القاهرة | ما إن أعلنت الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي تخلّيها عن جهود تجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، حتى سارع الفلسطينيون إلى التلويح بالخيارات البديلة التي رموها في ملعب القرار العربي، الذي تمثله لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية.
خيارات كان من المفترض أن يكون حدّها الأدنى التوجه إلى مجلس الأمن لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هذا إذا لم نذكر البنود الأخرى، التي يصل أقصاها إلى حل السلطة. هذا ما كان يجب أن يكون مطروحاً أمام لجنة المتابعة العربية خلال اجتماعها أمس في القاهرة، بعد تأجيل لمرتين على الأقل، إفساحاً في المجال أمام الاستماع إلى الأفكار الأميركية التي حملها المبعوث جورج ميتشل إلى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس والرئيس المصري حسني مبارك، بعدما كان قد نقلها إلى الإسرائيليين.
أفكار أميركية بدت واضحة على ملامح القرار العربي الذي صدر أمس بعد اجتماع مسائي، والذي سبقته جملة من الخلافات. قرار لم يصل إلى الحد الأدنى المفترض، بعدما خلص إلى أن لا مفاوضات «من دون ضمانات جديّة من قبل الإدارة الأميركية». أما التوجه إلى مجلس الأمن، فهو سيكون فقط لتجريم الاستيطان الإسرائيلي وليس الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو توجّه كان محمود عبّاس سبّاقاً إليه، وما قام به الوزراء العرب هو التصديق فقط.
حصيلة مخيّبة تشير إلى أن الرهان على التفاوض لا يزال قائماً رغم الكم الهائل من الإخفاقات التي اعترت الفترة الماضية فقط من جهود ما يسمى «عملية السلام». إلا أن الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، حرص على إضفاء نبرة قوية على القرار، في المؤتمر الصحافي الذي تلى الاجتماع، مشدّداً على الـ«لا مفاوضات»، التي تتبعها مباشرة «قبل الحصول على ضمانات»، يبقى تقدير جديّتها للمفاوض الفلسطيني، ومن ورائه العربي.
وبعد اجتماع دام نحو أربع ساعات، خرج موسى بصحبة رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية حمد بن جاسم آل ثاني إلى الصحافيين، ليعلن أن لجنة مبادرة السلام العربية قررت «عدم استئناف المفاوضات، وأن يكون ذلك رهناً بتلقّي عرض جاد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وفقاً لمرجعيات عملية السلام». وأكد «موقف اللجنة، أن استئناف المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية يتطلب الوقف الكامل لكل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية».
وأوضح موسى أن اللجنة الوزارية العربية دعت «إلى عرض الموقف برمته على مجلس الأمن، وتفعيل قرار لجنة المتابعة بطرح موضوع الاستيطان الإسرائيلي مجدداً على مجلس الأمن الدولي، واستصدار قرار يؤكد الصفة غير الشرعية أو القانونية لهذا النشاط...».
بدوره، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إن العرب سيتوجهون إلى مجلس الأمن حتى لو كانت الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض ضد أي قرار يمكن أن يصدر عن المجلس.
الاستيطان كان مقصد رئيس الوزراء القطري في المؤتمر الصحافي في ما يتعلق بالحديث عن مجلس الأمن، إلا أنه كان قد شدّد، في كلمة خلال الاجتماع، على ضرورة التوجه إلى مجلس الأمن في حالة فشل المفاوضات من أجل تحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. لكنه اشترط لذلك «ثبوت فشل عملية التفاوض».
وسبق اجتماع لجنة المتابعة اجتماع تشاوري لبعض الوزراء، شارك فيه كل من عباس والشيخ حمد بن جاسم ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ووزير الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي، إضافة إلى موسى، فيما سجّل غياب وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن كل الاجتماعات، حيث مثّلت سوريا بمندوبها في الجامعة يوسف أحمد.
وشهد الاجتماع التشاوري انقساماً في الآراء كاد يطيح الاجتماع، بعدما تصاعدت الخلافات بين ‎اتجاهين أقواهما تمثّله مجموعة أبو مازن، التي أبلغت موسى رفضها للتصعيد وتحويل القضية من جديد إلى مجلس الأمن، «حتى لا تستفيد دول محور الرفض (ليبيا، سوريا، اليمن، الجزائر وقطر)..لأن أبو مازن يريد إرضاء محور آخر تقوده السعودية ومصر»، بحسب ما ذكر مصدر عربي. وعلمت «الأخبار» أن الرئيس الفلسطيني لوّح برغبته في الاستقالة خلال اجتماعه مع الرئيس مبارك.
الحراك العربي في القاهرة الذي أثمر القرار الهزيل، سبقه حراك أميركي في العاصمة المصريّة أيضاً إضافة إلى إسرائيل، إذ أعاد جورج ميتشل، بعد لقائه الرئيس المصري، تأكيد سعي بلاده «للوصول إلى اتفاق إطار بين الفلسطينيين والإسرائيليين». وتابع أن «الحلّ يتمثل في مشاركة الجانبين في مفاوضات بنية صادقة، مع مشاركة جميع الأطراف المعنية من أجل تضييق فجوة الخلاف».
إسرائيلياً، أعلنت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو «وافق على مناقشة القضايا الأساسية الخاصة بالصراع مع الفلسطينيين، من خلال المفاوضات غير المباشرة». وذكرت أن نتنياهو «قدّم التزاماً لميتشل» في هذا السياق.
وقالت الصحيفة إن نتنياهو «يرفض إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين بشأن قضايا الحدود والمستوطنات، وكذلك وضع مدينة القدس، قبل الاتفاق على قضية الأمن، التي تمسّك بوضع حل لها قبل القضايا الأخرى».
ولهذا الغرض، وصل مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، دنيس روس، إلى إسرائيل. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن روس جاء أول من أمس «سراً» مبعوثاً للرئيس الأميركي ووزير خارجيته «من أجل فهم الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية في المفاوضات على الحل الدائم»، من خلال سلسلة اجتماعات سيعقدها مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي، ورئيس الشاباك يوفال ديسكين، والمسؤولين الرفيعي المستوى في شعبة الاستخبارات العسكرية.
وتابعت الصحيفة أن الجانبين سيحاولان بلورة «الخطوط الحمراء» الإسرائيلية، والبحث في الترتيبات الأمنية الطويلة الأمد بهدف شملها في اتفاق سلام يُتوصّل إليه في المستقبل. وأشارت إلى «تقاسم الأدوار بين روس وميتشل؛ حيث سيركز الأخير خلال لقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين على قضايا الحل الدائم واقتراح صيغة تسوية، بينما سيركز روس على الجوانب الأمنية للمفاوضات».