رفع فرج درويش اسم البلد الذي لجأ إليه عالياً. أبناء مخيّم البقعة يعرفونه بالبطل، فهو بطل الأردن والعرب بالملاكمة على حد سواء. القصة تبدو جميلة إلى حدّ الآن. لكن درويش ممنوع من الملاكمة لأنه ببساطة رفض أن يلاكم إسرائيلياً، مع العلم بأنه كان بإمكانه أن «يطلّعوا على حمالة» كما قال
قاسم س. قاسم
«مع إني بطل وبلفّ العالم، وبقابل شخصيات مهمة وباخد جوائز، مرات كنت إيجي بنفسي اشتري علبة بيبسي ما بقدرش اشتريها حتى لو معاي مصاري، لأني بحسب حساب بس ارجع على الأردن عندي ديون لازم أسددها وعائلة لازم أساعدها». بهذه العبارات جسّد فرج درويش بطل العرب عام ٢٠٠٥ والأردن بالملاكمة، جزءاً من معاناته كلاجئ فلسطيني في مخيم البقعة. مشكلة درويش ليست عدم مقدرته على شراء «تنكة بيبسي» أو «السوفينير» من الدول التي يزورها مثل هنغاريا، السويد، أو تونس. ببساطة درويش كان يملك حلماً وهو أن يصبح بطلاً عالمياً أولمبياً لأن «الأبطال الأولمبيين لا يمكن نسيانهم»، كما يقول في الفيلم الذي جسّد مسيرته «قمر ١٤» للمخرجة الفلسطينية ساندرا ماضي، الذي عرض أول من أمس في مخيم شاتيلا. لكن حلم درويش بالوصول الى العالمية والنجومية ارتطم بواقع مرّ، وهو أن فلسطينيّتيه، التي يتمسك بها وأي تمسك، منعته من مواجهة ملاكم إسرائيلي في بطولة في تركيا، ما دفع اتحاد الملاكمة الأردني الى معاقبة «البطل» كما يلقبه أبناء مخيمه، بإيقاف درويش عن اللعب وعن المشاركة بالبطولات المقبلة التي يستحقها وأيما استحقاق. «كان ممكن أن أضربه وأقتله، وأطلعه (من الحلبة) على حمَّالة، لكن ما قبلتش هاد الإشي، لأن قبل ما نبدا اللعب لازم نسلّم على بعضنا، ما قدرتش إتصور هذه اللحظة» يقول درويش. هكذا تعرف أبناء مخيم شاتيلا على درويش بعد عرض الفيلم في ساحة قاعة الشعب في المخيم.
كما تعرفوا على طبيعة مخيم البقعة الذي بدا أن حالته أسوأ من مخيمهم، ما دفع أحد الحضور إلى التعليق ساخراً من أن «مخيم البقعة أسوأ من شاتيلا لأن البيوت هناك بعدها زينكو». جذب عرض الفيلم صغار السن من أبناء شاتيلا الذين رأوا في درويش مثالاً يحتذى، عسى أحلامهم كمهمّشين أن تتحقق. بالنسبة إلى كبار السن، حضورهم كان بدافع التعرف إلى واقع معاناة أترابهم في مخيمات الأردن، وخصوصاً أن الفلسطينيين هناك محسودون لأن أوضاعهم أفضل من أبناء المخيمات اللبنانية، حسب ما يقال، بسبب حصولهم على الجنسية الأردنية. لكن الواقع بدا مختلفاً، فالفلسطيني يبقى فلسطينياً أينما حلَّ، إذ إنه وبالرغم من رفع درويش العلم الأردني عالياً وإهداء فوزه على البطل الجزائري فيلالي نصر الدين، إلى ملك الأردن عبد الله، إلا أن ذلك لم يشفع له عند صدور قرار إيقافه عن اللعب بسبب رفضه مواجهة لاعب إسرائيلي. هكذا تحملنا مخرجة الفيلم الى مخيم البقعة على أطراف عمان، نسير في أزقة المخيم، نرى البسطات المتلاصقة في سوقه. على إحدى البسطات يقف البطل كما يناديه أبناء المخيم، يبيع مرغماً وقد أصبح عاطلاً من العمل، ألعاب الأطفال. فجأة ينقلنا أحد المشاهد إلى غرفة بيت درويش، فنراه يشتم إخوته، يضرب أحدهم، ويصرخ على الآخر. أما السبب، فببساطة لأن الشاب خسر نصف دينار لأن إخوته «فقعوا» إحدى الكرات البلاستيكية المخصصة للبيع. في شاتيلا، عاش الحضور هذه اللحظات. انتقلوا من المخيم الى مخيم البقعة، زاروا درويش في منزله، وبسطته، والنادي البسيط الذي يتدرب فيه في المخيم. تنهي المخرجة فيلمها بكادر ثابت، فنرى درويش وأصدقاءه يركضون باتجاهنا. الرسالة واضحة. فبالرغم من قرار المنع، إلا أن «البطل» لا يزال يقوم بتدريباته مصمماً على أن يصبح «محمد علي كلاي الجديد أو أوسكار دي لاهويا».


مشاهد حية

نقلت المخرجة ساندرا ماضي حياة فرج درويش من خلال أسلوب المراقبة الحية للأحداث والوقائع التي جرت مع البطل المعلّق. إذ لا يعتمد الفيلم نمط الأفلام الوثائقية، أي على المقابلات أو الأرشيف، لا بل إنه يكاد يخلو من المقابلات المباشرة. أما بالنسبة إلى قصة الفيلم وتفاصيله وإسقاطاته العامة، يمكن المرء أن يستنتجها من خلال المشاهد الحية التي تدور بين شخصيات الفيلم المختلفة. يذكر بأن «قمر ١٤» نافس في عدد من المهرجانات الدولية، وسيعرض في مخيمات بيروت تباعاً.