل فيها. وفجأة تغيّرت ملامح المنطقة عن بكرة أبيها، وأزاحت تلك الطائرات كل شيء عن موضعه، فالمكان على أهميته ليس حجارة فقط، بل ذكريات طويلة عشناها، ستبقى تراودنا في كل وقت وحين».
ليس لدى الزميل مقداد أي تفاؤل حتى الآن، فهو يظن أنه «لا بصيص أمل في إمكانية استئناف العمل بالإذاعة في وقت قريب، فالدمار مهول، والاحتلال قضى على كل مقوّمات الحياة».
يعيش مقداد حزنه على استشهاد زملاء له بالاستهداف المباشر. وبسبب تغطيته لأكثر من حرب، أكّد أنه ليس متفاجئاً من حجم الجرائم الإسرائيلية «هذه الحرب كشفت زيف المنظمات الدولية والحقوقية، كون إسرائيل استغلت الصمت العالمي المُريب، فلم يكن أمامها أي خطوط حمر، فاستباح جيشها كل شيء بلا رادع».

غزة بلا إذاعة
تعمل في القطاع 24 إذاعة محلية، تبث على موجة FM، وبعد تدميرها في العدوان الحالي، تسلّلت بعض الإذاعات الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية على ترددات الإذاعات الفلسطينية، لتقوم بتحريض الناس ضد المقاومة، ونشر الشائعات والأكاذيب لتهبيط المعنويات.
واعتبر أبو بكر في حديثه لـ«الأخبار» أن تعطّيل عمل الإذاعات الفلسطينية في غزة بمثابة سياسة إسرائيلية ممنهجة ومقصودة، واستهداف واضح للدور الهام والبارز الذي تلعبه الإذاعة كوسيلة مسموعة يعتمد عليها الفلسطينيون في تفاصيل حياتهم. وشدّد أبو بكر على أن توقف الإذاعات عن بثها وإرسالها «شكّل عبئاً إضافياً على المواطنين والنازحين ولا سيما في ظل الأوضاع الميدانية الصعبة، وتقطيع الاحتلال الأوصال بين المحافظات، واستمرار تعطيل خدمات الكهرباء والإنترنت والاتصالات، جراء حرب الإبادة التي يتعرضون لها».