سيناء | برغم وجود بحيرة البردويل، شمال غرب سيناء، التي تعد من أهم وأكبر بحيرات العالم، إلى جانب أكثر من 45 ألف كلم مربع من مساحة سيناء خالية تماما من أي مشروعات تنموية، اختار الجيش المصري تنفيذ حيلة جديدة لتدمير الأنفاق على الحدود مع قطاع غزة، عن طريق إنشاء أحواض للأسماك، هي الأولى من نوعها، كمشروع عسكري وتنموي على حدود غزة، وتحديداً بين مدينتي رفح المصرية والفلسطينية التي قسمتها اتفاقية سايكس ــ بيكو.
وفق مصدر عسكري رفيع، رفض ذكر اسمه، فإن الجيش المصري سيحفر أحواضا مائية على أعماق كبيرة للاستزراع السمكي، وذلك على طول الحدود المصرية مع القطاع، لكن الهدف هو «خلخة التربة وغمر أعماقها بالمياه لمكافحة حفر الأنفاق الحدودية بين الجانبين».
يضيف المصدر أن سلاح المهندسين بدأ بالفعل حفر أحواض عميقة (منذ نحو أسبوعين)، كما جرى تجهيز مضخات مياه وكل لوازم مشروع الأحواض السمكية داخل المنطقة العازلة التي صنعتها الحكومة بتفجير مباني رفح حتى عمق كيلومتر وعرض 13 كيلومترا، فيما بلغت المساحة الطولية التي حُفرت قرابة ألف متر حتى الآن، وعلى أعماق تصل إلى 20 مترا، كفيلة بخلخلة التربة فوق الأنفاق التي يمكن أن يحفرها الفلسطينيون على عمق 25 إلى 30 مترا.
وفي المرحلة الأولى، يوضح المصدر أنه سيجري ضخ مياه من البحر المتوسط في الأحواض السمكية عبر خراطيم ومضخات عملاقة بهدف زيادة ترشيح مياه البحر في عمق التربة، لتزيد من غمر الأنفاق وتساهم في انهيارها بفعل المياه المالحة، ما يضمن تهاوي جنباتها بصورة مستمرة.
وبالتوازي مع مشروع حفر أحواض سمكية بطول الحدود، أوشك سلاح المهندسين بقيادة الجيش الثاني الميداني المصري من الانتهاء من تركيب أنبوب مائي عملاق قطره 20 بوصة (50.8 سم) لغمر التربة بمياه البحر.

ستضخ مياه المتوسط
في الأحواض السمكية عبر مضخات عملاقة

المشروع برمته لاقى استهجانا كبيرا في الشارع السيناوي، ووصفه مواطنون كثيرون، ممن كانوا ينادون على مدار عشرات السنوات بضرورة التنمية في مناطقهم، بأنه «مشروع إثم وليس تنمويا»، كما قالوا إنه «سيئ السمعة وسيرتبط بأذهان الناس بحصار غزة». يقول الناشط السياسي حسين جلبانة، إن «من سيأكل من هذا السمك كأنه سيأكل من لحم أخيه الفلسطيني ميتا... هذا حق يراد به باطل، روحوا عمروا ارض سيناء بالزراعة واعملوا أحواض سمك زي ما انتوا عايزين وارحموا شعب غزة».
وعملياً، فإن التضايق السيناوي نابع من أمرين: الأول أن الجيش دمر بعملياته الأمنية وحربه ضد تنظيم «ولاية سيناء» منازل ومصالح المواطنين، والثاني أنه قطع بتدميره الأنفاق أرزاق كثيرين كانوا يستفيدون من التهريب إلى غزة.
في الوقت نفسه، انقسمت آراء عدد من خبراء البيئة والعسكريين بشأن أهمية حفر أحواض للاستزراع السمكي بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة لمكافحة حفر الأنفاق، فقال بعضهم إن الحفر يحتاج إلى دراسة لأن هناك خطورة على مياه الآبار الجوفية، فيما أشاد آخرون بالفكرة ووجدوا فيها ضربا لعصفورين بحجر واحد.
يوضح الخبير البيئي ومدير «الجمعية الأهلية لحماية البيئة» في شمال سيناء، المهندس عبد الله الحجاوي، أن حفر الأحواض بأعماق كبيرة «فيه خطورة على الآبار الجوفية»، محذرا من أن هذا المشروع لا يراعي أهمية المياه العذبة الصالحة للشرب مقارنة بهدم الأنفاق.
ولكن الخبير العسكري، اللواء عبد الله محمد، الذي يقر بأن حفر الأحواض مسألة صعبة ومؤثرة، يرى في ذلك ضرورة للحفاظ «على الأمن القومى المصري».
ووفق المعلومات المتوافرة من أكثر من جانب، فإن منظومة الأحواض يحتاج تنفيذها إلى ستة أشهر على أقل تقدير.
في قضية أخرى، فإنه لا تزال الجدالات بشأن دور القوات الدولية لحفظ السلام في سيناء دائرة. فقبل أسابيع، طالب رئيس تحرير صحيفة «صوت الأمة»، عبد الحليم قنديل بطرد هذه القوات من سيناء، في الوقت الذي لمحت فيه صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يراجع بالفعل مستقبل قوات حفظ السلام المنتشرة في المنطقة منذ ثلاثة عقود، قائلة إن واشنطن «تخشى تعرض قواتها هناك لهجوم من المتطرفين (ولاية سيناء) بعد تصاعد أعمال العنف المستوحاة من تنظيم داعش».
ويطلق على القوات الدولية لحفظ السلام في سيناء ذوي القبعات البرتقالية MFO، وهم عناصر مراقبون مسلحون متعددو الجنسيات، تبلغ في مجموعها نحو 1680 فردا، غالبيتهم من دول «حلف شمال الأطلسي»، و40٪ من الأميركيين. كما ان قيادتهم معقودة دائما لضابط أميركي، ووظيفتهم «مراقبة مناطق نزع السلاح وحركة القوات المصرية»، وهم منتشرون على نحو 30 نقطة مراقبة.
ويرى قنديل وآخرون أنه انتهى دور هؤلاء العناصر المتفق عليه بعد إلغاء مناطق نزع السلاح عمليا، وأنه آن لمصر أن تطالب بطرد الأميركيين من سيناء، ولكن من في الجهة الموازية يرون أن التنسيق العالي بين إسرائيل ومصر ينفي الحاجة إلى هذه القوات.




