العتب ع النظر
حزنتُ كثيراً لما ورد في مقال السيدة نائلة تويني «الاستقواء الفلسطيني»، اكتشفتُ يا عزيزي أن لبنان العظيم عليه أن يوحّد المسلمين والمسيحيين اللبنانيين فقط. لا بل إنه استطاع، للأسف، أن يشقّ الصف الواحد: ما بين جنسيتي اللبنانية وهويتي الفلسطينية. فنصفي اللبناني طلّق نصفي الفلسطيني عندما قرأ مقال السيدة تويني، وأصبح يطالبني بالحرية والسيادة والاستقلال عن الغريب في جسمي! ماذا أفعل يا علاء؟ فلبنانيّتي قررت أن ترحم فلسطينيتي من أن تتحكم بأعضاء جسدي. أخاف أن تصل مواصيلها لطرد فلسطينيتي من جسدي وتقول لها أن تعود إلى الجليل، ماذا أفعل عندها؟ أأصبح مجرد جنسية من دون هوية؟ يا إلهي!
تداركت الموضوع بسرعة، فاصطحبت لبنانيتي إلى المخيم لتستعيد ذاكرتها، وأخذت أُحدثها طوال الطريق عن أمور كانت مُؤمنة بها: «هناك في مخيم القاسمية كانت طفولتكِ، وهنا في شاتيلا كُنت تشاركين الناس همومهم. أتذكرين أبا هيثم؟ استشهد له 3 أبناء وهم يدافعون عن بيروت أيام الاجتياح، وأُم ناصر فقدت ابنها الوحيد في مجزرة صبرا وشاتيلا بعدما خرج من المخيم نحو المجهول. بيت خالك في القاسمية لا سقف باطون له، بل ألواح من الزينكو. وصديقك إبراهيم لا يزال يسكن مخيم البدّاوي، فبيته في نهر البارد ما زال تحت الركام. صديقتك لينا بدون عمل، علقت شهادتها الجامعية على الحائط لتتباهى عائلتها بشهادة الصيدلة أمام الجيران. أتذكرين حنين من عين الحلوة؟ اضطرت أسرتها إلى أن تسجل بيتها في صيدا باسم سيدة لبنانية، فطردت السيّدة حنين وأسرتها وعادوا ليسكنوا المخيم!».
كنتُ أحاول جهدي أن تتفهم لبنانيّتي المسألة من دون حقد، وكنتُ أحاول أن أذكرها دائماً بأن الفلسطينيين لم يخرجوا من بلادهم بإرادتهم، وليس صحيحاً أن معظمهم باع بيته وأرضه وترك البلاد ليسكن بلاد الآخرين لاجئاً في خيمة سنة 1948 أو لاجئاً في مخيم اليوم. أتعرف يا علاء، قررت أن آخذ لبنانيتي إلى طبيب نفسي لتتصالح مع نفسها أولاً ولتتصالح مع فلسطينيتي ثانياً.
أما بالنسبة إلى السيدة تويني، فأنا لا ألومها بل أعاتبها على ما قالت. وعتابي يا علاء ليس على قد المحبة كما يقول المثل، فلم يحصل لي شرف التعرف بالسيدة تويني لأحبها أو أكرهها، بل عتبي كما يقول المثل الآخر على النظر. هذا النظر الذي لو ذهب مرة مع السيدة تويني إلى مخيم لترى كيف يعيش الفلسطينيون اليوم في لبنان، لأحجمت عما كتبت.
إيمان بشير


من أنا لأقول لها

لا يا عزيزتي إيمان. لم تأت النائبة والإعلامية إلى المخيم يوماً. وهل عليها أن تفعل؟! فلدى السيدة من القدرة ما يكفي لتعرف ما لا نعرف. صحيح أنني نشأت وعشت عمري كله في المخيم، لكني لن أعرف عنه ما يعرفون هم. شتان بين من دخلوا الجامعات من أبوابها كسعادة النائبة، وبين من اضطر إلى استبدال بوابة الجامعة ببوابة الورشة. فكما تعرفين يا عزيزتي، قررت بعد حصولي على شهادة البكالوريا أن أختصر الطريق على نفسي. فعملت في ورش البناء بدل الذهاب إلى الجامعة، لست وحيداً في ذلك، لم أكن إلا نسخة من آلاف النسخ المختلفة بين أولاد المخيم. كنت أدرك، حتى حينها، أن مصيري واحد بشهادة جامعية أو من دونها. فلو قصدت إحدى الورش لأعمل دهاناً فهل سيكترث صاحب العمل إن كنت أحمل إجازة في الحقوق؟ وهل يعنيه إن أردت العمل كهربائياً إذا كنت أعرف عن الفينيقيين أكثر من الفينيقيين أنفسهم؟ لا يا عزيزتي، لا يعني الكثيرين أن الشهادات الجامعية لأولاد المخيم مجرد زينة تتوسط صورنا العائلية. ومن يذكر أصلاً أن لنا صوراً عائلية. قرأت يا إيمان ما كتبت سعادة النائبة عمّا أسمته «استضافة مخيم نهر البارد للإرهاب». ذكّرني حديثها بالوقت الطويل الذي مر على انتهاء المعارك هناك. مرّ هذا الوقت دون أن نعرف ما الذي حصل بالضبط. ألم تنتهِ التحقيقات بعد؟ متى ستنتهي؟ هل تعرف يا إيمان سعادة النائبة الإجابة عن هذه الأسئلة؟ في آخر المقال المذكور رأيت البريد الإلكتروني لسعادتها، فكرت للحظة أن أرسل لها وأسألها. إن لم تكن لديها الإجابة فباستطاعتها الحصول عليها. أليست نائبة للأمة التي قدمت 169 شهيداً من أفراد الجيش اللبناني؟ ألا يحق لذوي هؤلاء أن يعرفوا الحقيقة؟ أليس من حق أهل البارد أن يعرفوا لماذا دُمر مخيمهم؟ بإمكانها أن تسأل الحكومة في الجلسة المقبلة للبرلمان. ولكني لم أراسلها طبعاً. فمن أنا لأراسلها؟
شاتيلا ـــ علاء الزعتر