بات مشهد صهاريج المياه وهي تدخل إلى مخيم البداوي، فضلاً عن مشهد الدراجات النارية وهي تتنقل في أزقته وهي تحمل غالونات المياه، تعبيراً عن مشكلة لا تحتمل في صيف قائظ
عبد الكافي الصمد
لم تكد الساعة تتجاوز التاسعة صباحاً، حتى كانت سيارة الفان القديمة تعاود الوقوف ثانية أمام محل لبيع المياه المعدنية، تمهيداً لإعادة تعبئتها وتوزيعها على المحال التجارية والمنازل داخل مخيم البداوي.
المحل الذي لم يمر على افتتاحه أكثر من 3 أشهر «يشهد حركة بيع نشطة»، حسب صاحبه محمد عبد العال، معللاً السبب بأزمة نقص مياه حادة يعانيها المخيم بدأت بالظهور قبل نحو شهرين.
داخل المحل الكائن عند المدخل الشمالي للمخيم، ينهمك عبد العال وعماله الستة في توضيب «البضاعة» التي «زاد مبيعها الشهر الماضي بنسبة 25%» على حد قوله، موضحاً أن «الغالون الصغير (سعة 5 ليترات) نبيعه بـ500 ليرة، والغالون الكبير (سعة 15 ليتراً) سعره 1000 ليرة»، لرقة حال الأهالي لأنه «أكتر من هيك ما بيتحملوا». وبرغم أسعاره المنخفضة، فإن «هناك من يأتي ويطلب الغالون من دون أن يدفع لأنه لا يملك ثمنه»، يلتفت عبد العال صوب شاب يجلس خلف طاولة داخل المحل قائلاً له: «افتح دفتر الحسابات وخلي الأخ يشوف قديش إلنا ديون؟».
أزمة المياه في المخيم تعود بنظر موظفين في الأونروا فضلوا عدم ذكر أسمائهم إلى «شح طرأ على مياه الآبار الستة التي يتزود منها المخيم، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي كثيراً في الآونة الأخيرة، بما يمنع ضخ المياه إلى المنازل بالشكل المناسب». إضافة «للكثافة السكانية منذ نزوح أهالي مخيم نهر البارد إليه، ما جعل الحاجة إلى المياه مضاعفة، إلى جانب مشكلة هدر للمياه في البيوت». مظاهر الأزمة تتضح في الجزء الشمالي للمخيم أكثر منه في القسم الجنوبي، لأن القسم الأخير «لم يزد عدد سكانه كثيراً نتيجة نزوح أهالي مخيم نهر البارد»، تقول إحدى السيدات، فيما تشير أخرى وهي تعبر عن سرورها بأنها لا تعاني هذه الأزمة بأن «بيتنا يقع أسفل البئر، وهيك الميّ بتوصل لعنا بلا مضخة وقبل كل الناس». وتشير أم محمد إلى أن «المياه تأتينا ثلاث ساعات في اليوم، الأولى عن السابعة والنصف صباحاً، والثانية عند الحادية عشرة والنصف ظهراً، والثالثة عند الثامنة مساءً، وخلال هذه الساعات الثلاث نملأ الخزانات والأواني بالمياه للاستخدام المنزلي وللشرب أيضاً وهي تكفينا». في الجزء الشمالي من المخيم تبرز المشكلة بوضوح، إذ يشير هلال ربيع إلى أنه يضطر لشراء صهريج مياه أسبوعياً لمنزله، وهو «يكفينا لعدة أيام تقريباً» يقول قبل أن يضيف أن «سعره يتراوح بين 20 ــــ 30 ألف ليرة حسب البائع». ويوضح ربيع أنه يخصص «أكثر من 100 دولار لهذه الغاية»، لافتاً في موازاة ذلك إلى أن كثيرين يدخلون محله (محل سمانة) من أجل شرب المياه الباردة «شو فيك تقول للناس لا تشربوا؟». في ظل هذه الأزمة عملت الأونروا على التدخل لمساعدة الأهالي بعد مناشدات عدة، فأرسلت منذ نحو أسبوعين صهاريج خاصة مجاناً، وربطت شبكة المياه في المخيم بعضها ببعض على أمل حل المشكلة، لافتة في بيان لها إلى أن «أحد الحلول يقضي بزيادة عمق بئر أبو جميع (في الجزء الشمالي) من 100 إلى 175 متراً».
بئر أبو جميع الذي يعد أقدم بئر في المخيم تدل إشارات على أن كميات المياه الموجودة تحته كبيرة، ويشير موظفو الأونروا في هذا المجال إلى أن «خبير مياه استقدمته الوكالة منذ فترة وأكد لها هذا الأمر، وعليه بدأت الأعمال لتعميق». لكن أحد سكان المخيم الذي يقيم في جوار البئر، ردد على مسامع العاملين في الموقع أن البئر يحتاج تجهيزات جديدة لتشغيله، من المضخة إلى المولد الكهربائي فضلاً عن القساطل، وأنه إذا لم تؤمن هذه التجهيزات فـ«ما رح ينفع كل هالشغل».


آبار البداوي

الآبار داخل مخيم البداوي تشرف عليها وكالة الأونروا التي كانت قد أنجزت قبل أكثر من سنة خزاناً كبيراً للمياه فيه، أسهم في جزء كبير منه في حل مشكلة المياه، إضافة إلى بئر آخر أنشأته منظمة اليونيسيف في حي المهجرين. وكان يمكن البئر الذي حفرته إحدى المؤسسات الخيرية أن يحل الأزمة نهائياً، إلا أن مياهه تبين أنها ملوثة بالحديد والزئبق، وأنها غير صالحة للشرب أو للاستخدام المنزلي، فبقي المخيم أسير الحاجة إلى المياه، إلى أن نزح أهالي مخيم البارد إليه لتبرز المشكلة أكبر، وعلى النحو الذي هي عليه اليوم.