خبراء عسكريون: الهدف من التهويل في سيناء إظهار أن الدولة ضعيفة

قال قائد قوات حرس الحدود الأسبق عبد الوهاب مبروك، إن وضع قوات حفظ السلام الدولية في سيناء «آمن جداً والجيش المصري يسهل عملها ويستجيب لأي مطالب من شأنها تكفل لهم عملا ميسرا على الحدود بين مصر وإسرائيل». ورأى مبروك أن تصريحات صحيفة «نيويورك تايمز» هي «مجرد تقارير ليس لها علاقة بالواقع وهدفها الضغط على مصر»، مضيفاً: «معاهدة السلام تؤكد استمرار القوات الدولية وعدم سحبها إلا بموافقة مصر وإسرائيل وأميركا، وبتنسيق مسبق».
كذلك يرى اللواء حسام سويلم، وهو المدير السابق لمركز «الإستراتيجيات العسكرية في القوات المسلحة»، أن التقارير والمعلومات المذكورة «لا ترمي إلا للترويج بأن سيناء غير آمنة، والإيحاء بضرورة وجود قوات حفظ سلام كبيرة في سيناء تمهيدا لاقتطاعها من السيادة المصرية»، ولكنه أكد أن «واشنطن لا تستطيع سحب قواتها»، مشككا في توقيت هذا الحديث المتزامن مع «تحقيق قواتنا الباسلة انتصارات على الإرهابيين».
أما المحلل السياسي محمد سيف الدولة، فيذهب أبعد من ذلك بالقول إنه توجد رغبة أميركية في دور أمني جديد في سيناء، موضحا أن وجود هذه القوات يمثل «ضمانة لإسرائيل». ويضيف: «وجود قوات أميركية في سيناء ليس هو القيد الوحيد على السيادة المصرية، فهناك القيد الأخطر وهو تجريد ثلثي سيناء من القوات والسلاح وفقا للملحق الأمني للمعاهدة، وهي السبب الرئيسي في كل ما يدور في سيناء اليوم من اختراق وإرهاب وتهريب وتجارة مخدرات ورقيق وأعضاء بشرية».
ويتابع سيف الدولة: «ليس صحيحًا ما يشيعه البعض اليوم، نفاقا وتضليلا، من أن الإدارة المصرية الحالية قد تمكنت من التحرر من القيود العسكرية هناك بدلالة وجود قوات مصرية إضافية الآن في سيناء تكافح الإرهاب، فهم يعلمون جيدا أن نشر أي قوات إضافية في سيناء يتطلب استئذان إسرائيل وموافقتها على أعداد القوات، وحجم ونوعية تسليحها، وأماكن انتشارها، وطبيعة مهماتها، وأيضاً موعد انسحابها».